أعلنت أمس مصادقة الجمعية الوطنية الموريتانية على ميزانية الدولة لعام 2018، وسط تفاؤل من وزير الاقتصاد والمالية، بوصول الإصلاحات الاقتصادية المتواصلة لأهدافها ومدياتها المحددة خلال العام المقبل.
وبلغت الميزانية الجديدة 000 394 426 518 أوقية موريتانية (1 دولار=353 أوقية).
وتتوزع موارد الميزانية على عدة أقسام هي إيرادات الميزانية ذات الطابع النهائي، وتبلغ 000 394 326 491 أوقية، وإيرادات الميزانية ذات الطابع المؤقت، وتبلغ 000 000 100 أوقية، والميزانيات الملحقة وحسابات التحويل الخاص، وتبلغ 000 000 000 27 أوقية.
وأكد وزير مختار اجاي وزير الاقتصاد والمالية في شروح قدمها للبرلمان «أن البرنامج الاقتصادي للحكومة لسنة 2018 يرمي إلى تحقيق جملة من الأهداف الاقتصادية الكلية كتحقيق نسبة نمو حقيقي للمنتج الداخلي الخام بمعدل 3%، واحتواء نسبة التضخم دون مستوى 3%، واحتواء عجز الميزانية الإجمالي عند 3ر0% من المنتج المحلي الإجمالي غير الاستخراجي، والحفاظ على الاحتياطات الرسمية في مستوى مناسب (3ر5 أشهر من واردات السلع والخدمات).
«ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، يضيف الوزير، فإن المبادئ التوجيهية لعمل الحكومة ستتركز على متابعة الإصلاحات الهيكلية قصد تحسين مناخ الأعمال والحكامة الاقتصادية من أجل تحسين القدرة التنافسية، وتشجيع تنويع القاعدة الإنتاجية، و تعزيز دور القطاع الخاص وترقية المنتج الوطني، وتعزيز مكتسبات الجهود المبذولة على مستوى الميزانية عبر عصرنة السياسة الضريبية، وتعزيز كفاءة إدارة الضرائب والجمارك مع إعطاء الأولوية للنفقات العمومية والتحكم في المديونية العمومية، وزيادة الإنفاق الاجتماعي خاصة على مستوى التهذيب والصحة وكذا الحماية الاجتماعية، ودعم الأنشطة الرامية لمحاربة الفقر».
وأوضح الوزير «أن الميزانية الجديدة تأخذ بعين الاعتبار التكفل بالأحداث المهمة المرتقبة في موريتانيا سنة 2018 وهي على وجه الخصوص نفقات تنظيم مؤتمر القمة الأفريقية، وتنظيم الانتخابات التشريعية والبلدية وربما المجالس الجهوية، والانعكاسات المتوقعة من جراء نقص التساقطات المطرية لهذا العام على المواطنين والمواشي من خلال دعم البرامج الاجتماعية». وأوضح «أن التوقعات تشير لارتفاع نمو المنتج المحلي من 2ر3% سنة 2016 إلى 6ر3% سنة 2017، ليستقر عند 7ر3% عام 2018، ما سيسهم في الانتعاش المطرد للاستثمار، خصوصا في قطاع الصناعات التحويلية، وزيادة التبادلات التجارية والإنتاج الصناعي، إلى جانب تجديد ثقة رجال الأعمال والمستهلكين، في تسارع نمو النشاط الاقتصادي».
وقال «إن صدمة التبادل الخارجي التي يعرفها الاقتصاد الوطني منذ سنة 2014، وأثرها في النشاط الاقتصادي الكلي، أسهمت في تباطؤ في النمو وتراجع في دخل الدولة وتعمق في عجز الميزانية والحساب الخارجي الجاري».
