سياسة وعلاقات دولية
أبواب مدينة “تطاون” السبعة .. خصوصيات معمارية وأسرار التسمية
تواصل أسوار مدينة “تطاون” العتيقة، كما يحلو لأهلها تسميتها، حفظ ذاكرة المدينة وخصائصها التي تتوافق ونظيراتها من مدن القرون الوسطى، رغم الهدم الذي طال أجزاء من تلك الأسوار التي كانت تحيط بها على امتداد خمسة كيلومترات بسمك بلغ 1,20 مترا، وعلو تراوح ما بين 5 و7 أمتار، سمح بإنشاء ممرات الحراسة على شرفاتها المتينة المتدرجة، فيما حصنت بأبراج متعددة الأضلاع، شكلت جدارا دفاعيا متينا، دعمتها عدد من الحصون المسقفة، والقصبات التي ما تزال شامخة تعاند الزمن.
وقد فتحت في هذه الأسوار، منذ إعادة تجديد بناء المدينة وحتى اكتمال مراحل تأسيسها التي امتدت من أواخر القرن الخامس عشر إلى حدود القرن الثامن عشر، سبعة أبواب، تفاوتت أحجامها بحسب أهميتها في تنظيم حركة الخروج والولوج إلى المدينة، منفتحة على المواقع المرتبطة بأهمية المسالك الواقعة خارج الأسوار، وذات هندسة فريدة اتسمت بقوس أمامي اتجاه ظاهر المدينة، وقوس خلفي اتجاه داخلها، يغلب عليهما العقد الحدوي (شكل حدوة الحصان)، ومع القوسين المذكورين يرتفع قبو نصف دائري لتغطية المساحة بين العقدين، وهي التي كانت تتحرك فيها دفتا الأبواب، فيما بنيت فوق القوسين غرفة للحراس.
وزينت الأبواب الرئيسية للمدينة بزهريتين من الفخار على يمين ويسار أعلى الإطار المحيط بالباب، كما هو حال باب العقلة، كما احتل العقد الرخوي الذي تتناوب فيه العقود نصف الدائرية مع العقود الصغيرة المدببة مكانة متميزة ضمن باقي الأبواب، كباب المقابر وباب التوب وباب النوادر. وقد لعبت جل هذه الأبواب دورا تجاريا هاما ساعد على إقامة أسواق بجانبها، نظرا لإشرافها على الطرق الرئيسية المؤدية إلى مدن أخرى، أبرزها سبتة وطنجة وفاس.
باب العقلة
يقول محمد بن عزوز حكيم، مؤرخ تطواني، في منشور له بعنوان “التطور الطبوغرافي لمدينة تطاون”، إنها “أنشئت في الفترة الموافقة للنصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي، وهي ذات خصائص قروسطية (Midievales)، وذات مدخل مباشر، واجهتها الخارجية تجسد تخطيطا متدرجا على شاكلة الأبواب الموحدية والمرينية”. وقد جاءت كبيرة ومتضمنة لبعض الأشكال الزخرفية، كما تتوفر على خاصية جمالية مميزة، تتمثل في كون الداخل منها يجد نفسه مباشرة أمام سقاية باب العقلة المتفردة بزخارفها ونقوشها.
وبشأن تسميتها، أورد عبد السلام بن أحمد السكيرج، في كتابه “نزهة الإخوان في أخبار تطوان”، أن التفاسير قد تضاربت حولها، “فهناك من أرجعه إلى الأساطير العربية القديمة، وبخاصة (أزلية ابن ذي يزن)، وهناك من اختصر الأمر في إرجاعه للمهندس الذي شيدها، فيما رجح آخرون أن يكون الاسم قد أخذ من الحي الذي شيدت بجواره والذي يحمل الاسم ذاته”، بينما يرى بعض المهتمين أن الاسم إنما هو تحريف لكلمة العقلاء، ومنها جاءت كلمة عقلة وفق زعمهم.
