الإقتصاد
البنك الدولي يحضّ المغرب على معالجة بطالة الشباب
حضّ البنك الدولي حكومة المغرب على إيلاء «الأهمية لمعالجة بطالة الشباب والتأهيل البشري وتحسين جودة التعليم وتطوير المعارف والمهارات، لزيادة الإنتاجية وتعزيز التنافسية الخارجية وتعميق الاندماج في الاقتصاد العالمي.
وورد في تقرير حول «آفاق المغرب عام 2040، الاستثمار في العنصر اللامادّي»، أن «التحول الديموغرافي والتنمية الحضرية وارتفاع المستوى التعليمي للسكان وضعف نسبة الإعاقة، عوامل تشكل نافذة من الفرص الفريدة في تاريخ المغرب، بفضل الميزة الديومغرافية الحقيقية التي يملكها وتتمثل بعدد المواطنين في سن العمل بين 15 و65 سنة حتى عام 2040، والتي يجب استغلالها».
لكن هذه الاتجاهات لن تكون وحدها كافية لكسب رهان التحدي الاقتصادي والاجتماعي لتحريك التنمية، إذ اعتبر البنك الدولي أن المغرب «يحتاج أيضاً إلى تحقيق مزيد من الإنتاجية وانخراط أوسع في الاندماج العالمي، وتحسين أداء تراكم رأس المال، وتوجيه أفضل للاستثمارات العامة إلى زيادة النمو الاقتصادي، الذي يتطلّب بدوره مكاسب إنتاجية أعلى من السابق، لكسب رهان تحديات دولة صاعدة في أفق 2040». وتوقع أن يكون المغرب «مضطراً من خلال إعادة توجيه أولوية السياسات العامة نحو تنمية رأس المال غير المادي، إلى تغيير استراتيجيته التنموية وتعزيز السياسات القطاعية».
وتُعدّ بطالة الشباب إحدى النقاط السود في مسيرة التنمية الاقتصادية في المغرب خلال العقدين الأخيرين، وهي تطاول حوالى 23 في المئة من خريجي الجامعات والمعاهد العليا. وترتفع لدى فئات أخرى خصوصاً المرأة، التي تعاني من بطالة تتجاوز 36 في المئة، ويكون السخط في معظم الأحيان على الأوضاع الاجتماعية بسبب ضعف فرص التوظيف، سبباً مباشراً في قلاقل اجتماعية وحراك ضد الحكومة والمنتخبين والمسؤولين، على غرار ما حدث من قلاقل اجتماعية في الحسيمة ومدن أخرى.
وتعتزم الحكومة زيادة أعداد العاملين الشباب بتوفير 55 ألف فرصة عمل عبر العقد في قطاع التعليم والتربية، ونحو 19 ألفاً في الإدارات الحكومية، وتشجيع العمل الذاتي والمشاريع الخاصة لخفض البطالة أو التحكم بها دون 9 في المئة على الأقل.
ومن وجهة نظر المؤسسات المالية الدولية، حقق المغرب تقدماً ملحوظاً في السنوات الـ15 الماضية على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، والحريات الفردية والمدنية والسياسية، والتي تُرجمت إلى نمو اقتصادي مرتفع نسبياً بالغاً معدلاً متوسطاً 4.5 في المئة على مدى عقدين. وساهم في زيادة الثروة الوطنية وتحسن متوسط مستوى معيشة السكان والقضاء على الفقر المدقع والولوج الشامل إلى التعليم، فضلاً عن تحسين الخدمات الأساس وتحديث البنى التحتية.
وأشار التقرير إلى أن المغرب «استطاع إطلاق مسار اللحاق ببلدان جنوب أوروبا، خصوصاً فرنسا وإسبانيا وإيطاليا»، لكن مؤشراً واحداً لم يحقق فيه المغرب النجاح المطلوب، هو عمل الشباب. إذ أن شاباً واحداً من اثنين تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 35 سنة، يحصل على فرصة عمل دون طموحه الشخصي، وغالباً ما يكون في القطاع غير النظامي والهش. لذا يطرح هذا الوضع على الحكومة ضرورة الاستجابة إلى تطلعات الشباب، بالارتقاء في شكل أسرع إلى مستوى من العيش يقترب من نظيره في البلدان الأكثر تقدماً.
