سياسة وعلاقات دولية
محاكمة معتقلي الريف..تفاصيل ليلة نسفت كل الآمال -روبرتاج
وجوه تائهة تلتفت يمينا ويسارا كأنها فقدت بوصلة الزمان والمكان، وعيون تنفجر دموعا ساخنة، تخرج رغما عن قلوب تلقت خبر تأييد الأحكام على ناصر الزفزافي وباقي نشطاء حراك الريف، لتنطلق ثورة الغضب من داخل محكمة الاستئناف بالدار البيضاء. وزوجة الصحافي حميد المهدوي وعائلته لا تكاد تصدق أنه سيقضي 3 سنوات في سجن عكاشة قبل أن يعود للقاء أطفاله، وهو يرد بأغنية ثورية على اتصال زوجته “درب الخناجر.. ولا حكم الطلفي فيا.. مشيت لعكاشة والطرشي أذاني، والطلفي لما أتى ولع لي حيطاني.. يا أما..”.
كانت الساعة في منتصف ليل الجمعة الماضي، كان الجو كئيبا، العاصفة تطرد الأدران، والأمطار تغسل الشوارع ومحيط المحكمة من أشياء كثيرة عالقة، وحدها ساحة محكمة الاستئناف كانت تغلي بعشرات المترقبين والمتوجسين، والمتابعين لكل ما يجري بقلق وحذر شديدين. كمٌّ هائل متدفق من خليط صحافيين من الوطن والخارج أيضا. الأجهزة الأمنية بكل تلاوينها أعلنت حالة استنفار، خاصة بعد تزايد عدد الحضور من عائلات معتقلي حراك الريف، وارتفاع مناصري الصحافي حميد المهدوي، بينما يقبع أسطول كبير من سيارات وشاحنات قوات الدعم، في زقاق خلف المحكمة في أتم الاستعداد لتلقي الأوامر.
أطلق القاضي لحسن الطلفي، رئيس هيئة الحكم بغرفة الجنايات الاستئنافية بالدار البيضاء، كلماته كمدفع رشاش نحو صدور عائلات نشطاء حراك الريف وحميد المهدوي، لتندفع موجة الصحافيين تتسابق لنشر أولى الأخبار العاجلة في الموضوع، والتي كان يترقبها العالم بأكمله، قبل أن تظهر عائلات المعتقلين ومناصري النشطاء، ليرتفع العويل والصراخ، ثم تنتظم ردود الفعل في تصريحات قوية وترديد شعارات مفادها أن الحكم كان جاهزا لاغتيال الأمل المتبقي في قلوب شرفاء هذا الوطن، ثم يتحول المشهد إلى وقفة عفوية غاضبة تؤكد الصمود، بل إنهم أكدوا أن ناصر الزفزافي وباقي النشطاء أوصوهم بتلقي الحكم بالزغاريد لأنه انتصار للريف وللكرامة وللعزة، وأنهم لن يتراجعوا عن حب هذا الوطن الذي ألقى بهم في غياهب سجونه بدل أن يزين صدورهم بأوسمة الوطنية والغيرة على مصلحة الشعب.
كان الصحافي حميد المهدوي قد تحدث مطولا في كلمته الأخيرة أمام هيئة الحكم، عن رغبته في أن يخرج من السجن بوجه جديد، ويمتنع عن الكلام والخوض في الأمور التي قد تزج به مرة أخرى داخل السجن، كان حنينه لمعانقة أبنائه سلافة ويوسف، واضحا في كلماته وحركاته المؤثرة داخل القاعة 7 التي غصت على غير عادتها منذ انطلاق الشق الاستئنافي للمحاكمة، وهي مناسبة أبدى فيها المهدوي ليونة كبيرة وأعطى وعودا، وتحدث عن أماني، وعبر عن إحساسه أنه سيحصل على البراءة لأنه استوعب الدرس جيدا، غير أن الحكم الذي انتظره طوال ست ساعات جاء مخيبا لآماله، عاصفا بأحماله في معانقة أطفاله الصغار وأخذهم في حضنه بحرية غامرة.
