سياسة وعلاقات دولية
مؤلّف جديد ينبش في سياسة سلاطين المغرب أمام الزعامات المحلية
أصدر الأستاذ عكاشة برحاب كتابا جديدا اختار له عنوان “السلطان والزعامات المحلية في مناطق الحدود: حالة الشيخ بوعمامة في مطلع القرن العشرين”، يتناول سياسة سلاطين المغرب إزاء الزعامات المحلية التي كانت تبرز بمناطق الحدود، حيث اختار نموذج الشيخ يوعمامة الذي بدأ مشواره كمجاهد وصوفي ومرابط في نهاية القرن التاسع عشر، لكنه انقلب على السلطان في مطلع القرن العشرين، بعد أن وقع هذا الأخير اتفاقيات مع السلطات الفرنسية بالجزائر سنة 1902، تم بموجبها ضم أراض مغربية إلى التراب الجزائري.
وفي تقديمه للكتاب، قال المؤلف إن شرق المغرب برزت فيه زعامات محلية، خاصة منذ احتلال الجزائر، وكانت تبرز على الساحة ثم تتوارى دون أن يكون لها أثر على الدولة، وكانت دوافعها في غالب الأحيان الدفاع عن حوزة البلاد، لكن في مطلع القرن العشرين برزت زعامات محلية تطعن في شرعية السلطة المركزية، وتتهم السلطان بالعجز، حيث كان الروكَي من أشهر هذه الزعامات التي اتخذت شرق المغرب قاعدة لها، وقد سبقه الشيخ بوعمامة، الذي رفع راية الجهاد، وشكل زعامة محلية في مناطق الحدود منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، لكن ظل وفيّا في ولائه للسلطان خلال تلك الفترة.
وأضاف: “تبدلت الأحوال في مطلع القرن العشرين-خاصة بعد توقيع اتفاقيتي 1902 بالجزائر-حيث وقع الاتفاق على إبعاد الشيخ بوعمامة عن مناطق الحدود ـ مما دفعه إلى الالتحاق بالثائر الروكَي، وترتب عن ذلك اقتتال غير بعيد عن خط الحدود، فساد توتر كبير في المجال الحدودي، كانت له آثار سلبية على العلاقة المغربية-الفرنسة”.
وقد سبق تناول علاقة السلطان بالشيخ بشكل عرضي في إطار موضوع عام يشمل المجال الحدودي بين المغرب والجزائر، في حين أفرد الكاتب دراسة مستفيضة ومعززة بالوثائق لطبيعة العلاقة بين الجانبيْن، وما ترتب عنها من آثار على مناطق الحدود في مؤلفه الجديد.
وعن الهدف من الإصدار الجديد، قال برحاب في تقديمه: “هدفنا هو الكشف عن جوانب غير معروفة، وكذا تصحيح بعض الأحكام التي شاعت في حق الشيخ، والتي من شأنها الحط من قيمته، وهو الصوفي المرابط المجاهد، حاول التملص من ثقل التجاذب الذي أحاط به من عدة جهات، وأن يسلك سبيلا يخلصه من تأثير هذا الجانب أو ذاك، فاحتفظ باستقلالية القرار تجاه سلطان المغرب من جهة، ولم يتقيّد بالتحالف مع الثائر الروكَي من جهة ثانية، وأخيرا حاول الصمود في وجه تهديدات السلطات الفرنسية بالجزائر أو إغراءاتها المالية”.
ويعد هذا الكتاب رصداً لمسار صعب سلكه الشيخ، وحاول تخطيه بكل دهاء وحسن تدبير حتى في أسوأ الحالات، بل ظل يقاوم الضغوط الفرنسية وكل أنواع الإغراءات وهو على فراش الموت، وصمد في وجه انقسام حاشيته بين موالٍ لفرنسا ومناهض لها.
وقد أثار سلوكه وسيرته بمناطق التخوم تضاربا في المواقف، انعكست آثارها على الدولة المغربية، مما جعل السلطان عبد العزيز يحتاط منه، فحاول إخضاعه لسلطته تارة بالقوة وتارة بالإغراء، غير أن الشيخ كان يستلّ نفسه من هذا الوضع المتأزم كالشعرة من العجين.
وسلكت فرنسا من جانبها السياسة نفسها تجاه الشيخ، ونجحت في آخر المطاف في كسب مهادنته لها، مستغلة قضية نجله وفلذة كبده الذي خلصته من سجون المخزن بينما فشل رجال الدولة المغربية في تدبير قضيته بشكل مفيد.
هذه بعض القضايا التي يعالجها هذا الكتاب بكثير من التفصيل وبإثباتات عديدة تم إقحامها ضمن المتن، أو جاءت على شكل ملاحق، مما يضفي على هذه الدراسة كثيرا من المصداقية، بحيث تشكل رصيدا معرفيا، وإضافة نوعية للبحث التاريخي في المجال الحدودي المغربي-الجزائري.
وقد أفرد الأستاذ عكاشة برحاب كتابا خاصا للملاحق باللغة الفرنسية، سوف ينشر في أعقاب صدور هذا الكتاب.