أخبارسياسة وعلاقات دولية
التقارب بين فرنسا والمغرب يفتح المجال لإنعاش صفقات السلاح بين البلدين
يبدو أن التقارب المغربي الفرنسي الأخير المتمثل في الإشارات الإيجابية التي أرسلتها باريس إلى الرباط من أجل تجاوز فترة البرود الدبلوماسي الذي شهدته العلاقات الثنائية بين البلدين في السنوات الأخيرة قد يعيد، حسب متتبعين، إنعاش مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى المغرب بعدما شهدت تراجعا كبيرا إثر تجاهل الرباط للسلاح الفرنسي وتوجهها إلى دول أخرى من أجل التزود بالأسلحة التي تحتاجها لمواجهة مختلف التهديدات الأمنية التي تعرفها المنطقة.
وكان المغرب قد احتل الرتبة الثالثة ضمن أكبر مستوردي العتاد الحربي من باريس خلال سنة 2020، حيث استحوذ على نصف المبيعات الفرنسية من الأسلحة إلى إفريقيا، حسب تقرير لوزارة الجيوش الفرنسية؛ غير أن ضبابية مواقف “فرنسا- ماكرون” تجاه قضية الصحراء وتراكم الملفات الخلافية بين البلدين دفعا بالرباط إلى التخلص من التبعية العسكرية إلى فرنسا وتنويع شركائها العسكريين على هذا المستوى، ليغيب بذلك اسم المغرب في آخر تقرير سنوي للوزارة الفرنسية ذاتها حول مبيعات السلاح الفرنسي.
رغبة واستراتيجية
قال هشام معتضد، باحث في الشؤون الاستراتيجية، إن “التقارب المغربي الفرنسي من دون شك سيتيح إعادة تدفق الأسلحة الفرنسية على السوق المغربية بعد تراجع ملحوظ جراء الخلاف السياسي والدبلوماسي بين البلدين نتيجة سوء الفهم الكبير الذي طبع العلاقات المغربية الفرنسية”، مسجلا أن “باريس تسعى دائما إلى حجز مكانة استراتيجية لها في مبيعات الأسلحة للمؤسسات الدفاعية والأمنية المغربية؛ وذلك راجع إلى الموروث السياسي والاستراتيجي الذي جمع البلدين منذ فترة الحماية والسنوات التي تلتها من خلال العديد من الاتفاقيات والشراكات الثنائية”.
وأضاف معتضد، في تصريح لهسبريس، أن “المغرب قد يحتاج من فرنسا بعض الأسلحة النوعية كمقاتلات “رافال” والطائرات من طراز “كاراكال” التي أبانت عن فعالية كبيرة في العديد من العمليات العسكرية الأخيرة، بالإضافة إلى المركبات والمدرعات الفرنسية التي أثبتت بدورها نجاعة كبيرة ميدانيًا في تخطي التحديات الجغرافية في العديد من المناطق المختلفة”.
وبيّن الباحث في الشؤون الاستراتيجية أن “تحديث سفن خفر السواحل أيضًا من الأمور التي قد تعتمد عليها الرباط على فرنسا في تجديد آلياتها البحرية، خاصة أن القيادة في المغرب لها توجه استراتيجي في تقوية ترسانتها البحرية ورفع مستوى تأمين وضبط مختلف فضاءاتها البحرية تماشيا والسياسات الأطلسية الجديدة”.
ولفت المتحدث ذاته إلى أن “فرنسا تسعى جاهدة إلى الحصول على نصيبها من مستوردات السلاح المغربية، كالعديد من الدول المصنعة والمصدرة للسلاح. لذلك، فهي تريد الرجوع بقوة إلى السوق المغربية، خاصة بعد التراجع الكبير في السنوات الماضية، في ظل اختيار الرباط لسياسة تنويع الشركاء؛ وهو ما يزيد الضغوطات على باريس ويدفعها إلى التفكير في بناء استراتيجية جديدة تتماشى والمعطيات والمتغيرات التي تشهدها الساحة المغربية على هذا المستوى”.
