بعد نجاحها بتصدير أولى شحنات الأسمنت في الـ 12 من كانون الثاني/ ديسمبر الحالي، وتحولها لبلد مصدر له، تتجه الجزائر نحو تصدير سلعة أخرى في قطاع الإنشاءات تتمثل بالحديد والصلب، في خطوة أخرى للتحلل التدريجي من سطوة النفط، مصدر الدخل الأبرز في البلاد.
وبحسب ما نقلته وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية عن مسؤول في “ميناء آرزيو”، لم تحدده، فإنه سيتم تصدير الحديد المخصص للبناء المنتج من مركب “توسيالي الجزائر” للحديد والصلب بمنطقة “بطيوة بوهران”، إلى جانب مصفحات الجبس، قريبًا إلى دول عربية وأفريقية، دون تحديد الكمية المبرمجة للتصدير، أو تاريخ بداية التصدير، أو الدول المستوردة.
وتعتبر الجزائر في الوقت الحالي، دولة مستوردة للحديد والصلب؛ لعدم كفاية الإنتاج المحلي مقابل الطلب المتزايد، بمتوسط واردات سنوية تبلغ نحو 5 مليارات دولار.
وأخيرًا رفعت شركة “توسيالي” التركية، من حجم استثماراتها في إنتاج الحديد والصلب في الجزائر، عبر توسعة أعمالها، إذ من المتوقع الانتهاء من التوسعة بحلول 2021، حسب تصريح لمدير الشركة فؤاد توسيالي، لجريدة “حريات” التركية.
وتنتج الشركة التركية 2.9 مليون طن سنويًا من الحديد والصلب، وتتوقع أن ترفع إنتاجها إلى 5 ملايين طن بعد الانتهاء من أعمال التوسعة.
وكثفت حكومة البلاد بالشراكة مع القطاع الخاص من توطين عديد الصناعات، لرفع نسب النمو، وخفض استنزاف النقد الأجنبي، وتنويع الاقتصاد ومصادر الدخل المعتمدة على النفط بنسبة 94%.
وكان لهبوط أسعار النفط الخام من 120 دولارًا منتصف 2014 إلى 62 دولارًا في الوقت الحالي، دافع للجزائر والدول العربية النفطية، لتنويع اقتصادها بعيدًا عن البترول.
تذبذب في وفرة النقد الأجنبي
وحسب أرقام وزارة الصناعة والمناجم، استهلكت الجزائر 8.7 مليون طن من الحديد والصلب في 2016، ومن المتوقع أن تنتج 3.2 مليون طن نهاية 2017، مقارنة مع 2.5 مليون طن في 2016.
وبلغت فاتورة الواردات من الحديد والصلب 4.9 مليار دولار في 2016، أو ما يعادل 6.2 مليون طن، قبل أن تضع الحكومة سقفًا لحجم الواردات عند مليوني طن، لخفض خروج النقد الأجنبي لتغطية قيمة الواردات.
وتعاني الجزائر من تذبذب في وفرة النقد الأجنبي داخل الأسواق المحلية، مع تراجع أسعار النفط الخام الذي يعد المصدر الرئيس للنقد الأجنبي الوارد إلى البلاد.
العمق العربي الإسلامي
وقال كمال رزيق، وهو خبير ومحلل اقتصادي جزائري: إن “توجه الجزائر للتحول من بلد مستورد للحديد إلى مُصدّر له، سببه خيار الاستثمار والشراكة الخارجية مع دول العمق العربي والإسلامي، على غرار تركيا وقطر”.
وأضاف لـ “الأناضول” أن السلطات عوّلت لسنوات على مصنع الحجار للحديد والصلب الحكومي بمحافظة عنابة الساحلية، لكنه لم يقدر على رفع الإنتاج”.
وأوضح أن “المواد الأولية والخام والاحتياطات متوافرة في البلاد.. من غير المنطقي تصديرها كمادة خام وإعادة استيرادها منتجات نهائية، مع ارتفاع وتيرة برامج التنمية التي تحتاج كميات كبيرة من الحديد والصلب“.
