خفض جديد للإنتاج النفطي أعلنته كل من السعودية وروسيا، ركيزتَا تحالف “أوبك بلاس” للدول المصدرة للنفط، قبل أن تحذُو دول أعضاء أخرى حذوهُما. ويرتقب أن يبقى تمديد تخفيضات الإنتاج الطوعية حتى منتصف عام 2024 “لدعم الأسعار المتضررة نتيجة حالة عدم اليقين الاقتصادي”.
وبينما أكدت وزارة الطاقة السعودية عزمها “مواصلة خفض حجم إنتاجها بمقدار مليون برميل يوميا خلال الفترة الممتدة من أبريل إلى يونيو من العام الجاري”، أعلنت روسيا عن “تمديد خفض يصل إلى 471 ألف برميل يوميا، يشمل كلا من الإنتاج والصادرات”.
يضاف هذا إلى التخفيض بمقدار 500 ألف برميل، المعلن في أبريل 2023، الذي يرتقب أن يستمر حتى نهاية 2024.
وكعادتها، جاءت قرارات خفض الإنتاج بمثابة “تأثير الدومينو”، إذ أعلنت كل من العراق والإمارات العربية المتحدة والكويت وكازاخستان تطبيق الخفض على دينامية إنتاجها خلال الأشهر الثلاثة المقبلة.
وكانت منظمة الدول المصدرة للنفط قررت تدشين إستراتيجية “خفض الإنتاج المنسَّق” خلال ربيع 2023 بإجمالي 1,6 مليون برميل في اليوم، قبل أن يتم تعزيزها الصيف الماضي.
وقبل سلسلة هذه التمديدات كانت أسعار النفط ارتفعت بالتزامن ليتجاوز سعر “خام غرب تكساس الوسيط” عتبة 80 دولارا للبرميل أثناء التداول “للمرة الأولى منذ نونبر الماضي”.
تَبعات بديهية
في قراءة لتأثير قرار تمديد خفض إنتاج النفط من أبرز دول “أوبك بلاس” إلى حدود منتصف سنة 2024 على السوق المغربية لتوزيع وبيع المحروقات، في قادم الأشهر، اعتبر عبد الصمد ملاوي، خبير طاقي مغربي، أن “المغرب يستورد حالياً في المجمل ما يناهز 90 في المائة، وبالتالي مِن البديهي أن يتأثر بهذه النوعية من القرارات التي تخص سواء الزيادة في أسعار النفط الدولية أو الخفض الطوعي لإنتاج النفط ومشتقاته”.
ومن المعلوم، وفق إفادات تحليلية لملاوي، أن “المغرب يستورد حاجياته الطاقية خصوصا من بلدان اتخذت قرار خفض الإنتاج أو انخرطت فيه؛ أبرزها المملكة العربية السعودية والإمارات وروسيا والعراق”، مشددا على أن “قرار خفض الإنتاج إلى غاية منتصف 2024 ستكون له تداعيات مباشرة على المسألة الطاقية الوطنية”.
وتابع الخبير ذاته تصريحه لجريدة هسبريس مُستحضراً “استيراد المغرب 10 ملايين طن من النفط الخام سنة 2021، بقيمة ناهزت 50 مليار دولار أمريكي، ما نسبته 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد”، مع تأكيده أنه “منذ 2021 إلى غاية بداية 2024 عرفت الحاجيات الطاقية المغربية والدولية زيادة ملحوظة نتيجة متغيرات اقتصادية وطاقية كبرى (كان أبرزُها قطع الأنبوب المغاربي الذي كان يستفيد منه المغرب من خلال نقل الغاز الجزائري إلى إسبانيا)”.
كما لم ينسَ الخبير الطاقي الدولي حدوث “متغيرات تتعلق بتحسن مؤشرات الاقتصاد المغربي المعتمد على الطاقة النفطية ومشتقاتها كمادة أساسية”، إلى غير ذلك من سلسلة اضطرابات مَسّت – بحسبه- أسواق الطاقة العالمية إنتاجًا وتوزيعاً وبيعاً؛ إثر استمرار الحرب الروسية الأوكرانية وطول مدة التوتر المتصاعد في الشرق الأوسط (حرب غزة).
