ثقافة وادب وفنونسلايد 1

“كوميديا” عزباء مشبعة بدروس التنمية البشرية تبحث عن الزواج

فيلم سينمائي أقرب للتلفزيون (DESPERADOS 3-7-2020 على منصة نتفليكس، وهو من إخراج لوران بالميجيانو)، هاجِسه تسلية المتفرجين عن أوهامهم وليس هاجسُه الأسلبة التي تمجدها سينما المؤلف…

فيلم كوميدي يركز على اللعب بالكلمات للإضحاك. يُولّد الضحك هرمونات السعادة. الحاجة إلى الضحك مثل الحاجة إلى الأكل. حاجتان لم يتم إشباعهما قط. نادرة هي الحكايات المضحكة، نادرة هي هرمونات السعادة في المجتمع رغم أن الأفلام الكوميدية هي النوع الأكثر عددا في تاريخ السينما.

أفلام تروي حكايات الحمقى والمغفلين الجدد، ومنهم ثلاث شابات عزباوات مشبعات بدروس تنمية الذات ومبرمجات ليكنّ إيجابيات… واثقات تقنيا وعاطفيا… يقدمن محاكاة ساخرة لأيديولوجيا دروس التنمية البشرية.

تعيش البطلة الشابة (ويسلي، أداء نزيم بيدرار) مأزقا بين التّعبير الحقيقي عن الذات من جهة، واختلاق الذكاء العاطفي بتركيب أقنعة لإرضاء الآخر لحظة التعرف على الغرباء من جهة ثانية.

يعني إبراز الذكاء العاطفي القيام بخُطوات مجاراة الآخر وتفهّمه… تضغط الشابة على نفسها في حوارات تكشف روحها المكسورة، تتعايش مع شعوذة الكوتشينغ بطريقة مُمنهجة، مثلا يقول لها جليسها إنه مهندس معماري فتردّ فورا “أنا أحب المباني”.

منذ متى؟

هكذا فالأسئلة صغيرة تكشف حجم الزيف الذي يتعايش معه الفرد.

تستمر في افتعال الذكاء العاطفي.

بدلا من القرارات الغريزية الحدسية الصادقة تقترح برامج التنمية البشرية قرارات ميكانيكية مفكر فيها مسبقا، يريد الكوتشينغ تحرير الفرد من البيولوجيا، يقول لها “انزعي الأشواك التي في داخلك، كل القرارات التي تتخذينها في لحظات الغضب تنقلب كوارث، لا تغضبي”.

والنتيجة مرونة مريعة لدى الشابة للتكيف مع الوضعيات… حتى إن عمودها الفقري صار مرنا لا ينكسر حتى حين تقفز من نافذة… حسب دروس الكوتشينغ فهي تمارس تواصلا فعّالا إيجابيّا… لكن هناك من سيسمي هذه الإيجابية المفبركة “نفاقا”.

ما الذي يجعل تحمّل هذا الضغط ضروريا؟

حين يعمل الفرد ساعات طويلة يتعب ينام فيستغني على الكوتشينغ (الواعظ العصري) والحبوب المنومة… كلما توفر الفرد على وقت فراغ صار بحاجة إلى دروس تنمية… من يدمن دروس الكوتشينغ يكتشف الذات وتجاوز الإحباط… يفترض أنه دائما أمام خيارات كثيرة.

إذن لن يكون أبدا في مأزق بفضل اللياقة النفسية.

أي وهم هذا؟

هذا هو الخطاب المؤدلج، أما في الواقع فالفيلم يعرض عزلة شابّات في الثلاثين من العمر… لديهن أمل فادح بالتعرف على شخص مناسب… بطلة الفيلم عزباء تحت ضغط أمّها وجدت أن أحسن طريقة للعثور على رجل هي أن تسكت، ألا تعلق. تصمت لتكون مقبولة، المهم هو الزواج لا الجنس… لاحقا تعمل البطلة في مؤسسة تعليمية للمراهقات وتكتشف أن المجتمع يُحضّر المراهقات لعيش الإشكالات نفسها واتباع الأجوبة نفسها للزواج… تشرح البطلة للراهبة أن مدرب التنمية البشرية يقول إن المرأة لا تحتاج رجلا لكي تكون سعيدة ويمكن أن تعتمد على نفسها لصنع الخير لنفسها.

تصفق الراهبة لذلك.