وتستخرج الجزائر حوالي 3.4 مليون طن سنويًا من خام الحديد بمناجم شرقي البلاد “الونزة، وبوخضرة، وحنيني”.
وتملك البلاد احتياطات ضخمة من خام الحديد في منجمي “غار جبيلات” و”مشري عبد العزيز” تقدر بنحو 3 مليارات طن، ولكنهما غير مستغلين لحد الآن.
وزاد رزيق: “أطراف، لم يسمها، كانت تنتظر المتعامل الفرنسي ليأتي إلى البلاد ويكون الاستثمار من نصيبه، لكن خيار الشراكة والاستثمار كان في جهة العمق العربي الإسلامي، عبر تركيا وقطر والنتائج بدأت بالظهور”.
تسارع الإنتاج
وتشهد وتيرة إنتاج الحديد والصلب في الجزائر، تسارعًا خلال السنوات الماضية، وبلغت 108% منذ 2010 حتى نهاية 2016، بفضل فتح المجال لشركات جزائرية خاصة وأجنبية للاستثمار في هذا القطاع.
توقعات لوزارة الصناعة الجزائرية في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أشارت إلى أن إنتاج الجزائر من الحديد والصلب، سيبلغ 12 مليون طن بحلول 2020 “دون إنتاج مجمع الحجار”.
وأرجعت الوزارة حجم الإنتاج الكبير، إلى الدخول المحتمل لجميع المشاريع التي توجد حاليًا قيد الإنجاز “10 مشاريع في عموم البلاد”؛ ما سيحقق فائضًا سنويًا يقدر بنحو 3.5 مليون طن سيوجه للتصدير.
وفي حال تنفيذ المشاريع المصادق عليها حكوميًا “مشروع عنابة لمجمع حداد للأشغال العمومية، التوسعة الرابعة لتوسيالي، بدوي ستيلي كاراتاس، وإنشاءات آسير” فإن الفائض سيبلغ 9.5 مليون طن سنويًا، حسب توقعات الوزارة.
وتعوّل الجزائر على دخول مصنع “بلارة” للحديد والصلب وهو “شراكة قطرية – جزائرية” بمحافظة “جيجل”، الذي تبلغ قدرته الإنتاجية النهائية 4.2 مليون طن سنويًا في 2019، من المتوقع أن يصل إنتاجه كمرحة أولى إلى مليوني طن سنويًا.
كذلك، فإن إعادة تهيئة المجمع الحكومي لإنتاج الحديد والصلب بمنطقة الحجار بولاية “عنابة”، من المتوقع أن تؤدي إلى زيادة إنتاجه بـ 1.2 مليون طن سنويًا لتصل إلى 2.2 مليون طن.
استثمارات تركية
وبدأ مشروع “توسيالي” التركي أعمال توسعة المرحلة الثالثة وتستمر حتى 2018، والرابعة حتى 2021، تصعد بقيمة الاستثمارات من 2.250 مليار دولار حاليًا، إلى 6 مليارات دولار.
وأعلن فؤاد توسيالي، مدير الشركة التركية، في تصريح صحفي، أن استثماراته في الجزائر ستبلغ 6 مليارات دولار، بعد إنتاج مصنعين ضمن المرحلة الرابعة.
وأشار توسيالي، إلى “توافر الاستقرار في الجزائر، كما أن اقتصادها يدار بشكل جيد في الوقت الحاضر”؛ ما شجعه على توسيع استثماراته في البلاد.
وكشف عن رغبته في التوجه مستقبلًا للتصدير نحو أفريقيا انطلاقًا من الجزائر، “نطمح لتكون الشركة عملاقة في صناعة الحديد والصلب في إفريقيا، ومن بين أفضل 25 شركة في العالم”.
وإلى جانب “توسيالي”، تنشط شركة تركية أخرى تدعى “أوزميرت الجزائر” بولاية “عين تموشنت” لكن باستثمار أقل يبلغ في حده الأقصى 300 ألف طن سنويًا، حسب وسائل إعلام جزائرية.