دينامية السوق
يرى ملاوي، في شروحه لهسبريس، أن “قرارات دول منظمة أوبك+ تظل مؤثرة في ديناميات أسواق الطاقة العالمية، وستكون لها جملة من التبعات البديهية”، وفق وصفه، مردفا بأن “من أهمِّها توقعات بارتفاع أسعار النفط العالمية (نتيجة صيغة العرض والطلب)، فضلا عن زيادة تكاليف استيراد النفط الخام، سواء من المغرب أو باقي الدول المستوردة”.
“بالنسبة للمغرب يمكن أن تؤدي قرارات تحالف ‘أوبك’ إلى زيادة في معدلات التضخم، لأن النفط ومشتقاته مازالت ركيزة الاقتصاد الوطني بحكم اعتماد الصناعات على مصادر الطاقة الأحفورية، بما في ذلك توليد الكهرباء، رغم أن القدرة الكهربائية المنتجة من المزيج الطاقي تقارب 40%”، يوضح الخبير ذاته.
وأكد المتحدث ذاته أن “تقلب أسعار النفط العالمية سيبقى من النتائج البديهية؛ ما يجعل الأسعار غير مستقرة ويُصعّب التخطيط لميزانيات الطاقة واستيرادها على المدى البعيد، ما يدفع فاعلي الاستيراد إلى تأمين خدماتهم عبر رفع أثمان التوصيل والإمدادات”، وختم بأن “التوترات الملاحية في خطوط التجارة الدولية بالبحر الأحمر تشكل خطرا إضافياً وهاجساً بالنسبة لإمدادات المغرب النفطية من الشرق الأوسط، بإسهام سلبي في رفع تكاليف الشحن واضطراب الإمدادات المحتملة، وكذا أسعار شراء المملكة هذه الحمولات”.
تقويض العرض
سار مصطفى لبراق، خبير مغربي في اقتصاديات الطاقة، إلى تأكيد أثر توقعات الخفض التطوعي إلى متم يونيو 2024 على “رفع أسعار النفط العالمية وضبطها لتظل مستقرة بين نطاق ممتد بين 85 و90 دولارا للبرميل”.
وحسب لبراق، المتابع لديناميات أسواق الطاقة، “فإن التوقعات والتكهنات بمستوى الأسعار مع تكاليف الشحن والنقل، في ظل توترات جيوسياسية تمس حركة الملاحة الدولية بأبرز المضايق البحرية العالمية، تظل صعبة للغاية”، مبرزاً أن “كل المؤشرات التي تم بناء عليها تمديد خفض الإنتاج الطوعي للنفط تهدف إلى الحفاظ على استقرار الأسواق، في ظل حالة عدم اليقين الاقتصادي المستمرة منذ بدء حرب أوكرانيا”.
كما استحضر الخبير الطاقي معطى “عدم عودة الصين إلى مستويات طلبها السابقة على النفط ومشتقاته، باعتبارها أكبر مستورد في العالم”، مفسرا ذلك بأنه “نتيجة لانخفاض معدلات النمو الاقتصادي في هذا الاقتصاد الآسيوي الكبير”، ومسجلا أن “تقويض العرض الناتج عن خفض الإنتاج قد يرفع الطلب من مستوردي النفط الذين تظل المملكة المغربية من أبرزهم”.
وتوقَّع لبراق أنه “بنهاية مارس ودخول فصل الربيع فإن الأسعار في محطات الوقود المغربية قد تشهد ارتفاعاً ملموساً تأثرا بالسوق الدولية، مع توقعات تهم ارتفاع الفاتورة الطاقية إلى مستوى 150 مليار درهم بنهاية العام الجاري”، مبرزا استمرار “هواجس تأمين البواخر من طرف شركات النقل الدولي للنفط ومشتقاته”.
واعتبر المتحدث ذاته أن “فاعلي سوق توزيع وبيع المحروقات بالمغرب انتهجوا منذ بداية العام سياسة تجارية تُراعي الظرفية الاقتصادية الوطنية المتسمة بالجفاف، ما دفع شركات المحروقات إلى ضبط النفس وعدم تطبيق زيادات؛ إلا أنه على المدى البعيد فإن التوازن في الأرباح سيكون منطقياً”؛ كما لفت إلى أن “روسيا التي تعد من أكبر منتجي النفط العالميين تشهد إصلاحات صيانة مستمرة لمصافي التكرير بشكل دوري، في ظل استمرار الحرب مع أوكرانيا، ما جعل موسكو تقرر حظر تصدير الوقود خلال الأشهر القادمة لتتمكن من تلبية ضغط داخلي متصاعد على الاستهلاك”.
المصدر : هسبريس