ثقافة وادب وفنونسلايد 1

المغرب … بلاد الألوان الزاهية

نادرة هي البرامج التلفزيونية التي تحتفي بطبيعة وثقافة بلد، مثلما يفعل البرنامج الفرنسي «المغرب بلاد الألوان» (انتهى عرضه أخيراً على الشاشة الأولى للتلفزيون البلجيكي الحكومي الناطق بالهولندية). اذ يبدو مذهولاً بجمال البلج العربي ومتيماً بحبه، ليس فقط بسبب جغرافيته وجمال تنوع تضاريسه بل أيضاً لعاداته القديمة والحديثة، وعلاقة هذه العادات بالمحيط العام، والتأثيرات المتبادلة بين الطبيعة والناس.

يوزع صانعا البرنامج الفرنسيان جان برنارد أندرو وفاني توندر حبهما للمغرب على خمس حلقات تلفزيونية، ستحمل كل واحدة اسم لون خاص (الأبيض، الأزرق، الأحمر، الأخضر، والأصفر الغامق). سيقارب البرنامج من طريق هذه الألوان الحياة الطبيعية والاجتماعية في المغرب، حيث يمثل كل لون جزءاً من الهوية البصرية والثقافية للبلد الساحر الجمال، والذي ما زال غير مكتشف لجمهور واسع حول العالم.

لن تكون الألوان الواسطة لفك أسرار المغرب فقط، بل ستوفر الوسيلة للتنقل بسلاسة مبدعة كثيراً بين فقرة وأخرى في زمن البرنامج، فحلقة اللون الأبيض التي كانت تنتظر الشمس لتشرق على جزء من البلد، سرعان ما يأخذها شعاع الشمس الأبيض الى لون البياض في طيور اللقالق والتي وجدت في منطقة في شرق المغرب الأمان، وهي الطيور الحساسة التي تتنبأ حال المحيط لجهة تلوثه، وتختار لأعشاشها مناطق أمينة. يصور البرنامج في مشاهد رائعة أعشاش طيور وجدت في منطقة آثار إغريقية الملاذ، في الوقت الذي يبدو السكان المحليون سعيدين بوجودها ويتركونها تعيش بسلام.

يذكر اللون الأبيض في طيور اللقالق بالأبنية الفرانكفورتية التي لا تزال قائمة في العاصمة الدار البيضاء، والتي سيكون دليل البرنامج إليها، سائق تاكسي اسمه محمد ولد في العاصمة المغربية، ويحمل هوساً بالبنايات القديمة، التي تم تجديد الكثير منها في السنوات الأخيرة. يمرّ محمد على بعض البنايات الأيقونية في مدينته، ويوصل المشاهد الى مهندس معماري مغربي شاب، يذكرنا بأن مدينته كانت في زمن ما من القرن الماضي ساحة تجريبية للأفكار المعمارية الجريئة، وقصدها في تلك السنوات مجموعة من المعماريين الفرنسيين والإسبان المعروفين، ولا تزال آثار بعضهم ماثلة في بنايات تكتنز الكثير من روح القرن التاسع عشر.

يتواصل اللون ليكون الطريق للانتقال من قسم الى آخر في البرنامج، إذ إن الكاميرا تلتقط مغربياً يرتدي الجلابية المغربية البيضاء التقليدية وهو يسير بين بنايات بيض هي الأخرى، لتتحول وجهة البرنامج الى مدينة صغيرة في المغرب يعرف عنها إنتاج الأقمشة الخاصة بالجلابيات المغربية، والتي تُعَّد بألوانها البيضاء الصافية رمزاً للصفاء والسكينة. يقابل البرنامج نساء يعملن في إنتاج هذه الأقمشة من صوف الخراف، ويتجول في مصنع لعمل الجلابيات.

ولكل من ألوان الأزرق والأخضر حكايات عدة، تقدمها حلقات منفصلة، فالأزرق هو لون البحر العريض الذي يطل عليه المغرب، وهو لون السماء المشرقة لأغلب أيام العام، وهو أيضاً لون قباب الجوامع وحليّ النساء. فيما الأحمر لون البهارات الحارة التي تشتهر بها المغرب والتي تعرض في أسواق شعبية قديمة، ويقصدها بشر من كل الأنواع، ومنهم سياح يبحثون عن أسرار الشرق في تلك الأسواق.

يمكن اختزال هذا البرنامج بأنه قصيدة حب بصرية صافية غير مسبوقة للمغرب. كما يُعَدّ البرنامج سبقاً للتلفزيون الفرنسي في إنتاج هذا النوع من البرامج والتي تبرز جماليات الطبيعة، والتي هي بالعادة ميزة «هيئة الإذاعة البريطانية» (بي بي سي)، ومجموعة محدودة جداً من شركات الإنتاج التلفزيوني الأميركية. ولعل الاستقبال النقدي الجيد الذي حصل عليه البرنامج في التلفزيون البلجيكي وقرب عرضه على أكثر من شاشة أوروبية، هو تأكيد شهية أوروبية لبرامج تكتشف دولاً ومناطق عدة، منها في الشرق الأوسط وأفريقيا.

إغلاق