يرتبط الارتقاء الاجتماعي بمستوى تحسن الدخل الفردي وحجم الاستثمار العام والتنمية المستدامة، وهي مكونات تعكس في الوقت ذاته التفاوت القائم بين الفئات والمناطق، وفق استفادتها من الفرص المتاحة للتنمية وإشكالية المعادلة الديموغرافية وارتباطها بمنظومة التعليم.
وأفادت خلاصة دراسة أنجزتها المندوبية السامية في التخطيط حول مصادر خلق الثروة وتوزيعها في المغرب، بأن «متوسط نصيب الفرد من الناتج الإجمالي زاد بنحو 3.2 في المئة سنوياً بين عامي 2001 و2015، بفضل زيادة إنتاجية العمل التي ساهمت في نحو 92 في المئة في ارتفاع الدخل الفردي. بينما بلغ التأثير الديموغرافي نسبة تقل عن 20 في المئة في خلق الثروة المقدرة بنحو 14 تريليون درهم».
وأشارت الدراسة إلى أن إنتاجية العمل «تطورت بنسبة 2.9 في المئة سنوياً خلال العقدين الأخيرين، كما ارتفعت نسبة السكان في سن العمل إلى الإجمالي بنسبة 0.4 في المئة في المتوسط. في المقابل، تراجع معدل فرص العمل نحو 0.2 في المئة سنوياً، ما خفض معدل اليد العاملة من 45 في المئة عام 2001 إلى 42.7 في المئة فقط عام 2015».
ونتيجة اختلال التوازن بين العرض والطلب في سوق العمل لأسباب اقتصادية وديموغرافية، تراجعت مساهمة نمو حصة الفرد من الناتج الإجمالي من 133 في المئة إلى 92.5 في المئة بين عامي 2008 و2015، إذ تدنى تطور الدخل الفردي من 3.6 في المئة إلى 2.7 في المئة، بسبب تراجع معدل العمل واستفحال ظاهرة بطالة الشباب، التي يقدرها صندوق النقد الدولي بنحو 30 في المئة لدى الفئات الأكثر تعلماً في المجتمع. فيما تقدرها الحكومة بنحو 10.4 في المئة كمعدل وطني، باحتساب المهن الهشة والموسمية والفصلية المرتبطة بالنشاطات الزراعية والخدماتية.
ولاحظت الدراسة أن سوق العمل «لم تتمكن من استيعاب الكثافة السكانية المتنامية ومعها أعداد الشباب الباحثين عن عمل للمرة الأولى، إذ تزايد عدد السكان في سن العمل فوق 15 سنة من 19.7 مليون نسمة عام 2001 إلى 24.2 مليون نسمة عام 2015، أي بزيادة صافية قدرت 4.5 مليون نسمة، أي ما يوازي مدينة بحجم الدار البيضاء».
ولم يكن تراجع فرص العمل في وجه الشباب المغربي متشابهاً من قطاع إلى آخر أو من منطقة إلى أخرى، فهي انخفضت في قطاع الزراعة والغابات والصيد البحري، وهي النشاطات التي لم تعد تستهوي الجيل الجديد كما الآباء والأجداد، وتدنّت من 20 إلى 17 في المئة في أقل من جيل (تعويض الإنسان بالآلة). في المقابل، زادت فرص العمل في البناء والأشغال الكبيرة من 16 إلى 17 في المئة، وهبطت في الصناعة من 5.8 إلى 4.8 في المئة، على رغم ارتفاع حجمها في الاقتصاد. وربما يكون لاستعمال التكنولوجيات الحديثة دور مباشر في خفض اليد العاملة في بعض القطاعات الإنتاجية، وتعويضها بالرجل الآلي والآلة في بعض المجالات والصناعات والمهن. ويسود اعتقاد بإمكان حدوث تغيير ضخم في بعض المهن التي ستتخلى عن الإنسان لمصلحة استعمال الآلة والذكاء الاصطناعي في عدد من الدول الصاعدة، ومنها دول في شمال أفريقيا مثل المغرب وتونس ومصر. وسيكون صعباً تصور سيطرة الآلة على الإنتاج وتراجع سوق العمل، في مجتمع سيبلغ 40 مليون نسمة نصفه من الشباب في أفق 2030، وهي التحديات الأكبر أمام الاقتصاد المغربي، الذي ينصحه البنك الدولي برفع النمو إلى ما بين 5.5 إلى 6 في المئة للتحكم بمعدل البطالة وتوفير فرص العمل للشباب الجامعيين.
