جغرافيا
الجزائر: ارتباك داخل الحكومة
لم يتمكن لحد الآن الوزير الأول أحمد أويحيى، المعروف بصرامته الإدارية، من ضبط “شؤون البيت الحكومي” بالشكل المطلوب، رغم تعليماته إلى هؤلاء بضرورة الالتزام بواجب التحفظ فيما يتعلق بالتعاطي الإعلامي مع الملفات محل الدراسة والفصل فيها في إطار مخطط عمل الحكومة.
حالة الارتباك وضبابية الرؤية لدى أعضاء الطاقم الحكومي، تقف وراء ما يعتبره المراقبون “تخبطا”ّ في التصريحات وتبرير القرارات التي ينطق بها بعض الوزراء، في ظرف يحتاج الرأي العام إلى “تطمينات ومواقف مسؤولة”.
ومن علامات التخبط والارتباك، ما صرح به وزير السكن الجديد، عبد الواحد طمار، بخصوص تحويل طلبات مكتتبي برامج وكالة “عدل” المتعثرة، إلى صيغة السكن الترقوي المدعم، قبل أن يتدخل أويحيى بـ “قرص” أذنه بعد محاصرة عشرات المكتتبين مقر وكالة “عدل” بالعاصمة، وقطع الطريق احتجاجا على تصريحاته.
ولم يكن تراجع الوزير طمار كافيا لتهدئة الخواطر، بل استدعى الأمر وقوف أويحيى أمام النواب، متعمّدا التأكيد على أن برامج “عدل” ستستمر إلى غاية إسكان أصحابها الذين أوفوا بالتزاماتهم القانونية والمالية لدى الوكالة.
مشكل آخر وجد نفسه فيه أويحيى، في أوج “النقاش” حول إجراءاته التقشفية المرتقبة في قانون مالية 2018، ذلك الجدل الذي أشعله وزيرا الشؤون الدينية والأوقاف، محمد عيسى، الغارق في فضيحة صفقات المصحف الشريف، وزميله وزير العمل والتشغيل مراد زمالي، بسبب هلال شهر محرم؛ فالأول يؤكد أن رصد الهلال لم يتم بعد ويوم الجمعة ليس يوم عطلة مدفوعة الأجر بعد.. والثاني لم يعمل حسابه وأعلن أن الجمعة هو أول أيام شهر محرم والسنة الهجرية الجديدة (1439هـ)!
وقبلهما، خرج وزير التجارة الجديد محمد بن مرادي، بتصريحات زرعت الشكوك في إمكانية أويحيى على “ضبط زمام الأمور” داخل حكومته، بالإعلان عن إعادة الاعتبار لعمليات استيراد مواد ومنتجات “كمالية”، تم منعها من قبل وزير التجارة السابق.. وهو ما يناقض بشكل صارخ التوجه الجديد للدولة والمعلن عنه من طرف الوزير الأول أمام النواب بالقول إن “خزائن الجزائر فارغة”، وإن التمويلات التي ستقدمها الحكومة مستقبلا ستذهب إلى سد العجز في الميزانية واستكمال برامج الاستثمار العمومية في مجالات محددة، لتفادي الذهاب إلى صندوق النقد الدولي للاستدانة.
والخطأ نفسه وقع فيه وزير الأشغال العمومية والنقل، عبد الغني زعلان، الذي صرح هو الآخر بأن مشاريع البنى التحتية ستستأنف، ولم يوضح ما مصير الإعذارات التي وجهتها وزارته إلى شركات خاصة وعمومية، ومنها مجمع علي حداد للأشغال العمومية والبناء والري، ومن أين سيأتي بالأموال لتغطية ميزانيات تلك المشاريع.
ولم يكن وزير الصناعة الجديد يوسف يوسفي، موفقا في تصريحاته الأولى، عندما تفادى الإفصاح عن مصير دفتر الشروط الخاص بنشاط مصانع تركيب السيارات، الذي أعدّه الوزير السابق، محجوب بدة، والذي كان مقررا الإعلان عنه ودخوله حيز التنفيذ بداية شهر سبتمبر الجاري.
واكتفى الوزير يوسفي الذي استفاد من إعادة الاعتبار إليه بعد إزاحته من وزارة الطاقة والمناجم في ماي 2015، بـ “تحريشة” من رجال أعمال، بعد رفضه تمكينهم من الاستثمار في قطاع المحروقات، بتصريح فضفاض، مفاده أن دفتر الشروط المذكور لا يزال قيد الإعداد.
يحدث هذا في ظرف يغرق الجزائريون في بحور من الحيرة، حول مستقبلهم ومستقبل أبنائهم، مستسلمين لشعور بأن “الأمور أصبحت هاملة وسايبة”، بسبب غياب الانسجام والانضباط بين أعضاء الطاقم الحكومي، منذ أكثر من 5 سنوات، وتحديدا بعد إصابة رئيس الجمهورية بالجلطة الدماغية في أفريل 2013، التي اضطرته إلى التقليل من الظهور العلني والإعلامي.
واستفحلت هذه الممارسات خلال فترة تولي عبد المالك سلال زمام الوزارة الأولى، فقد “تعددت” خروقات الوزراء لواجب التحفظ، وتعددت أخطاء بعضهم، مثلما حدث بين وزير التجارة الراحل بختي بلعايب حول تضخيم فواتير الاستيراد وعجزه عن تنفيذ قراراته، وقضية السماح باستيراد السيارات المستعملة للتخفيف من “شراهة” لوبي وكلاء بيع السيارات، وردود زميله وزير الصناعة آنذاك عبد السلام بوشوارب، الذي دخل في معركة حامية مع عبد المجيد تبون الذي تولى إدارة وزارة التجارة بالنيابة بعد وفاة بلعايب.
كما شهدت فترة سلال الأزمة التي أدخله فيها وزير السياحة السابق عبد الوهاب نوري؛ عندما فجر فضيحة الاستيلاء على قطع أرضية في حظيرة الرياح الكبرى بالعاصمة، متهما سلفه عمار غول بالوقوف وراءها، قبل أن يتدخل سلال لإخماد النار بالتصريح بأن “الأمر يتعلق بخطأ وجرى تصحيحه”، بإلغاء قرارات الاستفادة التي منحت لتجار لإنشاء مطاعم ومقاهي، لم يتمكنوا لحد الآن من استرجاع الأموال التي دفعوها مقابل الحصول على التراخيص.
ولم ينج سلال نفسه من هذه المواقف الحرجة؛ إذ وقع في مأزق جراء بث قناة تلفزيونية خاصة مقطعا من دردشة مع أحد مستقبليه بمناسبة زيارة إلى مدينة قسنطينة، وصف فيها السكان الشاوية بعبارات غير لائقة، أدت إلى موجة غضب شديدة ضده، خاصة وأن الحادثة وقعت في خضم الحملة الانتخابية لرئاسيات 2014.