جغرافيا

ثورة العاملات المغربيات في حقول الفراولة الإسبانية

تشد فاطمة ثديها، وتمرر يدها على جهازها التناسلي، فضلا عن حركات أخرى. في الحقيقة، لا تسعى فاطمة من ذلك إلى القيام بأي فعل إغوائي، بل، فقط، تقريب الصورة للاعتداء المحتمل الذي تعرضت له، لا سيما وأنها لا تتحدث الإسبانية. في هذه الحالة تصبح لغة الإشارات أصدق أنباء من الترجمة الفورية.
العاملة فاطمة أم لطفلين، تروي الاعتداء الذي تعرضت له على يد رئيسها، المقاول في قطاع الفراولة في “هويلفا”. كانت تصرخ وتبكي بينما كان يحاول تقبيلها، ونزع سروالها، تتذكر بحرقة شديدة.
غير أنها لم تستسلم له، بل انتفضت في وجهه، ودفعته بقوة بعيدا. “دخل مثل حيوان. لم أكن لأسمح له بنزع ملابسي. كنت سأقتله قبل أن يقدم على ذلك”، تحكي فاطمة بمرارة بمساعدة ترجمان.
فاطمة واحدة من النسوة الثمانية التي قدمن شكاية في الأيام الأخيرة، يؤكدن فيها أنهن تعرضن لاعتداءات واستغلالات جنسية. إذ تم الاستماع إليهن في مقر الحرس المدني الإسباني (الموازي للدرك الملكي بالمغرب)، قبل أن يتم إحالة ملفهن على النيابة العامة. تجربة المغربية الثالثة لا تعني بالضرورة أن الاعتداءات هي القاعدة أو إنها شيء معمم- خلال هذا الموسم حطت 17 ألف مغربية الرحال بإسبانيا للعمل في حقول الفراولة-، لكن الشكايات العلنية كشفت واقعا مسكوتا عنه منذ سنوات: تعرض عاملات أجنبيات وأميات ووحيدات وفقيرات، لاعتداءات محتملة بعيدا عن تلك المرتبطة بالعمل نفسه.
في هذا الربورتاج ننقل لكم قصة أربع نسوة قبلن فتح قلوبهن لنا، شريطة عدم الكشف عن هويتهن. في أواخر شهر أبريل الماضي نشرت المجلة الألمانية “Corrective.org” ربورتاجا حول الاعتداءات الجنسية وسوء ظروف العمل في الحقول الزراعية بالمغرب وإيطاليا وإسبانيا. ورغم أن الألمان أثاروا مشكلا موجودا، إلا أن أغلب المقاولين والنقابيين أجمعوا على نفيه، مؤكدين ألا علم لهم بأي حالة اعتداء. ووصفوا كل ما يجري بحملة تشويه يقف وراءها خصوم أوروبيون ضد الفراولة الإسبانية التي تعتبر تجارة أساسية في منطقة هويلفا، والتي بلغت قيمتها 395 مليار سنتيم في الموسم الفلاحي 2016 و2017.
غير أن الشكايات ظلت تتقاطر في مخافر الشرطة والصحافة. هكذا قادت رواية ضحيتين وشاهدين بخصوص اعتداءات جنسية في حقل بمنطقة “موغير” بهويلفا، إلى إيقاف، يوم 25 ماي المنصرم ، مشرف على ضيعة، يبلغ من العمر 47 عاما، مهمته تقييم عطاء العاملات في الحقل. لهذا، تؤكد النساء أنه كان يبتزهن ويهددهن بفقدان العمل في حالة رفضن ممارسة الجنس معه. وبعد الاستماع إليه تقرر متابعته في حالة سراح.
إلى ذلك، كانت وزارة العدل المحلية بالأندلس طلبت من النيابة العامة بهويلفا فتح تحقيق في قضية عاملات الفراولة. وعندما بدأت النيابة العامة التحري في إمكانية وجود شكايات موضوعة منذ سنة 2015. “الشكايات الأولى بدت لنا جدية. لم تكن لدى العاملات جرأة التوجه إلى الأمن، لهذا اضطر الأمن والحرس المدني إلى البحث عنهن”، يوضح النائب العام بهويلفا، لويس فيرنانديث آريفالو. وفي المغرب، تطالب وسائل الإعلام وزير الشغل والتكوين المهني، محمد يتيم، بتقديم توضيحات، باعتباره المسؤول الأول عن التعاقد مع المغربيات اللواتي انتقلن للعمل في الحقول الإسبانية.
لازالت فاطمة والمغربيات اللواتي هربن من الضيعة يختبئن في بيت بقرية صغيرة بالأندلس بين حقول الزيتون. ساعدتهن على ذلك النقابة الأندلسية للعمال التي استقبلتهن وأخرجتهن من هويلفا من أجل ضمان، على الأقل، أن تؤكد أربع مشتكيات الراوية نفسها أمام القاضي. كما أنهن يتوفرن على محامين يتابعون قضيتهن منذ البداية.
