سياسة وعلاقات دولية
البرلمان يختتم دورته التشريعية وسط فراغ سياسي
أنهى البرلمان دورته التشريعية، مقدما كالعادة أرقاما جديدة حول عدد القوانين التي صادق عليها أو عدد الأسئلة الكتابية والشفوية التي أجابت الحكومة عنها أو لم تجب، في الوقت الذي تُوجه له انتقادات حادة بسبب غيابه عن القضايا الحقيقية للمواطنين.
رقميا، قدمت الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني إحصاءات حول ما اعتبرته “حصيلة نوعية”، رقابيا وتشريعيا. فعلى المستوى الرقابي، بلغ عدد الأسئلة الشفهية التي أجابت عنها الحكومة 325 سؤالا على مدى 21 جلسة أسبوعية، إضافة إلى 6 جلسات شهرية لرئيس الحكومة حول عدد من القضايا التي تهم السياسة العامة للحكومة. أما الأسئلة الكتابية، فقد أجابت الحكومة عن 1351 سؤالا من المجلسين، علما أن عدد الأسئلة الكتابية يكون أضعاف ذلك في المعتاد. وعقدت اللجان البرلمانية نحو 30 اجتماعا لدراسة عدد من القضايا من أصل 78 طلب تقدمت بها إلى الحكومة، ومن بين المواضيع التي تمت دراستها: ربط العالم القروي بشبكة الماء الصالح للشرب، النقل بالعالم القروي، النقل الطرقي الدولي، برنامج السكن الاجتماعي، السياسة الدوائية، المخيمات الصيفية، قطاع المؤسسات والمقاولات العمومية، بالإضافة إلى ملف تقييم البرنامج الوطني للطرق القروية لفك العزلة. كما تفاعلت الحكومة إيجابا مع 3 طلبات القيام بمهام استطلاعية، وشملت قضايا متعددة منها ملف أسعار المحروقات.
وبخصوص مشاريع القوانين المودعة لدى البرلمان، فقد بلغ عددها إلى غاية اختتام الدورة التشريعية، ما مجموعه 135 مشروع قانون، منها 10 مشاريع قوانين تم إيداعها في دورة أبريل 2018، بينما بلغ عدد مشاريع القوانين التي تمت المصادقة عليها خلال هذه الدورة 20 مشروع قانون، إضافة إلى 13 قانونا يوافق بموجبها على اتفاقيات دولية ثنائية أو متعددة الأطراف.
أما مقترحات القوانين التي قدمتها الفرق البرلمانية، والتي بلغ عددها 124 مقترحا، ورغم وعد الحكومة بتخصيص اجتماع شهري لدراستها، إلا أن البرلمان لم يصادق على أي منها، علما أن الحكومة أبدت موقفا من 49 مقترحا منذ بداية الولاية التشريعية الحالية.
غير أن عادل بن حمزة، برلماني سابق وقيادي في حزب الاستقلال، رأى أن الحصيلة الرقمية لا تعكس الواقع الحقيقي للمؤسسة التشريعية، مؤكدا أنها “أرقام بدون روح”، و”تغطي عن عجز البرلمان عن الخوض في القضايا الحقيقية للمواطنين”. ابن حمزة أشار إلى السياق السياسي الذي ولد فيه البرلمان الحالي، كونه أتى بعد فترة “بلوكاج” سياسي، “ويعكس تركيبة سياسية بدون هوية”، ما جعل ذلك “يخلف شعورا سلبيا لدى المواطنين، وكأننا في نهاية الولاية التشريعية وليس في بدايتها”.
واعتبر ابن حمزة أنه “بدون الدخول في نقاش حول جودة التشريعات، ومدى إنصافها للمواطن، فإن الإمكانات المتاحة للبرلمانيين لا تسعف في بلورة مقترحات قوانين جيدة، فالبرلمانات في الدول الديمقراطية توفر للبرلمانيين مستشارين وخبراء تجعل منهم خلايا للتفكير وإنتاج التشريعات الجيدة، بينما البرلماني عندنا يشتغل بإمكاناته الخاصة، علما أن التشريع هو عملية معقدة وتتطلب خبرات عالية المستوى”. واستنتج ابن حمزة من هذا الوضع أن “مكانة البرلمان في البناء المؤسساتي هامشية، صحيح أن له اختصاصات، لكنه بدون إمكانات وموارد لا يستطيع ممارستها فعليا. وهذا ما يجعل من الحكومة وأغلبيتها المشرع الفعلي، وليس البرلمان”.
أمينة ماء العينين، برلمانية عن فريق العدالة والتنمية، نبّهت، أيضا، إلى أن الأهم ليس “التقييم الإحصائي والكمي”، بل “التقييم السياسي لدور المؤسسة البرلمانية”، وأكدت أنه “لا يمكن إنكار أن هناك مجهودا يُبذل لتطوير أداء المؤسسة البرلمانية، لكن قبل طرح الأداء يجب أن نتساءل عن مدى قدرة النسق السياسي المغربي على التطبيع مع دور مركزي لمؤسسة منتخبة تكثف شرعية التمثيل”. وأضافت أنه على هذا المستوى “لا أتصور أننا أحرزنا تقدما كبيرا، ومؤشرات ذلك متعددة أهمها الإصرار على توجيه المبادرات، وإفقاد المؤسسة الاستقلالية اللازمة للعب أدوارها”. مثال ذلك، المهمة الاستطلاعية حول أسعار المحروقات، فـ”مجلس النواب بصم على أداء مشرف في المهمة الاستطلاعية التي لقيت تجاوبا واسعا. ما يعني أن البرلمان حينما يقوم بأدواره يلقى التقدير اللازم، لكن الأكيد أن عراقيل كبيرة وضعت في وجه هذه المهمة، وضغوطات غير مفهومة مورست عليها حتى لا تلعب أدوارها كاملة، كما أن نخبا برلمانية أصرت على إخلاف الموعد وتحولت إلى ناطقة باسم شركات ولوبيات مصالح، مما يعيد سؤال أزمة النخب إلى السطح”. أما المؤشر الآخر على العطب السياسي في عمل البرلمان، فيتمثلن حسب ماء العينين، في “إصرار مسؤولي مؤسسات عمومية على عدم التجاوب مع البرلمان وعدم المثول أمام اللجان النيابية، وهو مقتضى دستوري، حيث لا يزال منطق التعالي على البرلمان حاضرا من طرف المعينين الذين يتصورون أنهم يتمتعون بحضانة تجعلهم فوق المراقبة الشعبية”.
ماء العينين أشارت، كذلك، إلى “حملة التبخيس المدمرة” التي يتعرض لها البرلمان، وقالت إنه “أمر إرادي غير بريء، هدفه هو الإمعان في احتقار الإرادة الشعبية، ومن المؤسف أن هذه الحملة تلاقي احتضانا يُغذيه من لا رهانات ديمقراطية لهم”.