سياسة وعلاقات دولية
ستيفن: الديمقراطية اليوم «بهلوانية» أكثر بكثير-حوار
عملية التدمير تتم بطرق متعددة ومختلفة. في الحالة الفنزويلية، تعاني الحكومة من لعنة البترول. العديد من الأنظمة، بما في ذلك الديمقراطية الفنزويلية في السبعينيات، عانت من وفرة النفط وانتهى بها الأمر إلى تدمير الاقتصاد. بينما كان سعر النفط أعلى من 100 دولار للبرميل، كان نظام تشافيز يوظف عائداته للحفاظ على دعم الأغلبية. وعندما انخفض السعر وبدأ الاقتصاد في الانخفاض سنوات 2011 و2012 و2013.. فقد النظام شعبيته. والسبب الرئيس لضعف النظام، هو الاقتصاد، لكن ليست كل الأنظمة المستبدة تسقط هكذا. مثلا، في دولتي فيتنام والصين هناك نظاميْن أكثر استبدادية بكثير، والشيء نفسه في بعض دول أمريكا اللاتينية. من دون شك يساعد النمو كثيرا على استقرار النظام الاستبدادي. وخير دليل على ذلك إسبانيا نفسها مع فرانكو، في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، عندما بدأت في النمو حل الاستقرار.
ما هي الديمقراطيات الأكثر قوة وصحة في الوقت الراهن؟
لا أحد يحب السياسة، ولا أحد يحب الأشخاص الموجودين في الحكم، سواء أكانوا في السويد أو فليندا أو المملكة المتحدة… ننتظرُ الكثير من ممثل سياسي، ذلك لأنه يحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة جدا في نظر المواطنين؛ والسياسيون متواضعون يسعون إلى السلطة، وهذا عملهم؛ أي الوصول إلى الحكم والبقاء فيه.
وهذا غير مقبول من طرف الناس. علاوة على ذلك، فالسياسيون يجب عليهم أن يكونوا براغماتيين وأن يتكيفوا مع الأوضاع كما هي. يقولون أشياء أثناء الحملة الانتخابية، لكن الوضع يتغير بعد الانتخابات، لذلك عليهم التحالف مع المعارضة، والتوصل إلى التزامات لا يرغب فيها أي أحد. فرانكو أو بينوشيه يمكن أن يكونا نظيفا الكف (أي تجنبا التحالف مع المعارضة). إذا قتلت المعارضة أو أرسلتها إلى المنفى يمكن أن تحتفظ بنظافة كفك (تحالفيا)، لكن في الديمقراطية يجب عليك تلطيخ كفك (تتحالف)- لا أقول هذا بالمعنى السلبي والفاسد-، يجب أن تتحالف، باستثناء حالات بعض الديمقراطيات الحديثة، مثل اسبانيا في أواخر السبعينيات، حيث لم يكن المواطنون راضين. لن تجد ديمقراطية عمرها عقود من الزمان، حيث الناس راضون عن النظام. ستجدهم يشتكون.
في النهاية، أن يُعبر المواطنون عن سخطهم لأنهم تعودوا على مستوى عيش عال، علامة جيدة في العمق.
بكل تأكيد. أكثر من ذلك تحدث تغيرات في الديمقراطيات الراسخة والتي أعتقد أننا لازلنا لم نفهمها كليا؛ أي الضعف المتزايد للدولة العميقة السياسية (الإستبلشمنت السياسي). في أوروبا وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية، خلال سنوات الستينيات، كان هناك «إستبلشمنت» قوي جدا: حزبان يهيمنان على الترشيحات، وثلاث قنوات تلفزيه يشاهدها الجميع، ونقابات ورجال أعمال محدودون، علاوة على محدودية مصدر التمويل. مثلا، في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1958 إذا لم أُطِل على الناس من «NBC» و»CBS» و» ABC» (كبريات القنوات)، لن أُظهر في التلفزيون ولن أصل إلى الناخبين. وإذا لم يكن لدي أصدقاء في النقابة أو في صفوف رجال الأعمال، لن أحصل على المال لتمويل حملتي الانتخابية. وإذا لم أكن جزءا من بارونات الحزب، بما أنه لم تكن هناك انتخابات أولية، لن أكون مرشحا. هكذا، تعوَّد جل السياسيين على الاعتدال. هذا تغير اليوم، نظرا إلى عدة أسباب. مثلا، السياسي الأمريكي Bernie Sanders يمكنه أن يتحصل على الكثير من الأموال لحملته مثل هيلاري كلينتون، من خلال البحث عن المال عبر الإنترنيت، كما أنه يمكن لأي مرشح الترويج لنفسه عبر الواتساب والفايسبوك.