في المقابل، يتم اتهام النقابة الأندلسية للعمال بإجبار العاملات على القول إنهن يتعرض لاعتداءات، لا سيما بعدما تقدمت مغربيتان قبل أسبوعين بشكاية جماعية نيابة عن 130 مغربية أخرى، تؤكد أن رفيقاتهن يكذبن، وأنه لا وجود لأي اعتداءات جنسية أو أي شيء من هذا القبيل. يتهمان رفيقاتهن بزعم الاعتداء عليهن من قبل رؤسائهن، لا لشيء سوى سعيهن الحصول على وثائق الإقامة بإسبانيا وتجنب العودة إلى المغرب. المغربيات الـ130 يؤكدن أن ادعاءات رفيقاتهن تسيء إليهن، وإلى أسرهن في المغرب بعد انتشار قضيتهن في وسائل الإعلام، بحيث قد تمنعهن أسرهن مرة أخرى من العودة إلى العمل في الحقول الإسبانية.
يسمح قانون الأجانب بالإقامة بإسبانيا في حالات استثنائية معينة، مثل التعاون مع السلطات الأمنية أو القضائية، لكن هذه المسألة غير مضمونة مائة في المائة، لأنها ليست بيد النقابات.
“نحن لا نربح أي شيء من كل هذا. لهذا فهم يتهجمون علينا فقط. لكن لن نسمح باستمرار هذه الممارسات”، يؤكد خوصي بلانكو، واحد من أعضاء النقابة الأندلسية للعمال.
تم مؤخرا التأشير على جوازات سفر عشر نسوة، لكن المثير هو أن الكثير منهن وضعن توقيعهن على شكل حرف “X”، لأنهن لا يعرفن كتابة أسمائهن. غادرن لأول مرة المغرب من أجل جني الفراولة بـ400 درهم لليوم، بهدف إعالة أسرهن. بروفيلاتهن تبحث عنها الحكومتان المغربية والإسبانية لتجنب بقائهن في إسبانيا بعد انتهاء موسم الجني: أرامل ومطلقات، يبلغن من العمر ما بين 18 و45 سنة، ينحدرن من مناطق قروية، ومنهن من لديهن أبناء يبلغن من العمر 14 سنة. يحكين أنهن كن يعشن في حاويات من الصفائح المعدنية، مؤثثة بستة أَسِرّة بطابقين وبدون ماء صالح للشرب. كما أن الفيديوهات، التي تم تصويرها ويحتفظن بها في هواتفهن المحمولة، تُظهر كيف تتسرب مياه الأمطار من سقف تلك الحاويات. كما يؤكدن بأنهن لم يحصلن على أي شيء مقابل عملهن، وأنهن يواجهن صعوبات في شراء الطعام.
عائشة، عاملة مغربية في الحقول الإسبانية، حامل في شهرها السادس، وأم لطفلين. ورغم ذلك، لم يمنع رب العمل من اقتحام مبيتها دون إذن منها، ويمسكها من ذراعها، ويحاول لمس جهازها التناسلي، وفق ما جاء في شكايتها، حيث عرض عليها ممارسة الجنس معه. وفي مناسبة أخرى، هاجمها الشخص نفسه، وهي تستعد دخول الحمام. غير أنها أخبرته أنها حامل ومتزوجة، وأجابها بأنه – دوما بلغة الإشارات لأن لا أحد يتقن لغة الآخر- أنه يمكن أن يمارس عليها الجنس بطرق أخرى. “هذا لم أحكه للأمن، لأنني استحييت. ولكني ندمت. كان عليّ قول ذلك”، تعترف عائشة.
بعد الحادثين، عانت عائشة من نوبات قلق شديد، ولم تنقل إلى المستشفى، وكان عليها الوقوف على قارعة الطريق وانتظار سائق يرق قلبه لها من أجل أن تصل إلى المستشفى. تُصاب عائشة بالانهيار عندما تتذكر أنها جاءت إلى إسبانيا من أجل جمع المال لدفع تكاليف عملية جراحية يحتاج أحد طفليها إلى إجرائها. إلى درجة أن التُرجمانة، التي ساعدتها، بكت من شدة تأثرها بقصتها.
في السياق ذاته، أكدت مغربيتان رواية رفيقاتهن، إذ قدمتا شكاية، أيضا، ضد رئيسهما. كما كشفتا، كذلك، عن وجود “وسيطات” يشجعن العاملات على قبول مبلغ 500 درهم، الذي يعرض عليهن من طرف أشخاص مقابل الجنس.
لا تريد العاملة المغربية الحامل العودة إلى المغرب ليس حبا في إسبانيا، بل خوفا من الأسرة. «الآن، لا يمكنني العودة، لأن أسرتي وزوجي يتهدداني، أنا خائفة»، تقول العاملة. الانتشار الإعلامي الواسع لهذه الاعتداءات المفترضة وصل إلى حسابات ذويها عبر الفايسبوك. والصعب هو أن زوجها تعرف عليها في الصور التي التقطت للعاملات المغربيات في الضيعات، وسألها عن تلك الاعتداءات. لكنها أنكرت له أن تكون ضحية أي اعتداء جنسي.
وختمت عائشة قائلة: «الشيء الوحيد الذي أريده هو إظهار الحقيقة في قضيتنا. أريد أن أسترجع كرامتي».

إغلاق