منوعات
“إفطار في الدار”.. لأن الحجر الصحي ليس رديفا للوحدة
ففي لندن، وجد مركز الحسنية للمرأة المغربية طريقة لكسر العزلة وتعزيز قيم التضامن والتعاون المتبادل التي تميز هذا الشهر الفضيل، وذلك من خلال عملية “إفطار في الدار”، المبادرة الإنسانية التي تأتي لمساعدة الأسر المحتاجة والأشخاص المسنين الخاضعين للحجر الصحي خلال شهر الصيام.
ويستفيد من هذه العملية التي يتم تنظيمها بدعم من مؤسسة “كنسينغتون وتشيلسي”، والتي تتمثل في توصيل وجبات الإفطار إلى المنازل، العديد من أفراد الجالية المغربية المقيمة في لندن، والذين تأثروا بشدة جراء التدابير التقييدية المفروضة من طرف الحكومة البريطانية في عز الجائحة.
وتتوخى هذه المبادرة المحمودة، التي ترأس إطلاقها الرسمي، يوم الخميس الماضي، القنصل العام للمغرب بالمملكة المتحدة، السيد خالد المجديدي، ليس فقط توزيع وجبات يومية على العديد من الأسر المغربية، لكن وقبل كل شيء، طمأنة الأشخاص الخاضعين للحجر المنزلي في هذه الأوقات العصيبة، لأن “الحجر ليس رديفا للوحدة”.
وقالت سعاد الطالسي، مديرة مركز الحسنية للمرأة المغربية، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن “كوفيد-19 نجح في فرض انقسام لا إرادي، لكننا نعمل جاهدين من أجل إعادة التماسك إلى ما كان عليه”.
وأوضحت المسؤولة عن المركز، التي تدير العملية من المغرب، حيث تخضع للحجر الصحي منذ شهرين، أن الذهاب إلى المسجد لأداء الصلوات “غالبا ما يمنح المغاربة شعورا بالانتماء والوحدة”. فغياب هذه الممارسة الدينية بالمساجد “يترك فراغا هائلا” في حياة الجالية.
وفي الأوقات العادية، يستقبل مركز الحسنية للمرأة المغربية، كل يوم جمعة، من 30 إلى 40 امرأة في إطار الأنشطة الجماعية، بينما ينظم كل يوم أحد نشاطا ثقافيا وصحيا تحت عنوان “أيام زمان” لفائدة الرجال الذين تزيد أعمارهم عن 55 سنة.
وبالنسبة للغالبية العظمى من هؤلاء المستفيدين، يعد شهر رمضان موعدا لا محيد عنه في أجندتهم الدينية. فقد كان الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة التراويح أو التحلق حول مائدة الإفطار الجماعي، يشكل جزءا من الأنشطة المركزية التي كانت تؤثث حياتهم اليومية طوال الشهر المبارك.
وقالت السيدة الطالسي إنه “من خلال عملنا مع ضحايا حريق برج جرينفيل، وجدنا أيضا أن الرجال الأكبر سنا يعانون من الوحدة شأنهم شأن النساء”.
وأشارت المسؤولة عن مركز الحسنية للمرأة المغربية، إلى أن “الشعور بأن الحياة تصبح فجأة من دون معنى، يتفاقم لدى بعض الناس، ونحن مصممون على عدم ترك هذا الأمر يغزو عقولهم”، مشيرة إلى أن فريق الجمعية ينسق عمله عن طريق التداول بالفيديو، بدءا بتعداد أفراد الجالية المغربية الذين يخضعون للحجر في لندن، قبل تحديد الأكثر هشاشة أو الموجودين في وضعية الحاجة.
وإلى جانب الشعور بالوحدة، يمكن أن يكون للعزلة وقع على صحة الأشخاص الضعفاء الذين يقضون هذا الشهر الكريم في مثل هذه الظروف، في حين أن الأشخاص الخاضعين للحجر ليسوا حتى قادرين على اقتناء حاجياتهم على نحو منتظم.
وقالت المناضلة المغربية “إن تلقي سلة تحتوي على مواد غذائية ووجبات حلال مطبوخة جيدا ومنزلية الصنع، كل ليلة، لا يمكن إلا أن يثلج صدورهم ويعزز شعورهم بالانتماء إلى جاليتهم”.
ورحب القنصل العام للمغرب بلندن بمبادرة مركز الحسنية، مؤكدا على “روح التضامن والتعاون المتبادل” الذي تحفزه هذه العملية اتجاه الفئات الأكثر حرمانا.
من جانبه، بعث عمدة المقاطعة اللندنية كنسينغتون وتشيلسي، ويل باسكال، برسالة تهنئة وتشجيع للعاملين والمتطوعين في المركز انطلاقا من مكان خضوعه للحجر.
وقال السيد باسكال في رسالته الافتراضية “لم أستطع أن أنضم إليكم شخصيا (..) لكنني أؤيد بقوة هذه المبادرة التي تمكن المسلمين من المشاركة في إفطار جماعي خلال شهر رمضان المبارك، مع البقاء آمنين في منازلهم”.
وأضاف “شاهدنا خلال الأشهر القليلة الماضية العديد من المنظمات التي تعمل سويا لدعم ساكنة مقاطعة كنسينغتون وتشيلسي خلال أزمة فيروس كورونا. أود أن أشكر الجمعية الحسنية على جهودها الحثيثة لمساعدة السكان الخاضعين للحجر”.
وكان مركز الحسنية للمرأة المغربية أول منظمة غير حكومية مغربية يتم اعتمادها من قبل الأمم المتحدة سنة 2017. فقد مكنها العمل الجمعوي الذي تقوم به لفائدة الجالية المغربية والعربية في بريطانيا من الظفر بجائزة “غارديان تشاريتي” كأفضل منظمة خيرية في إنجلترا.
وتحظى مؤسسة الجمعية بتمثيل ضمن المجموعة الاستشارية الوطنية للنساء المسلمات ببريطانيا، وبـ “الهيئة الاستشارية للمهاجرين واللاجئين”، التي يتمثل دورها في تقديم المشورة لعمدة لندن بشأن أفضل استراتيجية يمكن اعتمادها اتجاه المهاجرين واللاجئين الذين يعيشون في لندن. وهي أيضا أول مهاجرة مغربية توشحها الملكة إليزابيث وتحصل على اللقب المرموق “عضو الإمبراطورية البريطانية” (Member of the British Empire) في سنة 2011.