أرجأ التغيير الأخير الذي أقره الرئيس بوتفليقة على رأس الجهاز التنفيذي، مشروع قانون المالية للسنة القادمة، الذي بات مرهونا بضرورة عرض مخطط عمل حكومة أحمد أويحيي والمصادقة عليها.
بعد أن كان الوزير الأول السابق عبد المجيد تبون، قد شرع في مناقشة العناصر المؤطرة لمشروع قانون المالية لسنة 2018، ضمن مجالس وزارية مشتركة فضل خليفته أحمد أويحيي إرجاء مناقشة الملف الى ما بعد المصادقة على مخطط عمل الحكومة الجديدة، من قبل البرلمان رغم أن تعديل أويحيي لم يشمل سوى ثلاث دوائر وزارية.
مشروع قانون المالية لسنة 2018، شاءت الأقدار أن يخضع لتوجيهات ثلاثة رؤساء للجهاز التنفيذي، فقد سبق للوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال أن وجه مراسلة لوزير المالية والآمرين بالصرف نهاية أفريل الماضي حدد فيها المسموح والمحظور ضمن عملية ضبط مشروع قانون المالية، وهي التعليمة التي أكدت ضرورة عدم تجاوز ميزانية الدولة 6800 مليار دينار، كما وضعت محاذير لضبط ميزانيتي التسيير والتجهيز، قبل أن يخلفه تبون ويشرع في مناقشة مقترحات وزارة المالية وتصورها لحلول تسيير الشؤون المالية لسنة 2018 ، حسب ما تمليه الأزمة المالية التي تعرفها البلاد على مستوى مجالس وزارية مشتركة.
وحسب مصادر الشروق فإن المشروع التمهيدي لقانون المالية للسنة المقبلة لم يرق للبرمجة على مستوى الحكومة بسبب عدم الفصل في مقترحات وزارة المالية المتعلقة بضرورة تخفيض سعر البترول المرجعي لإعداد الميزانية الذي يكاد أن يكون متطابقا مع الأسعار الحقيقية في الأسواق الدولية.
وبعد أن كانت الحكومة قد وضعت نصب عينيها إمكانية رفع السعر المرجعي بـ 5 دولار هذه السنة، عادت لتدرس مقترحا جديدا لإمكانية التخفيض بنحو 10 دولارات، أو 5 دولارات، ومع أن الاقتراحين لن يكون لهما أي تأثير في تقليص عجز الميزانية العمومية وعجز الميزان التجاري إلى غاية سنة 2020، إلا أن مصادر الشروق رجحت أن يفصل أويحيي لصالح اعتماد سعر مرجعي بنحو 45 دولارا، مع العلم أن الرجل ظل طيلة الحكومات التي قادها من قبل حذر في رفع سعر البترول المرجعي في إعداد الميزانية، رغم الصحة المالية التي كانت تتمتع بها الجزائر.
وأوضحت مصادرنا أن تخفيض سعر البترول المرجعي يمليه كذلك تراجع الموارد المالية لصندوق ضبط الإيرادات الذي ظل دوما “عكاز” الحكومة وسندها في تغطية عجز الميزانية ،خاصة في السنوات الثلاث الأخيرة التي استغنت فيها عن اللجوء إلى قانون مالية تكميلي.
مقترح تخفيض سعر البترول المرجعي لضبط ميزانية الدولة الذي شكل حجرة عثرة في وجه الحكومة السابقة وإن ذهبت توقعات وزارة المالية الى محدوديته وعدم فعاليته في تقليص عجز الميزانية العمومية وعجز الميزان التجار، ذهبت التقديرات إلى احتمال تراجع العجز إلى حدود 835 مليار دينار بعد أن قدرها قانون المالية للسنة الجارية بأزيد من 1000 مليار دينار في 2018 بعد تسجيل عجز يقارب 1200 مليار دينار في 2017.
تراجع مداخيل الدولة، وتراجع الجباية البترولية المتأثرة بالتراجع الذي تشهده أسعار النفط رغم إجراءات دول “أوبك” وخفضهم للإنتاج، وتآكل احتياطي الصرف، كلها معطيات تفرض على اويحيي ومن خلال وزارة المالية اتخاذ إجراءات جبائية جديدة لتوسيع الوعاء الضريبي وتحقيق نمو في مداخيل الجباية العادية عند 11 بالمائة السنة القادمة، وذلك في خطوة لتعويض الجباية البترولية التي ظلت طوال العشرية الأخيرة أكبر من إيرادات الجباية العادية، التي من المتوقع أن تصل حسب التقديرات الأولية لوزارة المالية التي سبق وأن ناقشها وزير المالية عبد الرحمان راوية مع الوزير الأول السابق سنة2018 الى حدود 2930 مليار دينار، وبالمقارنة مع تقديرات ميزانية السنة الجارية، فإن الزيادة ستكون بقيمة 265 مليار دينار وبنسبة 10 بالمائة فقط.
الحكومة التي سبق وأن طالبها رئيس الجمهورية في آخر مجلس للوزراء، والتي احتفظت بغالبية أسمائها، عدا منصب الوزير الأول وثلاثة وزراء، بالبحث عن موارد مالية بعيدا عن الميزانية العمومية لإنجاز المنشآت القاعدية ودون اللجوء إلى الاستدانة الخارجية. أكيد ستجد نفسها مجددا خلال تمريرها مخططها أمامي مجلس الوزراء، أمام نفس أوامر رئيس الجمهورية، فهل سيلجأ أويحيي الى نفس ملاذ سلال وتبون، ويرجح كفة خيار إصدار السندات السيادية التساهمية والتشاركية لاستقطاب جزء من رؤوس الأموال المتداولة في السوق الموازية، أم أن أويحيى سيختار ملاذات أخرى.