حينا تقترحُ المعلمة العزباء “بديلا هو درس التنمية البشرية الذي يقتضي الاعتماد على النفس”. إلى هنا لا خلاف. بعدها يظهر أن الراهبة تهتم بالاستقلالية الروحية، بينما العزباء تقصد استقلالية جسدية بالاستغناء عن الرجال. كيف؟ بممارسة العادة السرية.

تكتشف الراهبة الهوة الرهيبة التي تفصلها عن المعلمة العزباء.

ما الذي يجعل الكوتشينغ ضروريا للنساء خاصة؟ الوساوس والقلق في الحياة المَدينية المتقلّبة والمغرقة في الفردانية. في سن الثلاثين تحتاج الشابة صديقة تفهمها ولا أمل في العثور على حبيب…

تبحث المعلمة العزباء عن شاب وسيم رومانسي وملائم للزواج، أي لديه دَخل عالي ومنزل وسيارة… المشكل أنه نادرا ما تجتمع هذه الصفات في فرد واحد، وحين تتوفر في شخص فهو لا يريد الزواج.

مصيبة.

مع الزمن تكتشف المعلمةُ أن الشابّ الذي تبذُل أقصى جهد للحصول عليه لا يستحقها… للصدمة وقع وألم، حين تسمع الصديقات صوت المتوجّعة يتساءلن إن كان صوتَ شخص تُقطع عظامه بمنشار؟

مهمة الصديقات تلميذات الكاوتشينغ هي استقبال صديقتهن المصدومة لتبكي على صدورهنّ ولتعزيتها بعد انهيار آخر علاقة…

يتضح أنه في زمن العلاقات السريعة تعتبر العزباء أن حبيبها قد استبدلها إذا لم يتصل بها لمدة خمسة أيام… الحل؟ موعد مع شخص لا تعرف شكل وجهه، تحاوره و”تشخص حالته”… يعاني من الوحدة والحنين… في هذا الموعد العشوائي يصير تحليل الآخر تشخيصا للأنا.

ما وجه الشبه؟

يقال “كلنا كالقمر .. له جانب مظلم”، ما هو الجانب المظلم في الشخصية؟ ما الجانب الذي يتم دفعه للضوء من الشخصية؟ خيبات نساء هاربات من هيمنة الحياة المادية على المدن البرجوازية… أحيانا ينجح تسويق الوهم وتسيل الدموع…

تركز الكوميديا على المفارقات، لذا هناك شابة واحدة تمتلك حسا نقديا وترصد الشعوذة المُمنهجة التي تسيطر على صديقتيها… شابة تغذي السخرية مما يعيشه المجتمع كبديهيات.

في الفيلم شخصيات متباينة الأمزجة لكي لا تكون الشخصيات مطابقة لبعضها في السلوك والمعجم، المدهش أن تلك الشابة ذات الحس النقدي تناقض نفسها في لحظة ضجر فتستسلم للكوتشينغ… فتستريح ويصير المستقبل واضحا أمامها.. ويتضح أنها ليست عزباء بل ربع متزوجة.

في الفيلم شخصيات شائعة في كل المجتمعات (في المغرب أكثر من 8 ملايين عزباء بعضهن يستنجد بالرقية الشرعية أو غير الشرعية) لأن منتج الفيلم يخاف ألا يتجاوب المتفرجون مع شخصيات منتقاة من وسط مغلق. شخصيات عادية يضع الكوتشينغ خِصالها على الطاولة لتحلُل وتقطّع أحلامها… حينها تلجأ الشخصية إلى مكر دفاعي لحماية كينونتها من التعرية…

في مجتمع لا يريد الرجال فيه الزواج والإنجاب فإن بعد كل الجهد الذي تبذله العزباء لاستمالة رجل تكتشف أن المرشح الأكثر وسامة قد لا يكون هو الأصلح للزواج في نهاية المطاف.

هذا درس من كوميديا إيجابية لا كوميديا عبثية.

من أجل نهاية سعيدة، وبالصدفة تجد الشابة ويسلي زوجا أقرب لها بينما هي كانت تبحث عن البعيد. لهذا الحدث سوابق، ففي رواية سيرفانتيس ترك دون كيخوته حبيبته بجانب قريته وذهب يقوم بمغامرات بحثا عنها في الجبل. وقد مات الفارس أعزب.

المصدر: هسبريس

إغلاق