سياسة وعلاقات دولية

دبابة المهداوي.. قصة حكم لم يصدقه أحد

يعد الحكم الذي صدر في حق الصحافي حميد المهداوي، مساء يوم الخميس 28 يونيو الماضي، بـ3 سنوات حبسا، بتهمة عدم التبليغ عن جريمة، من الأحكام المثيرة للجدل وسط الرأي العام، بسبب التهم الموجهة إليه.

المهداوي تعرض للاعتقال في 20 يوليوز 2017 في الحسيمة، حينما كان يحضر لتغطية الاحتجاجات هناك، وأدانته محكمة في الحسيمة بسنة حبسا بتهم تحريض أشخاص على ارتكاب جنح بواسطة الخطب والصياح في الأماكن العمومية، ودعوتهم إلى المشاركة في تظاهرة بعد منعها، والإسهام في تنظيم ذلك، وهو حكم أثار جدلا، لأن المهداوي حضر لتغطية المظاهرات، وكان يتحدث مع مجموعة من الشبان حين جرى اعتقاله، واتهم بتحريضهم على الاحتجاج. وبعد إدانته، فتح له ملف آخر أمام محكمة الاستئناف في الدار البيضاء، بتهمة عدم التبليغ عن جريمة.

وهي قصة تعود إلى 27 ماي 2017، حين جرى التنصت على مكالمة المهداوي الذي تلقى اتصالا من شخص مجهول لا علاقة له به، قال إنه يتحدث من هولندا، وأبلغه بأنه ينوي إدخال دبابات روسية إلى المغرب عبر مدينة سبتة. وقد حكم على المهداوي بـ3 سنوات حبسا بتهمة عدم التبليغ عن هذه الجريمة التي لم تقع.

في مرافعة للمحامي عبد العزيز النويضي دفاعا عن المهداوي، انتقد استعمال المحكمة المادة 209 من المسطرة الجنائية ضده، لأن ذلك «يفتقر إلى المنطق والعدالة، لأن إعمال هذه المادة يتطلب شروطا، أهمها العلم اليقيني بالخطط أو الأفعال التي يجب التبليغ عنها». وقال إن الصحافي المهداوي تلقى مكالمة هاتفية مليئة بالتناقضات، حيث تتحدث تارة عن الثورة، وعن الثقة في الملك وحده تارة أخرى.

ولو أن المهداوي بلّغ عن هذه المكالمة، لسقط تحت طائلة الفصل 264 من قانون المسطرة الجنائية، والذي يعاقب عن التبليغ عن جريمة خيالية، خصوصا أنه سبق وأن حوكم في مكناس سنة 2015 بتهمة التبليغ عن جريمة خيالية، فأصبح بعدها يحتاط، ما لم يكن متأكدا من الخبر ليبلغه. فالشرط الأول -يقول النويضي- هو العلم اليقيني بالجريمة، وهو ما لم يكن متوفرا، «ولا يمكن التبليغ عن جريمة بناء على مكالمة هاتفية مليئة بالتناقضات،» وبذلك ينتفي وجود الشرط الثاني في هذه النازلة، أي التبليغ.

وحسب المحامي، فإن التبليغ يقوم على فرضية أن السلطة ليست على علم بالجريمة، وأن المبلغ هو الذي أعلمها بها، إما لإحباط الخطط والأفعال أو اتخاذ أي تدبير مناسب، والحال أن هذه الفرضية غير متوفرة، لأن السلطة كانت تتنصت على هاتف المهداوي، وحصل لديها علم بما يمكن أن تعتبره تهديدا. إذ بلغ إلى علمها كل ذلك منذ 27 ماي 2017، حينما اعتقل المهداوي في 20 يوليوز 2017، أي بعدما أحيطت علما بهذه المكالمة، التي لا تعني وجود خطط أو أفعال إجرامية.

من جهة أخرى، هناك تساؤلات حول الشخص الذي اتصل من الخارج، والذي لا يعرفه المهداوي. فالمحامي النويضي يقول إن ما يعزز فرضية أن الشخص المتصل يعمل لفائدة المخابرات، أنه اتصل بالمهداوي بمبادرة منه، وتحدث في المكالمة نفسها عن دبابات وإرسال أموال، وهو ما يعزز الأطروحة الأمنية التي تعتبر حراك الريف موجها ومدعما من الخارج.

ويضيف النوضي أن ما يؤكد أن الشخص المتصل يعمل لدى المخابرات أن السلطات نفسها لم تقم بأي مبادرة جدية لإلقاء القبض عليه، فقد اكتفى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالدار البيضاء بإخبار الدفاع بوجود مذكرة بحث وطنية، «فيما كان عليه أن يصدر مذكرة بحث دولية»، كما حدث في قضية سعيد شعو. وبالتالي، فالسلطات عندما تصدر مذكرة بحث وطنية فهي تعلم أن الشخص يوجد خارج المغرب، وهذا يكشف أنها غير جدية في وضع يدها عليه، واستكمال شروط المحاكمة العادلة للمهداوي.

إغلاق