جغرافياسلايد 1

التاريخ المشترك بين المغرب والجزائر.

كان لمحمد بن عبد الكريم الخطابي دور فعال في بلورة الحس النضالي المشترك بين الأقطار المغاربية، فبعدما انتهت سنوات نفيه الطويلة في جزيرة لارينيون )1926  (1947 –دخل في مرحلة جديدة من مراحل كفاحه ضد الاستعمار، فكيف استطاع الأمير الريفي توحيد صفوف جبهة النضال ضد المستعمر؟

يقول عبد الكريم غلاب في كتابه ” تاريخ الحركة الوطنية بالمغرب من نهاية الحرب الريفية إلى بناء الجدار السادس في الصحراء“،– وهو أحد الشهود والفاعلين في مرحلة القاهرة – متحدثا عن أصداء نزول محمد بن عبد الكريم الخطابي بالقاهرة، إن مكتب المغرب العربي، الذي كان مصدر أخبار النزول، أصبح أشهر مؤسسة نضالية في العالم، لما حج إليه آلاف الصحفيين من مختلف ربوع العالم “ليروا بطل الريف، وليتحدثوا إليه، وليسجلوا الحدث الخطير الذي هز العالم”، ويضيف الشاهد نفسه موضحا كيف ازداد نشاط النضال الذي يهم المغرب العربي في القاهرة وفي جميع البلاد العربية، إثر ذلك النزول،  وكيف أصبحت الجامعة العربية تهتم أكثر من ذي قبل بقضايا المغرب العربي، كما أصبحت مصر باستضافتها أحد أبطال شمال إفريقيا ملتزمة مع المنطقة…،  لقد شكل نزول الخطابي بمصر – حسب غلاب – دفعة جديدة، ونقطة إيجابية لصالح الحركة الوطنية، وعملية نصر في المعركة ضد الاستعمار.

وقد عزم محمد بن عبد الكريم الخطابي على تجديد نضاله ضد الاستعمار، وخلق عمل موحد ضد فرنسا، وهذا ما جعل رؤساء الأحزاب السياسية ومندوبيها في الشرق العربي يلتفون حول لجنة عليا تحت رئاسته، وهي اللجنة التي كانت مهمتها تتمثل في إدارة الكفاح الوطني، حتى يتم استقلال الأقطار المغاربية الثلاثة(المغرب وتونس والجزائر)، وتسترجع سيادتها الكاملة، وقد أطلق عليها اسم “لجنة تحرير المغرب العربي” وكان تاريخ تأسيسها، والإعلان عنها هو نهاية سنة 1947، وبداية سنة 1948، باعتبارها الطريق الوحيد الموصل إلى تحقيق الغايات، وإدراك الأماني، والحاجة إليها من اجل تقويض أركان الاستعمار.

وجلء هذا  التنسيق والعمل المشترك بين الحركات الوطنية المغاربية وتحقيق الائتلاف بين الأحزاب الاستقلالية في كل من المغرب والجزائر وتونس بقصد مواصلة الكفاح والنظال المشترك، والذي أعتبره علال الفاسي في كتابه الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، من  “أكبر مظاهر رغبة أبناء المغرب العربي في التعاون على تحرير أوطانهم الثلاثة التي توحد بينها اللغة والدين والجنس والتاريخ والجغرافية ووحدة المستعمر والآمال في التحرر منه”.

وأضاف في ذات الكتاب ” لقد خطوت في تنفيذ هذه التوصية (أي تأسيس لجنة تحرير المغرب العربي) خطوة أولى أثناء وجودي في باريس حيث كونا لجنة اتصال بين الاستقلال والدستور وحزب الشعب، فلما نزل البطل الريفي بالقاهرة اتجهت أنظارنا لتحقيق هذه التوصية”.

وكانت طموحات وآمال عبد الكريم الخطابي تتجلى في تحقيق هده الوحدة المشتركة وهو ما أكده في النداء الأول الذي تم بموجبه الإعلان عن ميلاد لجنة تحرير المغرب العربي، حيث جاء فيه “إن جميع الذين خابرتهم في هذا الموضوع من رؤساء الأحزاب المغربية ومندوبيها بالقاهرة قد أظهروا اقتناعهم بهذه الدعوة واستجابتهم لتحقيقها وإيمانهم بفائدتها في تقوية الجهود وتحقيق الاستقلال المنشود”.

وانتخب محمد بن عبد الكريم الخطابي رئيسا بصفة دائمة، وبذلك يكون قد حقق بتكوين لجنة تحرير المغرب العربي خطوة جريئة وهامة للدفع بالعمل التحرري المغاربي إلى الأمام، وبعد ذلك بدأ عبد الكريم الخطابي في تكوين المجاهدين في سنة 1948 إلى غاية قيام الثورة الجزائرية سنة 1954م، حيث أنشأ عدة مراكز للتدريب سواءا في القاهرة أو ليبيا، إذ في سنة 1951 أرسل الهاشمي الطود وحمادي العزيز وعبد الحميد الوجدي إلى بنغازي في ليبيا قصد إنشاء قاعدة متقدمة للتدريب، وفي الوقت ذاته كلف الهاشمي الطود وحمادي العزيز للاتصال بقيادات الأحزاب في الأقطار المغاربية.

ويتجلى هذا المسعى والطموح في ما ورد في نص البيان ذاته حيث جاء في كتاب”أصول الأزمة في العلاقات المغربية الجزائرية“، للمؤرخ زكي مبارك :” …ومنذ الآن، ستدخل قضيتنا في طور حاسم من تاريخها وسنواجه المغتصبين ونحن قوة متكتلة تتكون من خمسة وعشرين مليونا، كلها متحدة على كلمة واحدة وتسعى لغاية واحدة هي الاستقلال التام لكافة أقطار المغرب العربي، وسنعمل على تحقيق هذه الغاية بكل الوسائل الممكنة في الداخل كما في الخارج كلما استطعنا إلى ذلك سبيلا، ولن يجد المستعمر بعد اليوم لتثبيط عزائمنا وإيقاع الفتنة بيننا واستغلال تعدد الأحزاب وتفرق الكلمة لاستعبادنا وتثبيت أقدامه في بلادنا، فنحن في أقطارنا الثلاثة نعتبر قضيتنا قضية واحدة، ونواجه الاستعمار متحدين متساندين، ولن يرضينا أي حل لا يحقق استقلالنا الناجز وسيادتنا التامة”.

إغلاق