سياسة وعلاقات دولية

المغرب يعيد اكتشاف العالم الجديد

رغم التقلّبات السريعة التي يعرفها المحيط القريب للمغرب، وتناسل الأزمات الإقليمية التي تمسّ بشكل مباشر المجال الحيوي للمغرب؛ أبانت الدبلوماسية المغربية في الأسابيع الأخيرة عن نشاط استثنائي في دول أمريكا اللاتينية، في استمرار للتحول الدبلوماسي الذي انطلق قبل بضع سنوات، والقائم على اقتحام مجالات ظلّت تعتبر هامشية في الأداء الدبلوماسي للمغرب.

هذا التوجه الدبلوماسي الجديد للمغرب القائم على الهجوم بدل الاكتفاء بالدفاع، وعلى عدم تكرار خطأ سياسة المقعد الفارغ تأكد، جليا، الاثنين الماضي، خلال مراسيم حفل تنصيب الرئيس الجديد لدولة بنما، لاورينتينو نيتو كورتيزو، إذ شارك رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بتكليف من الملك محمد السادس في الحفل جنبا إلى جنب مع زعيم البوليساريو، إبراهيم غالي.

هذه “الريمونتادا” المغربية في أمريكا اللاتينية برزت بقوة في 15 يونيو المنصرم بسحب جمهورية السلفادور اعترافها وقطع كل العلاقات التي كانت تربطها بجبهة البوليساريو منذ ثلاثة عقود. وعلى غرار السلفادور، شملت الجولة الأخيرة لناصر بوريطة، وزير الخارجية والتعاون الدولي، إلى أمريكا اللاتينية دولا صديقة للمغرب بهدف تعزيز وتقوية العلاقات الثنائية معها.

وفيما تشهد البرازيل وصول العسكري اليميني المتطرف خايير بولسونارو إلى الحكم، تعود جذور الحضور المغربي الواضح لجالية المغربية في أكبر دولة في أمريكا اللاتينية، إلى فترة الاحتلال البرتغالي للسواحل المغربية الأطلسية لعقود طويلة، خاصة العرائش وأصيلة والجديـــدة. إذ إن الكثير من المغاربة استغلوا فرصة الاحتلال البرتغالي لسواحل المملكة زمن الفتن والمجاعات إبان القرنين الســـادس والســـابع عـــشر، للهجرة إلى مناطق نفوذ البرتغال في القارة الأمريكية اللاتينية، وبالضبط إلى البرازيل.

السنوات الأخيرة عرفت، أيضا، إحياء العلاقات المغربية الكوبية، والتي اتّسمت عموما بالجفاء رغم إقامة علاقات دبلوماسية مبكرة في بداية الستينيات من القرن الماضي. فأول اتصال رسمي رفيع يعود إلى الاستقبال الذي كان الملك الراحل محمد الخامس، قد خصّ به الزعيم الثوري الكوبي تشي غيفارا. لكن تفاعلات الحرب الباردة وانتماء البلدين إلى معسكرين متناقضين، سرعان ما دفع العلاقات الثنائية إلى القطيعة، والتي قررها المغرب عام 1980، بسبب اعتراف كوبا بالبوليساريو.

المؤرخ ومدير مركز دراسات الأندلس وحوار الحضارات، عبدالواحد أكمير، يذكّر كيف كان لليهود المغاربة منذ القرن التاسع عشر، دور أساسي في دعم العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين البلدين، حيث أقام المغرب علاقات مع البرازيل سنة 1876، وكان أول بلد عربي وإفريقي يقدم على هذه الخطوة.

وعن الموقف الداعم لاستقلال المغرب خلال فترة الحماية، يقول أكمير إن بلدان أمريكا اللاتينية لم تكن تنظر بارتياح إلى استعمار المغرب من قبل قوى أوروبية، “والسبب هو موقف هذه البلدان الرافض للاستعمار، والذي يذكرها بماضيها، فهي أول قارة خضعت للاستعمار الأوروبي، وأول قارة تخلصت من هذا الاستعمار، وبالتالي، أمر طبيعي أن تطالب باستقلال الكيانات التي خضعت خلال القرن العشرين للاستعمار. معطى يفسر، حسب أكمير، كيف أن أول ملتمس قدم أمام هيئة الأمم المتحدة للمطالبة باستقلال المغرب كان من جانب بلدان أمريكا اللاتينية.

“لم يكن للمغرب منذ الاستقلال مع مختلف دول أمريكا اللاتينية إلا علاقات رمزية محدودة، طابعها الاعتراف المتبادل بدون تمثيل دبلوماسي فعلي إلا مع أقلها”، يقول الروائي والسفير السابق للمغرب في الشيلي، عبدالقادر الشاوي، موضحا أن مرد ذلك إلى كون المغرب، كان تحت تأثير التوجه الدبلوماسي الفرنسي بحكم التبعية التاريخية والسياسية “قبل أن تصبح تلك التبعية ارتباطا بالاختيارات الاستراتيجية التي حددتها فرنسا لنفسها بعد تحرير مستعمراتها القديمة”.

من جهته، الباحث المتخصص في الشأن المغربي الأمريكي اللاتيني، مراد زروق، قال إن المغرب لم يول أهمية كبيرة في سياسته الخارجية لأمريكا اللاتينية في السنوات الموالية لاستقلاله، “إذ كانت الدولة الفتية منهمكة في صياغة علاقات جديدة مع القوى السياسية العالمية”. ويضيف زروق أنه وبعد اعتلاء الملك محمد السادس للعرش سنة 1999، عرفت الدبلوماسية المغربية اختراقا دبلوماسيا واسع النطاق لأمريكا اللاتينية. “هذا الاختراق لا يجب أن نفصله عن التوجه الجديد الذي يقضي عدم ترك الكراسي شاغرة من جهة، وبتنويع العلاقات الدبلوماسية والبحث عن التوازن، إضافة إلى نضج بعض تجارب التعاون جنوب-جنوب التي جعلت المغرب يراهن على شركاء آخرين يعيشون نفس الظروف السياسية والاقتصادية”.

 (سكاي نيوز)
إغلاق