جغرافيا
احتجاجات عنيفة جنوب تونس إثر وفاة مهاجرين في البحر
أحرق تونسيون غاضبون، أمس، مبنى السلطات المحلية في بلدة سوق الأحد (500 كلم جنوب العاصمة)، وفق ما أفاد به مسؤول ومنظمة غير حكومية، إثر وفاة شبان في حادث بين مركب كان يقل مهاجرين غير شرعيين وبارجة عسكرية.
وأوقع حادث التصادم الذي وقع، مساء الأحد، ثمانية قتلى على الأقل، في حين عبرت منظمات غير حكومية عن خشيتها من أن يكون عدد المفقودين 40 شخصاً.
وقال ياسر مصباح، الناطق باسم وزارة الداخلية التونسية لوكالة الصحافة الفرنسية إن «أربعين مواطناً أحرقوا مقر معتمدية سوق الأحد والمنزل الوظيفي للمعتمد، وحاولوا إحراق مقر الأمن». واستخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق المحتجين في البلدة، بحسب مصباح الذي تعذَّر عليه على الفور تحديد دوافع المتظاهرين.
وبحسب رمضان بن عمر، الناطق باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (منظمة غير حكومية)، فإن الأمر يتعلق بأقارب ثلاثة من ضحايا حادث التصادم الذي وقع قبالة أرخبيل قرقنة على الساحل الشرقي، عبروا عن غضبهم من «موقف الحكومة»، مشيراً إلى وجود «كثير من المفقودين ولا مخاطب من جانب السلطات، ولا يوجد رقم أخضر للاستعلام. وهناك توتر شديد وغضب كبير».
وكانت البحرية التونسية قد انتشلت 38 ناجياً، جميعهم من التونسيين، وثماني جثث بعد غرق مركب المهاجرين، إثر تصادم مع بارجة عسكرية تونسية قبالة قرقنة، بحسب وزارة الدفاع التونسية.
وطالب المحتجون، الذين أحرقوا مقر المعتمدية في الجهة وقطعوا طريقاً رئيسية، بكشف الحقيقة عن حادثة الغرق. وأفاد مصدر إعلامي من الجهة لوكالة الأنباء الألمانية بأن «هناك حالة احتقان، ويخشى أن تشهد المنطقة تصعيداً خلال الليل».
وفيما لا تزال عمليات البحث عن مفقودين مستمرة، أفاد ناجون من الحادث بأن المركب كان يقل أكثر من 90 عنصراً، ولذلك شككت عائلات الضحايا والمفقودين في مدن أخرى بصفاقس وسيدي بوزيد في الرواية الرسمية، بينما أفادت وزارة الدفاع بأنها بصدد التحقيق في الحادث.
واستغل المحتجون في قبلي، أمس، هذا الحادث للمطالبة بمشاريع تنموية في الجهة للحد من هروب العاطلين إلى أوروبا عبر قوارب الموت. في وقت تشهد فيه عمليات الهجرة غير الشرعية انطلاقاً من السواحل التونسية ارتفاعاً لافتاً منذ الشهر الحالي، ما أدى إلى توقيف المئات من الهاربين من الفقر والبطالة في المناطق الداخلية من قبل البحرية التونسية.
وخلَّف غرق المركب جدلاً سياسياً واجتماعياً واسعاً في تونس، خصوصاً بعد اختلاف الرواية الرسمية للحادث عما ذكره بعض الناجين من الاصطدام، واعتبار أكثر من 50 مهاجراً في عداد المفقودين، وهو ما خلق قلقاً مضاعفاً في صفوف عائلات الضحايا والمفقودين.
وانتقدت أحزاب سياسية ومنظمات حقوقية تعاطي الأجهزة الرسمية مع الحادثة، وتعدد الروايات بصددها، ووجهت لها اتهامات بدعم التوصيات الأوروبية بضرورة إيقاف نزف الهجرة في بلدان المنشأ، واعتماد مقاربة أمنية لملف الهجرة غير الشرعية دون الاهتمام ببقية المقاربات.