«ولمواجهة هذه الظرفية المقلقة، يضيف الوزير، تبنت الحكومة بدعم من الشركاء الفنيين والماليين، سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية لضبط المالية ودعم مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد غير الاستخراجي بغية إنعاش النمو وتنويع الاقتصاد، عبر إجراءات تحسين فعالية وتسيير النفقات العمومية، ووضع إطار مؤسسي لصياغة واختيار وبرمجة الاستثمارات العمومية، وإدراج النفقات الاستثمارية الممولة خارجيا ضمن ميزانية الدولة، وتنفيذ المرحلة الأولى من إصلاح المؤسسات العمومية». وأكد الوزير «أن تراجع النمو الاقتصادي في موريتانيا يعود أساسا لانهيار أسعار قطاع الصناعات الاستخراجية التي شكلت 12.5% من المنتج الوطني الداخلي سنة 2016 و10.5% سنة 2017 بمعنى أن هذا المنتج نقص بـ 2.5% ما يفسر أن هذا التباطؤ كان طبيعيا جدا، وبالتالي فإن مقاربة اقتصاد موريتانيا بالبلدان التي لا تعتمد على هذا القطاع تعتبر غير موضوعية حيث أن هذه البلدان استفادت من هذا الانهيار، بينما شهدت الاقتصادات المشابهة تدهورا أكبر».
وتأتي المصادقة على الميزانية الجديدة بينما تستعد موريتانيا ثاني أكبر مصدر للحديد في أفريقيا، والغنية بمناجم النحاس والذهب وباحتياطها الضخم من المنتوجات البحرية، لتسويق المواد النفطية عام 2021.
كما تتزامن مع احتفال موريتانيا مؤخرا بتسجيلها عشر نقاط في سلم مؤشر مناخ الأعمال (داوونغ بيزنس) لعام 2018، حيث انتقلت من الرتبة 160 إلى الرتبة 150.
إلا أن هذه المصادقة تتزامن مع ظرف تتحدث فيه المعارضة الموريتانية عن فساد كبير يطال عددا من مؤسسات الدولة.
وتعاضد ذلك مع نشر منظمة «شربا» الفرنسية قبل أسابيع قليلة لتقرير انتقدت فيه ما سمته «انتشارا وبائيا للرشوة والفساد في موريتانيا، يعرقل ويعوق تنمية هذا البلد ذي الخيرات الوفيرة». ولاحظت في تقريرها أن انتشار الفساد والرشوة لايزال مستمرا في موريتانيا بوتيرة متصاعدة، ما جعل موريتانيا تمر بوضع شديد الصعوبة منذ انهيار أسعار مناجم الحديد.
وأكدت «شربا» «أن هناك أكثر من سبب للجزم بأن التمويلات الضخمة التي قدمتها مؤسسات التمويل الدولية لموريتانيا إنما تغذي في مجموعها نظاما مغلقا للرشوة وتبديد الثروات، وهي بذلك تسهم في تبذير الموارد العمومية لهذه الدولة».
وأضافت «برغم هذه الثروات الهائلة وبرغم أن سكانها قليلون، لا يتجاوزون أربعة ملايين نسمة، يضيف التقرير، توجد موريتانيا ضمن قائمة الدول الأقل تقدما، بل إن صندوق النقد الدُّولي يدرجها في موقع مخيب للأمل في مؤشراته الخاصة بانتشار الرشوة».
وعرض تقرير رابطة «شربا» أمثلة للفضائح السياسية والاقتصادية ولسوء تسيير الموارد في موريتانيا معتبرا «أن كل هذه الممارسات ستشل اقتصاد هذا البلد في وقت قريب إذا لم يُتدارك الموقف».
ونفت الحكومة الموريتانية عدة مرات، اتهامات الفساد التي تضمنتها تقارير الهيئات الدُّولية الناشطة في مجال مراقبة الشفافية وبخاصة رابطة «شاربا» ذات التقارير المحسوبة على رجل الأعمال المعارض محمد بوعماتو، كما نفت الاتهامات الواردة أيضا في بيانات المعارضة، مشددة على «التزام الرئيس محمد ولد عبد العزيز المبدئي بمحاربة الفساد منذ وصوله للسلطة حيث جعل من مكافحة هذا الوباء محورا أساسيا في برنامجه الانتخابي، الذي زكاه الموريتانيون خلال ولايته الأولى والثانية».