أنهت بعثة من «صندوق النقد الدولي» زيارة إلى المغرب استمرت أسبوعين في إطار المادة الرابعة من ميثاق الصندوق، استعداداً لإصدار تقرير جديد حول اقتصاد المملكة وآفاقه المستقبلية. وقال رئيس البعثة نيكولاي بلانشيه في حديث إلى «الحياة» إن «الاقتصاد المغربي حقق السنة الجارية نمواً بلغ 4.4 في المئة، وهو مرشح ليرفع النمو إلى متوسط 4.5 في المئة خلال السنوات القليلة المقبلة، مستعيناً بعدد من العوامل الداخلية والخارجية المساعدة مثل مواصلة الإصلاحات الهيكلية التي قلصت عجز الموازنة والميزان التجاري، وتنويع مصادر الدخل خصوصاً تطوير الصادرات الصناعية مثل السيارات والمهن العالمية العالية القيمة».
واعتبر أن «المغرب يحتاج إلى مزيد من الإصلاحات في مجال مناخ الأعمال وشفافية الصفقات الموجهة للشركات الصغرى والمتوسطة، وتطوير الحوكمة الإدارية وتحسين التنافسية الإنتاجية وسوق العمل، فضلاً عن رفع جودة التعليم لخفض معدلات البطالة لدى الشباب والاستفادة من زخم التحسن المسجل في الاقتصاد العالمي وزيادة حجم الاستثمارات والتدفقات المالية الأجنبية، والتحكم في المديونية في حدود 60 في المئة من الناتج الإجمالي».
وأضاف أن «المغرب يحتاج إلى نمو في متوسط 5 في المئة للتغلب على بعض الصعوبات في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، وهي معدلات متاحة شرط الالتزام بضوابط التحكم المالي والاستمرار في ديناميكية الانفتاح الخارجي لمزيد من الاندماج في الاقتصاد العالمي وتسريع وتيرة النمو»، لافتاً إلى أن «تحقيق ذلك يتــم مـــن خلال معالجة خلل منظومة التعليم لتكون أكثر استجابة لحاجات تطور الاقتصاد، وأكثر تنافسية في مجال المهارات الفردية، مع الاهتمام بتأهيل المرأة في سوق العمل وزيادة حصتها في الوظائف، ما يسمح بإيجاد مزيد من فرص العمل ويقلص البطالة» التي اعتبرها «نقطة ضعف» الاقتصاد المغربي. ويعتقد «صندوق النقد الدولي» أن «ضعف المستوى التعليمي يضر بسوق العمل، على رغم وفرة الفرص المتاحة خصوصاً في المجالات المرتبطة بالتصدير». كما أن «ضعف التنسيق في البرامج الحكومية والاستثمارات العمومية يحد من انعكاساتها الإيجابية على فئات من المواطنين».
وقال بلانشيه إن «المغرب لا يعاني نقصاً في حجم الاستثمارات أو الموارد، ولكنه يسجل ضعفاً في الفائدة المجتمعية»، لافتاً إلى أن «الرباط استثمرت في البنى التحتية عشرات بلايين الدولارات لتحديث هياكل الاقتصاد وجذب الاستثمارات، وهو شيء جيد للتنافسية والاستثمار والتنمية».
وأبدى فريق «صندوق النقد الدولي» تفاؤلاً في مستقبل الاقتصاد المغربي، إذ أكد أن «للمملكة حظوظاً وافرة للتقدم في المجالات كافة، وفرصاً كبيرة إلى الوصول إلى معدلات نمو الدول الصاعدة والأسواق الناشئة لتصل إلى 5.5 في المئة على المدى المتوسط، بفضل موارد طبيعية وثروات بشرية، واستقرار سياسي واجتماعي مساعد».
واعتبر أن «الاقتصاد حقق نجاحات كبيرة في ظروف لم تكن مساعدة قبل عشر سنوات مثل الأزمة الاقتصادية العالمية، وارتفاع أسعار الطاقة في السوق الدولية، وتبعات الربيع العربي الإقليمية»، مضيفاً أنه «خرج أكثر قوة ومناعة بفضل برامج طموحة مثل مخطط المغرب الأخضر الزراعي الذي قلص الاعتماد على التساقطات المطرية، ومخطط الإقلاع الصناعي الذي جعل المغرب أول منتج للسيارات في المنطقة، وأحد الاقتصادات الأكثر تنوعاً في أفريقيا والشرق الأوسط».
وساعد النظام المصرفي القوي في المغرب في صمود الاقتصاد وتنويع الدخل وتوسيع الاستثمار في أفريقيا، على رغم بعض الأخطار المسجلة. وقلل من أخطار حدوث أزمات للاستثمارات المغربية في أفريقيا، وأثنى على توسع الرأسمال المغربي في القارة ونقل الخبرة واقتسام التجارب.
ونصح «صندوق النقد» بإدخال تعديلات على أسواق النقد عبر تحرير صرف العملات الأجنبية لتسريع الاندماج في الاقتصاد العالمي.
ولفت إلى أنه «سجّل بارتياح التزام السلطات المالية والنقدية المغربية بتطبيق الإجراء في الوقت المناسب»، مضيفاً أن «هذا قرار سيادي للمغرب وله حق اختيار التوقيت، لكننا في صندوق النقد نؤكد عدم وجود أي أخطار في أسواق الصرف أو التضخم أو التأثير على العملة كما حدث في دول أخرى».
وأشار إلى أن «الوضع الاقتصادي والمالي سليم وجاهز، ولدى المغرب احتياط نقد يكفي لستة أشهر، كما أن قيمة صرف الدرهم متوازنة وهذا وضع مريح». لكنه أضاف أن «من الأفضل تحرير الصرف في زمن الرخاء وعدم انتظار ظروف أخرى كما حدث في دول أخرى في الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية أجبرت على التنفيذ في زمن الأزمة»، مؤكداً أن «هذا مستبعد في الحالة المغربية، لكن تقلبات الأسواق الدولية والصدمات الخارجية واردة، وقد تغير المعطيات على المدى المتوسط».