منوعات

“ندوة تفاعلية” تطالب بمركز وطني لمحاربة آفة الانتحار في المغرب

هناك حيث الظلام والوحشة، تعالى صوت شاب محبط من فوق ركح خشبة المسرح، كسر صمت قاعة الندوات بمدينة شفشاون، مناديا الموت الذي أبى أن يأتي عقب محاولات عدة اختلفت وسائلها وطرقها دون أن تفلح في خنق روحه أو سلب حياته.

يبدو الشاب العاطل فاقدا للأمل في الحياة؛ فالإدمان والبطالة يطوقان حياته، وبعد تخطيط واضطراب يقرر إنهاء حياته شنقا مستعينا بحبل قبل أن يسمع نداء ربه (أذان الصلاة) ويعدل عن الخطوة، وسط تصفيقات الحضور.

بهذه اللوحة الفنية، أعطيت انطلاقة ندوة تفاعلية حول آفة الانتحار، مساء السبت، بقصر الندوات لمركب محمد السادس للرياضة والثقافة والفنون بالجوهرة الزرقاء، وهو الموعد الذي يأتي في إطار فعاليات حملة “نعم للحياة.. لا للانتحار” التي تنظمها جمعية بن امشيش لرعاية التراث الحضاري.

محمد الميموني، مستشار إعلامي، قال إن تنامي الظاهرة وبأرقام مقلقة دفعنا إلى التفكير في تنظيم ندوة للتحسيس والتوعية، مشيرا إلى أن الوضعية المرصودة باتت تبوئ الإقليم المرتبة الأولى وطنيا بخصوص حالات وأعداد المنتحرين.

وأضاف الميموني، أن النشاط يعتبر مبادرة رائدة تروم الخروج بمقترح علمي وعملي قابل للتطبيق على الأرض الواقع وليس مجرد توصيات تبقى حبرا على الورق، وزاد وفرنا رابطا إلكترونيا لجمع التوقيعات على شكل ملتمس ترفع سواء إلى الأمانة العامة للحكومة ولما إلى القصر الملكي وذلك بهدف إنشاء وإحداث مركز وطني لمحاربة ظاهرة الانتحار في المغرب.

وأضاف أن المركز الوطني المراد إحداثه بشفشاون يتوخى الاشتغال على بعدين الأول وقائي للحد من وتيرة الظاهرة والثاني بحثي محض لإعداد قاعدة بيانات لتحديد إشكاليات وتشخيص الآفة التي ما فتئت تسلب أرواح ساكنة الإقليم شيبا وشباب، خاصة في ظل غياب أرقام مضبوطة بخصوصها.

من جانبه، عرف الدكتور أحمد المطيلي، أخصائي ومعالج نفسي، الانتحار بالقتل العمد للنفس مع وجود نية القصد والإيذاء، مستحضرا ما أسماه بواعث وإشارات تسبق فعل الانتحار؛ من قبيل كثرة الحديث عن الموت أو تهديد بالإقدام عليه.

وقال المتحدث إن الظاهرة تحكمها عوامل نفسية أهمها الاكتئاب، ومن الخطأ نسبها إلى عامل وحيد واصفا إياها بالآفة المعقدة التي تتداخل فيها عوامل ذاتية شخصية وأخرى نفسية، مشددا على أن الأشخاص الذين عاشوا طفولة صعبة أو حرمانا عاطفيا (انفصال أو فقدان حبيب أو قريب)، بالإضافة إلى الأشخاص الذين لديهم سوابق في محاولات الانتحار أو ضحايا الاغتصاب والزيجات غصبا، فئات تفكر في الانتحار أكثر من غيرها.

وأورد المطيلي أن الظاهرة تخطف أرواح الذكور أكثر من الإناث، مشيرا في هذا السياق إلى أن الرجال يفضلون إنهاء حياتهم شنقا أو رميا بالرصاص في الوقت الذي تميل النساء إلى تناول المبيدات أو الارتماء من علو شاهق.

وختم الأخصائي ذاته حديثه المقتضب بكون الإعلام يهول من حجم الظاهرة دون أسس بحث علمية وبعيدا عن المنطق أحيانا كثيرة، وأكد أن المنتحر يمكنه العدول عن الفكرة إذا ما تمت مصاحبته ومرافقته والعمل على تقوية بعض النقاط لتجاوز الأزمة النفسية.

أما أحمد الدافري، خبير الإعلام والتواصل، فاستنكر، خلال كلمة ألقاها بالمناسبة، تهافت صحافة البوز “على السبق والخوض في حالات الانتحار أو إجراء حوارات مع عائلات المنتحرين واصفا الأمر بـ”الزيغ” والانحراف عن المهمة النبيلة للصحافة والمتمثلة في الإخبار والتثقيف والتربية.

واستغرب المتحدث نفسه مما يرد في بعض المواد الصحافية التي تغوص في حيثيات الواقعة من خلال التطرق إلى تفاصيل مدققة ووصف الطريقة التي تمت بها عملية الشنق أو غير ذلك، مؤكدا أن تقديم هذه المعلومات بالتفصيل قد يستوحي منها المتلقي خطوات الفعل ويقوم يه كذلك.

وقال الدافري: “لا يجب اختزال أسباب الانتحار في غياب الوازع الديني”، مشيرا إلى الصورة النمطية والتصنيف الذي يطال أسرة المنتحر إلى جانب سيادة ثقافة أن المنتحر لا تجوز الصلاة عليه وغيرها من الأحكام التي تجعل من الأسرة منبوذة وتعيش مآسٍ بسبب وصمة العار.

أما حميدة جامع، الفاعلة الحقوقية، فتطرقت إلى نتائج دراسة، بخصوص عدد ضحايا الانتحار بالإقليم الجبلي والذي بلغ 45 حالة سنة 2015 و29 حالة سنة 2018، بينما سجلت سنتاَ 2016 و2017 وفاة 41 شخصا و38 شخصا على التوالي.

ووصفت الفاعلة الحقوقية الانتحار بالظاهرة الكونية المعقدة والمتشابكة، التي تستوجب تضافر جهود مختلف المتدخلين للحد منها دفاعا عن الحق في الحياة الذي تكفله كل المواثيق الدولية.

(هسبريس)
إغلاق