وكان ازدياد الدخل في دول الاتحاد الأوروبي حافزاً على هجرة ملايين الشباب طيلة 40 عاماً، لكن الأزمة الأوروبية والمشكلات المصاحبة للهجرة أوقفت هذا الطموح، وتحول الرهان داخلياً على وظيفة مناسبة. ويعتقد اثنين من ثلاثة شبان، أن سبب مشكلة ارتفاع البطالة ليس اقتصادياً بقدر ما هو سوء تدبير وخلل في التسيير وضعف في الحوكمة والرقابة على الإنفاق العام. وقول هؤلاء الشباب إن المملكة «تملك موارد مالية وطبيعية تمكّن من خفض البطالة إلى النصف، أي خلق نحو 600 ألف فرصة عمل جديدة». وسأل البعض «كيف يمكن إنفاق 195 بليون درهم (أكثر من 20 بليون دولار) سنوياً على الاستثمار العام، ولا تتوافر سوى بضع مئات من فرص العمل الحقيقية، في وقت يمكن استحداث 200 ألف منها سنوياً، بمستوى الأجور ذاته المعمول به في جنوب المتوسط، مثل البرتغال مثلاً».
ويبدو الاندماج في الاقتصاد العالمي، الذي ينصح به البنك الدولي، فرصة وتحدياً في آن، إذ ربما يستقطب مزيداً من الاستثمارات الأجنبية ومعها التكنولوجيا الحديثة التي تقلّص بدورها عدد العاملين، وتفقد الصناعة المغربية مناصب عمل سنوياً، على رغم توسع الاستثمارات الصناعية الدولية في المغرب بنحو بليون دولار سنوياً.
وأكد البنك الدولي في تقرير، أن «اندماجاً أكبر في الاقتصاد العالمي وسلاسل القيم العالمية، يحقق للمغرب فوائد على المدى المتوسط عبر تحرير قواعد الصادرات وتنقل رؤوس الأموال، وتقليص الرسوم الجمركية وتحسين مناخ الاستثمار وجعل نظام الصرف أكثر مرونة، والتوصل إلى اتفاق للتبادل التجاري الشامل مع الاتحاد الأوروبي وتطوير القواعد واللوائح التنظيمية في قطاعات كثيرة. وتشمل الإجراءات أيضاً تحرير سوق العمل، وإدخال مرونة أكبر على عقود التوظيف وتحسين الخدمات المرتبطة بالتعليم والصحة والتأهيل. يُضاف إلى ذلك، الاهتمام بالعنصر البشري وحماية الطفولة المبكرة وتقوية المؤسسات ودور القضاء». ونصح بـ «جعل المواطن في صلب الاهتمام الرئيس للدولة، باعتباره المستهدف الأول من التنمية والخدمات العامة، التي يجب أن ترافقها حوكمة ناجعة ورقابة على تنفيذ المشاريع، وإعلام الجمهور في شكل دائم ومنهجي بالتحولات الجديدة، في إطار شفافية الإدارة وانفتاحها الخارجي، كي تكون في مستوى مفهوم الوظيفة العامة في القرن الحادي والعشرين».
ويتطلع المغرب إلى تحديث الإدارة وتحسين مناخ الأعمال، الذي يحتل فيه المرتبة 68 عالمياً. ويطمح إلى أن يصبح ضمن الـ50 الأوائل، وتقوية الرقابة على السياسات العامة لجعلها أكثر إفادة للسكان، وهو مطلب قديم لاستقطاب مزيد من الاستثمار والاستفادة من الكفاءات البشرية المتاحة. إذ لم يسبق أن كان للمغرب هذا العدد الكبير من المهندسين والأطباء والعلماء والخبراء والتقنيين في كل المجالات والمعارف والعلوم، التي تكلف سنوياً أكثر من 7 بلايين دولار لإعدادها.
لكن تصطدم هذه التطلعات المجتمعية في العمل والتنمية والرفاه، بواقع سياسي واجتماعي غير مستعد للتغير، ويحد من ذلك الطموح عبر افتعال صعوبات وهمية وصراعات جانبية سياسية، في بلد لا تزال الأمية فيه تشكل تحدياً في المناطق النائية بنسبة 29 في المئة من السكان، كما لا يزال الجانب الروحي (الدين) يؤثر في الاختيارات الانتخابية».