ويدخل إلى سوق العمل في المغرب سنوياً أكثر من 200 ألف نسمة، ولا يوفر الاقتصاد في أحسن الظروف سوى 120 ألف فرص عمل. ويوجد نقاش سياسي وأكاديمي حول مفهوم العمل، إذا كان حالة اجتماعية من مسؤولية الدولة لضمان عيش سكانها ورقيهم، أم هي معادلة اقتصادية ترتبط بسوق العمل والعرض والطلب. ويجمع الاقتصاديون في المغرب على نهاية العمل بـ «النموذج التنموي» الذي بلغ مداه، لأنه لم يعد يوفر العمل للشباب حتى في حال تجاوز النمو نسبة 4 في المئة مثل هذه السنة.
واعتبرت المندوبية السامية في التخطيط، أن الأثر السلبي لانخفاض معدل العمل على مستوى معيشة السكان «يُعوّض إلى حد كبير بالتحسين في إنتاجية العمل، أي أن العامل نفسه ينتج أكثر ويحصل على دخل أقل من مجهوده، تقليص العمال لترشيد الإنفاق وزيادة المرود والعائد على الاستثمار، أي التضحية بالعنصر البشري».
ولفتت الدراسة إلى أن الإنتاجية في العمل «زادت 5 في المئة بين عامي 2001 و2015، على رغم انخفاض معدلات العمل في نشاطات مثل الخدمات والبناء والأشغال الكبيرة، وهي القطاعات التي تساهم في تحسين معدلات العمل ونمو الناتج الإجمالي للفرد». وأوضحت أن «الإنتاجية تنمو بوتيرة 2.1 في المئة، بينما لا يتطور الدخل الفردي للعمال سوى 0.9 في المئة».
وكان من نتائج تباطؤ التوازن في سوق العمل واختلاله، اتساع الفوارق الاجتماعية في شكل لافت، بين الفئات الأكثر حظاً في تسخير العائدات الاستثمارية وتلك الأقل حظاً في تحقيق الارتقاء الاجتماعي عبر المنظومة العلمية، ما اصطلح على تسميته بالفقراء الجدد، وهم فئة شابة ومتعلمة تقطن المدن وتتعامل بالتكنولوجيا، لكنها لا تملك دخلاً بسبب ندرة فرص العمل ومحدودية المجال. ويعتقد صندوق النقد الدولي، أن بطالة الشباب تشكل «أكبر تحد اقتصادي في المغرب، وتحتاج إلى معالجة آنية، بما فيها إصلاح سوق العمل ومنظومة التعليم، لتفادي صعوبات اجتماعية محتملة»، في نوع من التحذير من العواقب. كما حصل خلال تطبيق برامج التقويم الهيكلي والهزات الاجتماعية التي رافقته قبل 36 سنة، وخلفت جراحاً في الذاكرة المشتركة.
ويرى محللون أن العولمة الجشعة وتداعيات الربيع العربي وفكره الإسلامي المحافظ، والانشغال السياسي بين الفرقاء في الحكومة، والانتهازية الاقتصادية والفساد المالي والإداري والرشوة والمحسوبية وضعف الحوكمة، أدت إلى بروز 1.5 مليون عاطل من العمل لا يستفيدون من الثروة الوطنية. ويحمل نصفه شهادات جامعية عليا، ونصفهم الآخر قد يهدد الأمن الاجتماعي إما انحرافاً أو تطرفاً. وهي معادلة تكاد تكون مماثلة في كل دول جنوب البحر الأبيض المتوسط.