سلايد 1سياسة وعلاقات دوليةشؤون دينية

“إنزال” عسكري مغربي أمريكي في المحيط الأطلسي يُثير توجس الإسبان

لا تنظر مدريد بعين الرّضا إلى تزايد التنسيق الميداني والعسكري بين واشنطن والرّباط. وقد تقوّى هذا التّقارب وبدأ يعطي ثماره بتنظيم مناورات ضخمة على الشّريط الأطلسي، الذي لم تهدأ مياهه منذ ما يقرب الأسبوع، بعدما تحرك الأسطول العسكري البحري الأمريكي في مناورات جمعته بنظيره المغربي، الذي شارك بفرقاطة وطائرات نفّاثة.

هذا التّوجس مفهوم وله تبريراته بالنظر إلى حجم التّفاهم الذي يطبع العلاقات بين الرباط وواشنطن، والذي تكلّل بتوقيع اتفاق تاريخي يقضي باعتراف الولايات المتحدة بمغربية الصّحراء، وهو ما أثار حساسية كبيرة داخل الأوساط الإسبانية، التي فوجئت بالإنزال العسكري الكبير في المحيط الأطلسي.

الخبير في الشّأن الأمني والاستراتيجي، الشرقاوي الرّوداني، أوضح أن “بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية علاقات استراتيجية تهم مجالات التعاون على مستويات متعددة”، مشيرا إلى أن “هذه العلاقات الثنائية بين البلدين تطورت بشكل لافت في السنوات الماضية، وعرفت تبادل زيارات لمسؤولين رفيعي المستوى على المستويين الأمني والعسكري من الجانب الأمريكي”.

وأضاف الرّوداني، أن “المغرب أصبح يلعب دورا محوريا في معادلات جيواستراتيجية كبرى تحظى باهتمام القيادات العسكرية في المؤسسات الأمنية والعسكرية الأمريكية، نظرا للتحولات التي تعرفها الهندسة العسكرية الأمريكية على مستوى القيادة الأوروبية EupCom، والأفريقية AfriCom، وكذلك CentCom، والتي أصبحت في نقطة اتصال مع مجال جيوسياسي جديد مرتبط بشرق وغرب حوض البحر الأبيض المتوسط من خلال مناورات القوات البحرية المشتركة الأمريكية”.

واسترسل الخبير الأمني قائلا إن “هذه المناورات برزت في عمليات مركزة مؤخرا لمكافحة القرصنة، شاركت فيها الفرقاطة NavyGR Hydra مع سفينة US Navy John Paul Jones لدعم عملية التجاوب التكتيكي السريع مع تهديدات بحرية ذات تأثيرات لا متماثلة”.

وفي هذا الصّدد أوضح الرّوداني أن “الاهتمام الأمريكي بالمملكة المغربية والقيام بمناورات عسكرية مشتركة، مرة أخرى، يجسدان الرؤية والتقييم المشترك للتهديدات الناشئة والمحدقة بالأمنين القوميين المغربي والأمريكي”.

وتوقّف المحلل ذاته عند عمليات “مصافحة البرق” لـ 2021 Ligthning Hanshake ، التي تشارك فيها قوات بحرية أمريكية، من خلال أحد أهم البوارج البحرية في المنظومة العسكريةUSS DWIGHT D. EIZENHOWER ، والتي تعتبر نقطة ارتكاز تكتيكي في الأسطول الأمريكي السادس، مشيرا إلى أن “الهدف منها هو تقاسم وتطوير المهارات الثنائية، والسعي إلى تحقيق الأهداف المشتركة، خصوصا تلك المرتبطة بحماية الممرات البحرية ذات الأهمية الحيوية بالنسبة للأمن القومي المغربي وكذا الأمريكي”.

وأوضح أن “التطورات التي تعرفها دول الساحل الأفريقي وجنوب الصحراء وخليج غينيا، زيادة على التطورات التي تعرفها منطقة المتوسط بشماله وشرقه، أصبحت تشكل خطرا كبيرا وتحديا على الأمن والتجارة الدولية. كما أن محددات التطورات المتلاحقة التي تعرفها جيوسياسية العلاقات الدولية المتناثرة، والتي أصبحت تنحو إلى تشكل تماثل استراتيجي، قد تعصف بالتوازنات في منطقة شرق وغرب المتوسط”.

