أخبار
البرلماني في مخيال الشعب المغربي .. بين المرجعية الدولية والإصلاح الشامل
بما يمثل إقرارا من ثالث شخصية في الدولة بما وصلت إليه صورة المؤسسة البرلمانية في المخيال العام أكد الطالب العلمي، رئيس مجلس النواب، الجمعة، على ضرورة جعل الذكرى الستين لأول برلمان مغربي منتخب “محطة لضح دينامية جديدة في الممارسة السياسية، وتحسين صورة المؤسسة لدى الرأي العام”.
صورة البرلمان في التمثل المغربي ظلت واقعا مطروحا منذ مدة، لكنها برزت أكثر خلال الآونة الأخيرة التي توالى فيها جر عدد من أعضاء مجلس النواب إلى ردهات المحاكم للاشتباه في تورطهم في قضايا يعاقب عليها القانون، تزامنا مع استمرار ظاهرة الغياب بغرفتي المؤسسة البرلمانية.
ويبقى الأمل معلقا بشكل كبير على مدونة الأخلاقيات التي يجري التوافق بشأنها، وينتظر أن تحمل بين طياتها أحكاما أخلاقية ملزمة من شأنها أن تمكن من تخليق الممارسة السياسية داخل المؤسسة البرلمانية، انسجاما مع ما جاء ضمن آخر رسالة ملكية في هذا الإطار، الأمر الذي يمكن أن يساهم في الحد من “الصور النمطية” حول المؤسسة التشريعية.
وأشار أكاديميون، تحدثوا لهسبريس، إلى أن “تحسين صورة المؤسسة لدى الرأي العام مرتبط بالانطلاق من مجموعة من المداخل، بما فيها المدخل القانوني المرتبط بمدونة الأخلاق، ثم مداخل أخرى مرتبطة أساسا بإصلاح العملية السياسية برمتها، خصوصا في ما يتعلق بالوضعية الراهنة للأحزاب”.
المرجعية الدولية
عبد الحافظ أدمينو، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال إن “أداء البرلمان في الأساس يجب أن يستجيب لمجموعة من المعايير الدولية التي يؤكد عليها الاتحاد البرلماني الدولي، بما فيها التمثيلية الشعبية والشفافية والانفتاح على الرأي العام، وذلك من خلال مواكبة القضايا الاجتماعية المهمة، بما فيها إكراهات الطبقة المتوسطة ومسائل الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية”.
وأورد أدمينو، في تصريح لهسبريس، أن “هنالك مجموعة من المداخل الرامية إلى تحصين صورة البرلمان وثقة المواطنين فيه، بداية بالمدخل القانوني المتمثل في التخليق الذي تشرع فيه المؤسسة خلال الفترة الحالية، على اعتبار أن ذلك بإمكانه القضاء على مختلف الظواهر التي تتنافى وروح القانون وفلسفة الممارسة السياسية”، لافتا إلى أن “حوالي 30 برلمانيا يتابعون اليوم أمام القضاء، مع احترام تام لقرينة البراءة”.
المتحدث ذاته عاد ليوضح أن “هؤلاء البرلمانيين لا يمثلون أنفسهم، لكنهم يمثلون المواطنين، وبالتالي وجب اتخاذ إجراءات قانونية صارمة للحد من هذا الوضع، مع ضرورة ابتعاد عضو المؤسسة البرلمانية عن الشبهات وتضارب المصالح، إلى جانب الالتزام بالمهام، بما فيها مراقبة العمل الحكومي”، موردا أن “تحسين صورة هذه المؤسسة يمكن أن يتم عبر مدخلين؛ أخلاقي وقانوني”.
وفي ما يخص مدونة السلوك البرلماني أكد الأستاذ الجامعي ذاته أنه “من المحبذ الاستئناس بتجارب دولية في هذا الصدد، إذ إن التساؤل المطروح هو كيف السبيل إلى تفعيل هذه الآلية القانونية، خصوصا في هيكلتها؟ فيما يجب التوجه نحو الاستعانة بممثلين عن الفرق البرلمانية، إلى جانب خلق آلية لتتبع عمل المدونة”، خالصا إلى أن “الالتزام في تطبيق هذه الإجراءات من شأنه المساهمة في إعادة الاعتبار لصورة المؤسسة البرلمانية على المستوى العمومي، بما يقوي الثقة الشعبية فيها”.
الإصلاح الشامل
عبد العزيز قراقي، أستاذ الفكر السياسي بجامعة محمد الخامس، أفاد بأنه “تأكد أن الممارسة السياسية على مستوى المؤسسة التشريعية ليست على أحسن ما يرام؛ على الأقل منذ التجربة التشريعية الأولى في إطار دستور 2011، وهو ما يعود أساسا إلى مجموعة الاختلالات التي تتطلب رد فعل بهدف الإصلاح”.
وبيّن قراقي، في تصريح لهسبريس، أن “الأحزاب السياسية باتت مطالبة بإنتاج قيادات تستطيع بلورة وقيادة مشاريع سياسية حقيقية، في وقت يجب كذلك التوجه نحو تشجيع النضال المؤسساتي داخل هذه الأحزاب، وتبني أفكار بشكل فعال”، مؤكدا على “الحاجة إلى إطلاق مسار تواصلي طويل حول العملية السياسية وتوعية الناس باختيار الأصلح لا الأقوى خلال الانتخابات”.
ولفت المتحدث ذاته إلى “أهمية العمل على مستوى اللاشعور السياسي للمجتمع لتصحيح مجموعة من الأفكار المتداول، فالسياسة في نهاية المطاف احتيال ومراوغة إن لم تكن مصحوبة بوعي أخلاقي، مع دفع الأحزاب نحو تجسيد الاختلاف الموجود داخل المجتمع والتحول إلى مشاتل للقيادات القادرة على تطوير أفكار المشاريع”.
وبناء على هذا الواقع فسر الأستاذ الجامعي أن “المؤسسة التشريعية يُحبذ أن تنخرط في هذه الدينامية عبر اعتماد المرونة في تقديم مقترحات القوانين، وتمكين النواب من آليات ووسائل اشتغال، إذ يحتاج ممثل الأمة إلى استشارة خبراء ومساعدين له في اتخاذ المبادرات”، مشيرا إلى أن “تحسين صورة المؤسسة البرلمانية مرتبط بإحراز التقدم في كل هذه النقاط لكون الأمر في نهاية المطاف سلسلة مترابطة”.