سياسة وعلاقات دولية

هل يؤدي قانون “فرنسة التعليم” إلى انشقاق في حزب العدالة والتنمية؟

خلفت مصادقة مجلس النواب (الغرفة الأولى في البرلمان المغربي) على قانون شامل يخص إصلاح منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، جدلا واسعا بسبب مقتضيات ما أصبح يصطلح على تسميته في المغرب بـ “فرنسة التعليم”.

ففي 22 يوليو/تموز وافق على مشروع القانون 241 نائبا وعارضه 4 وامتنع 21 عن التصويت فيما غاب 266 أخرون، ينتمون لأحزاب معارضة وحكومية عن الجلسة لأسباب مختلفة.

ويكمن الجدل الدائر حول قانون إصلاح التعليم هذا في أن المعارضين له يرون أنه يمهد لهيمنة اللغة الفرنسية على المؤسسات التعليمية وتحويل تدريس بعض المواد العلمية والتقنية من اللغة العربية إلى الفرنسية، ويرون في هذا إساءة للغة الرسمية للبلاد.

وكانت الحكومات المغربية المتعاقبة قد اعتمدت منذ عشرات السنين اللغة العربية – وهي اللغة الرسمية في البلاد الى جانب الأمازيغية – لتدريس المواد العلمية.

غير أن وزارة التعليم وفي تبريرها لسن هذا القانون تقول إن 63% من طلبة السلك الثانوي يعجزون عن إتمام مسارهم التعليمي في الجامعات بسبب عدم إتقانهم للغة الفرنسية ويفتقرون إلى المتطلبات اللغوية اللازمة لشغل الوظائف.

وتضيف الوزارة إلى أنها تسعى الى تصحيح الاختلال الحاصل بين طلبة مدارس القطاع الحكومي وأقرانهم في القطاع الخاص. ذلك أن إحصائيات الوزارة تشير إلى أن الطلبة الذين يستطيعون تحمل نفقات التعليم الخاص بالفرنسية يتمتعون بميزة كبرى في سوق العمل.

ويهيمن استخدام اللغة الفرنسية على العربية بشكل واضح في مجالات الأعمال والمعاملات التجارية وعدد من المرافق الحكومية إضافة الى المدارس الخاصة ومعاهد وكليات التعليم العالي بكل تخصصاتها.

ورغم التبريرات التي ساقتها الوزارة والمؤيدون لـ”فرنسة التعليم” أثار إقرار مشروع القانون ردود فعل غاضبة من دعاة التعريب وأحزاب وجمعيات تعارض اعتماد الفرنسية دون سواها في تدريس العلوم والرياضيات والمواد التقنية في المدارس الحكومية.

غير أن إقرار القانون أثار هزة داخل حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الائتلاف الحاكم. فقد استقال رئيس كتلته النيابية في مجلس النواب من منصبه احتجاجا على أمر أصدرته قيادة الحزب لأعضائها 125 بالتصويت لصالح إقرار القانون رغم موقف الحزب المبدئي المعارض لـ “فرنسة التعليم”.

وتعرض الحزب لانتقادات شديدة من أنصاره عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلا أن الموقف الأقوى صدر عن الأمين العام السابق للحزب عبد الإله بنكيران الذي اعتبر موافقة نواب الحزب في البرلمان على التعديلات التي وردت في نص القانون فضيحة وخيانة لمبادئ الحزب.

وقال بنكيران في كلمة له بثها على صفحته على فيسبوك إن ما أقدمت عليه قيادة الحزب جعل منها “أضحوكة الزمان” متسائلا “كيف لحزب بمرجعية إسلامية أن يتخلى عن العربية في التعليم ويحل محلها لغة الاستعمار؟ هذه فضيحة”.

ولم يخف بنكيران درجة استيائه من الحزب قائلا: “فكرت كثيرا في مغادرة الحزب فلم أعد أشعر بشرف الانتماء لحزب تتخذ أمانته العامة هذا القرار”. واعتبر موقف قيادة الحزب أكبر خطأ ترتكبه منذ تسلمها مهمة التدبير الحكومي عام 2011.

غير أن خلفه سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة الحالي والأمين العام للحزب، رد على منتقدي قيادته بدعوتهم الى الاطلاع على مضامين القانون ونصوصه. وقال العثماني في مؤتمر لشبيبة الحزب “لا تساهل في المبادئ. لدي مسؤولية الحفاظ على الحزب، ولن نتخلى عنه ولا عن مرجعيته الإسلامية”… يجب أن نتحلى بأعلى درجات الحكمة ونغلّب مصلحة البلد على مصلحة الحزب”، مضيفا “إذا كانت مصلحة الوطن ضد مصلحة الحزب فمصلحة الوطن أولى”.

واعتبر العثماني أن الانتقادات التي تطال قيادته للحزب جزء مما سماه “خطاب التيئييس والتبخيس والتدليس”، معتبرا إياه “أخطر شيء يهدد الحياة السياسية في المغرب”.

ومن الواضح أن قانون “فرنسة التعليم” كشف أمام الرأي العام المغربي حقيقة مدى التزام قيادة حزب العدالة والتنمية بالمبادئ التي طالما رددتها ودافعت عنها. غير أن منتقدي الحزب، أنصارا ومعارضين، يرون أن الدولة المغربية تمكنت من ترويض الحزب وتطويعه، وأن هذا الأخير لم يعد سوى أداة لتمرير قرارات وتنفيذ سياسات تملى عليه من فوق ولا يملك الحق في معارضتها حتى وإن كانت تتعارض مع مبادئه.

هناك من اعتبر أن ما جرى في مجلس النواب يوم 22 يوليو/ تموز 2019، ومشاركة أعضاء حزب العدالة والتنمية في إقرار قانون التدريس بالفرنسية وما تبعه من انتقادات لقيادته، حدا فاصلا في مستقبل هذا التنظيم الذي قد ينتهي الى انشقاق جزء منه بقيادة الامين العام السابق عبد الاله بنكيران.

 

(BBC)

إغلاق