من جهته، خصص الرئيس الباجي قائد السبسي اجتماع مجلس الأمن القومي، أول من أمس، لموضوع الهجرة غير الشرعية، وأكد على أهمية الجهود التي قامت بها وزارتا الدفاع والداخلية أخيرا لإحباط محاولات الهجرة غير الشرعية، وإنقاذ أرواح المئات من المهاجرين السريين.
ونظم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أمس، وقفة تضامنية مع عائلات الضحايا والمفقودين، حيث أعرب رئيسه مسعود الرمضاني عن استغرابه الشديد من طريقة تعامل السلطات مع الفاجعة، وطالب بالكشف عن ملابسات الحادثة وتحديد المسؤوليات وضرورة محاسبة المتسببين في حادثة الغرق، في حال وجود أي تجاوز.
من جهته، قال زهير المغزاوي، رئيس حركة الشعب المعارضة، إن الحكومة تتحمل المسؤوليّة الكاملة في تفشي ظاهرة الهجرة السرية، من خلال التغاضي عن شبكات السماسرة التي تتاجر بحياة الشبان، مشدداً على أن «إحساسهم بالغبن وامتهان كرامتهم في بلادهم هو الذي يدفعهم إلى ركوب المجهول والبحث عن أمل في حياة أفضل».
وتعقيباً على الرواية الرسمية للحادثة وما آلت إليه التحقيقات الأولية، قال بلحسن الوسلاتي، المتحدث باسم وزارة الدفاع لـ«الشرق الأوسط» إن فرق الإنقاذ ما زالت تمشِّط منطقة الاصطدام بين مركب المهاجرين غير الشرعيين والبارجة العسكرية، كما استعانت بغواصين من أجل البحث عن المفقودين.
أما بخصوص الاتهامات الموجهة إلى المؤسسة العسكرية بخدمة أوروبا لمكافحة الهجرة غير الشرعية، ولعب دور الشرطي في البحر المتوسط، فقد أوضح القضاء العسكري باعتباره الجهة المكلفة بالملف أنه «من غير المعقول بالنسبة للمؤسسة العسكرية أن تغرق مركباً للمهاجرين، في حين أنها مؤتمنة على أرواح الناس وملتزمة بضرورة مساعدتهم في مثل تلك الظروف».
كما دعا ممثل القضاء العسكري إلى «عدم استباق نتيجة التحقيق في القضية، حفاظاً على سلامة الأبحاث ونجاعتها، وضماناً لحقوق جميع الأطراف، واحتراماً لمشاعر المنكوبين وذويهم».
في المقابل، أكد أحد الناجين من الغرق أن البارجة العسكرية التحقت بهم قبل وصولهم إلى السواحل الإيطالية بنحو سبع ساعات، وطاردتهم لمدة ساعتين، ثم اعتدت عليهم برش الماء من أجل شلّ حركتهم، مؤكداً غرق مركبهم قبل دخوله المياه الإقليمية الإيطالية بقليل.
وكانت وزارة الدفاع الوطني قد ذكرت في بلاغ لها أنه «أثناء الاقتراب لمحاولة التعرف على المركب، اصطدم هذا الأخير بالوحدة البحرية مما أدى إلى غرقه، وأشارت في بلاغ ثان إلى أن مركب الصيد توقف عن الإبحار بسبب نفاد الوقود».
وقدمت قوات بحرية إيطالية تتكون من «خوافر بحرية وطوافة المساعدة للمهاجرين الغرقى، وتمكنت بتعاون مع قوات الجيش التونسي من إنقاذ 38 شخصاً وانتشال ثماني جثث، لكن لا تزال عمليات البحث متواصلة عن بقية المفقودين، الذين يقدر عددهم بنحو 100 شخص».