مسؤولون أمنيون ومن كافة الأجهزة كانوا على اتصال وثيق لحظة بلحظة، متتبعين لكل ما يجري داخل المحكمة التي سلطت عليها عدسات العالم لنقل أخبار آخر فصول محاكمة نشطاء حراك الريف والصحافي المهدوي، والتي على خلاف الشق الابتدائي في الملف الذي سبق للقاضي علي الطرشي أن فصل الملفين قبل جلسة النطق بالحكم وتم الحكم في كل ملف على حدة، فقد أبقى القاضي لحسن الطلفي على الملفين مجتمعين، وهو القرار الذي جعل هيئة دفاع حميد المهدوي وعائلته والحقوقيين المتضامنين معه يتفاءلوا خيرا به، على أمل أن يتم تخفيض العقوبة الحبسية إلى سنة واحدة على الأقل، خاصة بعدما سبق لدفاع الدولة المغربية أن أكد أنه لم ينتصب في مواجهة المهدوي. ثم جاءت الصدمة لتبعثر كل الأماني وتحولها إلى كوابيس أفقدت الجميع رزانتهم وتعقلهم لتنطلق الآهات والصراخ، والتشبث بأن المهدوي حوكم بسبب جرأته الصحافية وقلمه المميز، وأنه سيظل تاجا فوق رؤوس المغاربة، ووساما للصحافيين الأشراف.
البركان الذي قذف حمما حارقة في قلوب وأفئدة عائلات نشطاء حراك الريف، فجر أيضا غضب هيئة دفاع ناصر الزفزافي ورفاقه، معتبرة أن الحكم كان سياسيا منذ البداية، وأن الملف غير مرتبط بفصول قانونية بقدر ما هو مرتبط بقرارات وإملاءات من فوق، مشددة على أن الملف له مدخل سياسي ولا يمكنه أن ينتهي إلا بقرار سياسي، مشيرة إلى أن نشطاء حراك الريف قد لا يلجؤون إلى محكمة النقد لأنهم فقدوا الثقة تماما في القضاء، ولا يرجون الشيء الكثير في هذا الصدد.
قلوب موجوعة تلتهب غضبا في ليلة باردة وقاسية وكئيبة، لكن الحناجر صارت أكثر قوة وعزيمة على مساندة نشطاء حراك الريف ومساندتهم، مرددة شعارات قوية تؤكد عزيمة الجميع في مواصلة المسار، ومشددة على وطنيتهم التي لن تركع للإهانة أو المذلة والخنوع، بل ستظل شامخة ولو في زنازين سجن “عكاشة”.
وشمل القرار الذي اتخذه القاضي لحسن الطلفي في الشق الاستئنافي من القضية إدانة الجميع بنفس الأحكام التي أصدرتها غرفة الجنايات الابتدائية الابتدائية، والتي تتراوح الأحكام فيها بين 20 سنة، وسنة واحدة في حق 43 ناشطا، في حين تم إسقاط المتابعة في حق 11 ناشطا سبق أن استفادوا من العفو الملكي.
وقضت المحكمة بـ20 سنة سجنا نافذا في حق كل من ناصر الزفزافي، وسمير أغيد، ووسيم البوستاتي، ونبيل أحمجيق، فيما أدانت محمد الحاكي، ومحمد بوهنوش، وزكرياء أضهشور بالسجن 15 سنة نافذة، كما قضت بالسجن 10 سنوات نافذة في حق كل من محمد جلول، وعمر بوحراس، وصلاح لشخم، وجمال بوحدو، وأشرف اليخلوفي، ثم بلال أهباض وكريم أمغار.
وقضت الهيئة ذاتها بالسجن خمس سنوات نافذة في حق ربيع الأبلق، محمد المجاوي، والحسين الإدريسي، وإلياس الحاجي، ثم الحبيب الحنودي، وشاكر المخروط، وحود عبدالعالي، بالإضافة إلى الأصريحي محمد، وإبراهيم أبقوي، وسليمان الفاحيلي، فيما أدانت نشطاء آخرين بثلاث سنوات حبسا نافذة، وهم كل من إبراهيم بوزيان، وفؤاد السعيدي، وعبدالحق صديق، ويوسف الحمديوي، وعثمان بوزيان، كما قضت في حق 9 نشطاء بسنتين حبسا نافذا وهم نوري أشهبار، ورشيد أعماروش، وعبدالخير اليسناري، ومحمد فاضيل، ثم الصابيري جواد، وأتاري عبد المحسن، وجمال مونا، إضافة إلى أنس الخطابي وجواد بنزيان. لتقضي بسنة واحدة حبسا نافذا، في حق زكرياء قدوري المتابع في حالة سراح، رفقة امحمد عدول المدان بسنتين حبسا نافذا وعبدالمنعم استريحو المدان بغرامة مالية.