وخلص معتضد إلى أن “الصناعات العسكرية والدفاعية، التي يسعى المغرب إلى تشجيعها محليا من أجل تموين جزء من معداته الأمنية والعسكرية، قد تكون بوابة جديدة لباريس من أجل التموقع في هذا الورش الاستراتيجي الكبير والمهم للرباط والذي يعتبر ميدانا خصبًا للعديد من المستثمرين الدوليين في المجال العسكري والدفاعي”.
تصحيح المسار
محمد عصام العروسي، مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية، قال إن “الأزمة الدبلوماسية بين الرباط وباريس خيمت، خلال السنوات الأخيرة، على طبيعة العلاقات ما بين البلدين وانعكست بشكل سلبي على علاقاتهما الأمنية والعسكرية”، مشيرا إلى أن “المغرب توجه مقابل ذلك إلى تعزيز شراكاته العسكرية مع مجموعة من الدول الأخرى المنتجة للأسلحة، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية”.
وأضاف العروسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “فرنسا تراجعت على إثر ذلك مكانتها كمورد أساسي للعتاد الحربي إلى المغرب؛ وهو ما تؤكده التقارير الأخيرة لوزارة الجيوش الفرنسية”، لافتا إلى أن “هذا التراجع راجع بالأساس إلى غياب وضوح الموقف الفرنسي تجاه قضية الصحراء والتقارب الذي حدث في السنوات الأخيرة ما بين الجزائر وباريس على حساب العلاقات مع المغرب”.
وسجل المتحدث ذاته أن “العلاقات العسكرية المغربية الفرنسية ورغم كونها علاقات راسخة ومتجذرة؛ غير أنها تأثرت بشكل كبير في عهد الرئيس ماكرون، حيث عرفت الدولة الفرنسية في عهد هذا الأخير تراجعا كبيرا لنفوذها في منطقة شمال إفريقيا ومنطقة الساحل والصحراء”، موضحا أن “إعادة هذه العلاقات إلى مسارها يحتاج من باريس مجهودا كبيرا لإعادة استعادة شركائها التقليديين، خاصة على المستويين العسكري والأمني”.
وأشار مدير مركز منظورات للدراسات الجيو-سياسية والاستراتيجية إلى أن “المغرب حاول، في السنوات الأخيرة، فتح قنوات أخرى بعيدا عن فرنسا من أجل التزود بالأسلحة التي يحتاجها، خاصة الطائرات وراجمات الصواريخ؛ وبالتالي فإن المملكة أثبتت قدرتها على إقامة شراكات طويلة الأمد مع مجموعة من الدول المصنعة للسلاح”.
وبيّن المتحدث ذاته أن “التقارب المغربي الفرنسي الأخير وتجديد الثقة ما بين البلدين وتجاوز النقاط الخلافية بينهما كلها عوامل ستفتح المجال أمام إعادة تدفق الأسلحة الفرنسية، خاصة الطائرات المقاتلة التي يعاني المغرب من نقص فيها؛ وإن حاول تعويض ذلك النقص من خلال التسلح بالطائرات المسيرة التي حصلت عليها المملكة من تركيا والصين وكذلك إسرائيل”.
وخلص محمد عصام العروسي إلى أن “فرنسا لم تستلم أبدا في مساعيها إلى الحصول على نصيب من صفقات الأسلحة التي يعقدها المغرب، الذي أصبح يتعامل بندية كبيرة وتخلص من التبعية العسكرية لباريس”، مشيرا إلى أن “تصحيح الدولة الفرنسية لمسار علاقاتها مع الرباط، خاصة في القضايا التي تحظى بالأولوية في السياسة الخارجية المغربية، قد يدفع في اتجاه إعادة إنعاش مبيعات الأسلحة الفرنسية إلى المملكة”.
المصدر : هسبريس