تعيش الجزائر حالة عدم استقرار لافتة في سوق العملة الصعبة، خارج البنوك الرسمية، وتطغى التعاملات غير الرسمية في السوق السوداء على نشاط الجزائريين في تحويل الدينار. وانتعشت التحويلات في ما يعرف بـ”السكوار”، وهو بورصة غير قانونية،وسط العاصمة الجزائرية، بسبب مخاوف من انهيار الدينار الجزائري، خصوصًا بعدما لجأت السلطات إلى طبع العملة لمواجهة الأزمة الاقتصادية التي يواجهها الاقتصاد، إثر انخفاض أسعار النفط في العالم. وندد رئيس الوزراء الجزائري، أحمد أويحيى، بما سماه “الإشاعات” في سوق الصرف غير الرسمية، وخاطب نواب مجلس الأمة، المحاذي لسوق “السكوار” قائلاً: “الإشاعات تغذي سوق السكوار ما جعل سعر العملة الصعبة في تصاعد صاروخي”، وهدد مطلقي هذه الإشاعات قائلاً إن من يشتري اليورو والدولار اليوم سيأتي لاحقًا ليعيد تحويله إلى الدينار.
وبرزت ظاهرة لافتة بين الجزائريين خلال الأسبوع الماضي، بعد إعلان أويحيى بدء طبع الدينار الجزائري بتمويل من البنك المركزي، ما ساق الكثيرين نحو السوق غير النظامية، لطلب كميات كبيرة من العملة الصعبة. ويعتقد الخبير في مجال النقد، عبد الرحمن عية، أن هذه الظاهرة ستستفيد منها الحكومة في النهاية باتفاق مع البنك المركزي، لذلك لا يتشجع كثيرًا لما وصفه رئيس الوزراء بـ”الإشاعات”. وتقيد الجزائر بشكل كبير عملية صرف العملة في السوق الرسمية، ولا يحق للجزائري إلا منحة سياحية سنوية لا تفوق الـ110 يورو، بينما تتم عمليات التحويل بنحو 99% في السوق السوداء، وسوق “السكوار” التي توصف بالبورصة الحقيقية، حيث يختلف سعر صرف الدينار في السوق الرسمية كثيرًا عن سعره في السوق السوداء.
وبلغ سعر اليورو الواحد في السوق السوداء، الأربعاء، 240 دينارًا جزائريًا، بينما لم يتخط حدود الـ170 قبل أسبوع واحد. وقال بائع غير نظامي، مشترطًا عدم نشر اسمه، إن هناك طلبًا كبيرًا على اليورو في السوق السوداء، مضيفًا: “قبل قليل جاءني شخص متوسط الحال وطلب 16 ألف يورو، إذ يعتقد أن العملة الأوروبية أكثر أمانًا في هذه الظروف الصعبة التي تمر بها الجزائر”. وأعاد الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، استدعاء أحمد أويحيى لرئاسة الحكومة، الشهر الماضي، وهو الذي تم تكليفه قبل 20 عامًا بتنفيذ خطة إعادة الهيكلة التي فرضها صندوق النقد الدولي. وأوضح أويحيى أن السياسة النقدية الجديدة التي ستستمر خمس سنوات فقط، ستسمح لبنك الجزائر المركزي بشراء سندات من الخزينة مباشرة، ما يعني طبع الأوراق النقدية لتمويل عجز في الموازنة بلغ 15.4% من الناتج المحلي في 2015 و13.6% في 2016. وتوقعت الحكومة في موازنة 2017 أن تقلص العجز إلى 8%، لكن الخبراء يشككون في إمكانية بلوغ هذا الهدف. ويأتي البرنامج الجديد للحكومة بعد سنتين من تخلي الحكومة عن مشاريع عدة، وإقدامها على تقليص الواردات إضافة إلى خفض قيمة الدينار الجزائري بنسبة 3%. وكانت الجزائر تعتمد في إعداد موازنتها سعرًا مرجعيًا لبرميل النفط بـ37 دولارًا، لتقوم بتحويل الفارق إلى صندوق ضبط الإيرادات (بلغ حجمه 51 مليار دولار عام 2015)، الذي كان يمول العجز في الموازنة.
وبعد انهيار أسعار النفط، المصدر الأساسي للعملات الأجنبية، بدءًا من 2014، استهلكت الجزائر كل أموال هذا الصندوق إلى آخر دولار، في شباط / فبراير، وأضيفت إلى ذلك ندرة السيولة لدى البنوك، وفقًا للحكومة. ولوح أويحيى بصعوبات كبيرة في إمكانية سداد أجور الموظفين في تشرين الثاني / نوفمبر المقبل، بما في ذلك نواب البرلمان، ما عجل بالحركة المالية السلبية في البلاد، وفقًا لمراقبين وخبراء اقتصاديين.