إذن، أصبح سوق التنافس السياسي مفتوحا…
هناك دمقرطة للديمقراطيات التي تولد الكثير من عدم اليقين، والمزيد من الشعوبية. في 1958 لا أستطيع أن أكون شعبويا، لأن الـ»استبلشمنت» كان يرفضني. اليوم، يمكنني أن أرفض الـ»استبلشمنت» ومع ذلك، سأفوز بالأصوات، سواء كنت ممثلا لحركة الخمس نجوم بإيطاليا، أو فوكس بإسبانيا أو ترامب بأمريكا. في الحقيقة، كانت ديمقراطية الخمسينيات نخبوية للغاية، ومُحْتكرة جدا؛ بينما اليوم، هي «بهلوانية» أكثر بكثير، وأكثر انفتاحا …، ولكن في أزمة.
ما الذي يمكن القيام به؟ هل العودة إلى الـ»استبلشمنت «؟
مستحيل، لن تقبل الناس بالعودة إلى الـ»استبلشمنت». هذا أحد التحديات التي تواجهنا كسياسيين ومنظرين سياسيين: تَعلُم كيف نجعل الديمقراطية تشتغل في زمن لا وزن فيه لـ» استبلشمنت «.
لننتقل إلى موضع آخر، حالة الاستقطاب في أمريكا، مثلا، هي أبعد من حصرها في تأثير دونالد ترامب
ترامب هو عرض أكثر منه سبب. السبب الرئيس، من منظوري الشخصي، هو التقاطب الحزبي الذي يتأسس ليس فقط، على اليمين واليسار، بل على العرق والدين والثقافة. هذا التقاطب أدى إلى ضعف القواعد الأساسية للديمقراطية.
لكن هل هذا جديد أم إنه اليوم أكثر إثارة؟
هو جديد بمعنى مهم جدا. موضوع العرق كان حاضرا بيننا منذ ميلاد الجمهورية، وكان مصدر الاستبداد والتعسف والنزاعات، بل حتى الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر. الجديد هو أن العرق أصبح مرتبطا بشكل قوي بالتحزب. لأول مرة، منذ القرن الـ19، أي منذ الحرب الأهلية، أصبحت الهوية الحزبية مرتبطة بالعرق والدين. البيض والمسيحيون جمهوريون، على العموم، والآخرون ديمقراطيون. تحول الحزب الجمهوري إلى معقل للبيض المسحيين الذين كانوا يشكلون الأغلبية على طول تاريخ الجمهورية. كانت المجموعة التي تهيمن على التسلسلات الهرمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذا البلد منذ 200 عاما، لكنها بدأت تفقد وزنها في المجتمع الأمريكي. إنه تغيير على المدى الطويل؛ لا مفر منه.
هل يلاحظ نوع من التغيير في الطلاب حول الأشياء التي يُساءلون عنها أو التي تقلقهم؟ وهل ترى تغييرا في أمريكا عبر طلابها؟
لدي مجموعة أمريكية محدودة جدا. بلغة الجنسيات وبلدان الأصل لم تكن جامعة هارفارد أكثر تنوعا كما هي اليوم. قبل 50 عاما كان يهيمن عليها الطلبة الأغنياء المتحدرين من إقليم نيو إنجلاند (New England). الآن، تستقبل طلابا من كل المناطق ومن كل الطبقات. لكن أنا أدرس الآن 150 طالبا، ومن المرجح أنه ليس من بينهم أي مناصر لترامب.
لكن هذا ليس له معنى..
البلد منقسم بين مراكز حضرية، فيها أشخاص بدبلومات جامعية، وتجمعات صغيرة في مناطق قروية بها أشخاص، تكوينهم ضعيف. في قلب هذا الانقسام، كل الأساتذة وأغلبية الطلاب على قلب رجل واحد. علاوة على ذلك، في الولايات المتحدة الأمريكية الشباب أكثر قربا إلى الديمقراطيين منه إلى الجمهوريين. أما ترامب، فيحظى بالدعم في صفوف كبار السن الذين تتراوح أعمارهم ما بين 60 و70 عاما… لكن ما بين الفئة التي تتراوح أعمارها ما بين 18 و20 عاما، 70 في المائة منهم تقريبا ديمقراطيون اليوم. اليوم هناك عالمان: العالم الحضري بالمدن الساحلية: الأكثر عالمية، والأكثر تقدمية، والأكثر ليبرالية؛ ووسط البلد الأكثر محافظة.
(اليوم 24)