وأضاف أن “الخيارات المطروحة بالنسبة للإدارة الأمريكية والقيادات العسكرية (البنتاغون) تبقى مفتوحة في خلق محور استراتيجي لقيادة عسكرية جديدة جنوب أطلسية South Atlantic Command ، خصوصا بعد ظهور إرهاصات استراتيجية من شأنها خلخلة مجموعة من المعادلات داخل القارة الأفريقية والمحور الجديد الجنوب الأطلسي”.

وتابع الخبير الأمني قائلا: “إن سرعة تطور العلاقات المغربية الأمريكية والتعاون المثمر بين البلدين يظهران التحالفات الاستراتيجية المستقبلية، ومن ثم فإن مدريد تهتم بشكل كبير بطبيعة التعاون بين الرباط وواشنطن”، مبرزا أن “هناك جهات سياسية معينة في إسبانيا تتوجس من الدور الكبير التي أصبحت تلعبه الرباط في توازنات عبر وطنية وإقليمية”.

ووقف الروداني عند طبيعة أهداف المناورات العسكرية المغربية الأمريكية، مشيرا إلى أن من أهدافها التشغيل البيني بين القوتين عبر مناطق حرب متعددة، تشمل الحرب السطحية، والحرب المضادة للغواصات، والحروب الجوية، والهجومية المركبة، والدعم اللوجستيكي الجوي، البحري، الجوي والأرضي، وكذلك عمليات الاعتراض البحري. وهما من أساسيات البراديغمات العسكرية للحروب اللاتماثلية والجديدة المرتبطة بالمخاوف الأمنية الناشئة في تقاطعات جيوسياسية بمنطقتي شرق غرب المتوسط والجنوب الأطلسي، يضيف المحلل ذاته، مؤكدا أن “هذه المنطقة تبقى حبلى بالتحديات الأمنية الأفريقية”.

وأشار إلى أن “مشاركة أسراب طائرات من الجناح الناقل الجوي لـUSS EISENHOWER، وسرب المقاتلات الضاربة Wild Cats وRampagers، وسرب طائرات الهليكوبتر القتالية البحرية بقوات “الكلاب المدربة” و”ثعالب المستنقعات”، وطائرات Zappers من سرب الهجوم الالكتروني تبين حجم البرنامج المكثف الذي خضعت له القوات البحرية الملكية، وتمرسها على أحدث الاستراتيجيات والتكتيكات العسكرية الدقيقة، وهو ما يعزز قدرات القوات المسلحة الملكية في العمليات Inter armées ، وكذلك رفع منسوب القدرة على تنفيذ المهام Mission Capable Rate”.

واستطرد الرّوداني قائلا: “هذا النوع من التدريبات والاتصال بأحدث التكنولوجيات العسكرية من الجيل الخامس يغريان مجموعة من الدول، ومن ثم فإن إسبانيا ودولا عديدة ترى في تطور الهندسة العسكرية المغربية أمرا يستحق وضعه تحت المجهر”، مبرزا أن المناورات العسكرية الأمريكية المغربية جرت في المياه المغربية وفي هذه الحالة بالعلاقات المغربية هي سيادية”.

وأوضح الخبير ذاته أن الاهتمام الكبير لإسبانيا وغيرها من الدول بهذه العمليات المشتركة هدفه تقييم طبيعة تطور العلاقات العسكرية بين المملكة المغربية والولايات المتحدة الأمريكية بعد اعتراف واشنطن بسيادة المملكة على أقاليمها الجنوبية. وأضاف أن “قراءة في العتاد العسكري المشارك في هذه المناورات والأهداف المشتركة في هذه الظرفية الدقيقة، خاصة أن مناورات أمريكية إسرائيلية أخرى تجرى في منطقة الشرق الأوسط بين US AFCENT والقوات الجوية الإسرائيلية من خلال سرب طائراتF15 ، تترك مجالا للاستخبارات العسكرية لدول عديدة في محاولة القراءات والاتصالات حول التطورات الجيوسياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وتركيا والجنوب الأطلسي، إلى جانب منطقة غرب أفريقيا”.

وأكد الرّوداني أن “أهمية المملكة المغربية في هذه المعادلات فرضت اهتماما خاصا بالقوات المسلحة الملكية، وتمرسها في دحض مجموعة من التهديدات، إلى جانب قدرتها على مجابهة مخاوف كثيرة تمس الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها، وهو ما يمكن أن نستجليه في مساهمة القوات المسلحة الملكية في استتباب الأمن والاستقرار في بؤر التوتر في أفريقيا الوسطى والكونغو الديمقراطية”.

المصدر: هسبريس

إغلاق