ويضيف المصدر ذاته أن “الإسبان قد أعطوا لها اسما آخر إبان دخولهم الأول إلى تطوان (1860 ــ 1862)، حيث أطلقوا عليها اسم La puerta de la Reina، أي باب الملكة”، كناية على الملكة “إيزابيلا الثانية”، مؤكدا أن “هذه الباب حظيت بأهمية كبيرة، نظرا لإشرافها على طريقين هامين، الطريق المتجهة إلى المرسى، ثم الطريق المتجهة نحو مدينة سبتة المحتلة”، علاوة على “إشرافها على أراض زراعية شاسعة تمتد على الشريط السهلي بين المدينة وساحل مرتيل، لذلك تم تحصينها ببرج مدفعي (الاستقالة)، على يسار الداخل منها”.
باب التوت
لا بد من الإشارة إلى أن هناك بابين قد حملا هذا الاسم، أقدمهما أنشئ في القرن السادس عشر ميلادي، وهو الذي مازال قائما إلى اليوم غرب المدينة، متصلا بحومة الطرنكات، فيما الباب الجديد الذي أنشئ في أوائل القرن التاسع عشر تم هدمه في بداية الاستقلال (1958) لربط الجهة المؤدية إلى ساحة الفدان القديم بالمحور الطرقي. وتتمثل أهمية هذا الباب في إشرافه على الطريق المتجهة إلى فاس وطنجة، وباقي المدن والمناطق المغربية، لذلك كان حجمه كبيرا ومتضمنا لمجموعة من العناصر الزخرفية والكتابات بخط كوفي على شريط الزليج، خاصة فوق قوسه.
وأوضح محمد بن عزوز حكيم، في منشوره “التطور الطبوغرافي لمدينة تطوان”، أن “الباب الأول أنشئ خلال المرحلة السابعة من التطور الطبوغرافي للمدينة، أي خلال القرن السادس عشر، عند بناء حومة الطرنكات”، مضيفا أن باب التوت الجديد “من مباني المرحلة الأخيرة من التطور الطبوغرافي، حيث أنشئ في أوائل القرن التاسع عشر، وهذا الأخير هو الذي هدم في بداية الاستقلال، وكان ذلك سنة 1958”.
وحول سياق التسمية باب التوت، ذكر عبد السلام بن أحمد السكريج، في كتابه “نزهة الإخوان في أخبار تطوان”، “وهي كما يبدو من خلال التسمية أن السبب فيها راجع إلى كثرة شجر التوت الذي كان بجوارها، ومعلوم أن سكان تطوان كانوا شغوفين بتربية دودة القز، واستخلاص الحرير من تربيتها، وقد كانوا يقصدون هذا المكان لجلب ورق التوت لديدانهم”، مشيرا إلى أن ذكر هذا الباب “ارتبط بالمثل الشعبي القائل: شوف وسكوت، مكتوبا في باب التوت، والذي لا زالت العامة تردده في سياق التعبير على أن ما تراه كاف للدلالة على الواقع، ولا داعي للتساؤل”، بحسب المصدر ذاته.
وأورد السكيرج، في مؤلفه سالف الذكر، أن “هذه الباب، وكباقي الأبواب، حملت اسما إسبانيا إبان الاحتلال الإسباني الأول للمدينة، حيث سميت بـPuerta del Cid، وذلك ما بين 1860 ـــ 1862، ومعناها باب السيد، نسبة إلى أحد أبطال إسبانيا الأسطوريين الذي حارب المرابطين في الأندلس”، بحسب قوله، مؤكدا أن الإسبان “قد عادوا في فترة الحماية الإسبانية (1913) ليطلقوا عليها اسم Puerta de Tanger، أي باب طنجة”.
باب النوادر
يشير المؤرخ التطواني محمد بن عزوز حكيم، في منشوره السابق الذي صدر بمجلة “تطاون” التي تعني بتاريخ شمال المغرب، إلى أن هذه الباب “تقع في الجهة الشمالية الغربية للمدينة، في آخر حومة العيون، ويعود تاريخ إنشائها إلى الربع الأول من القرن السابع عشر ميلادي”، وقد جعل بجانبها الأيمن برج مدفعي لحراستها، نظرا للأهمية التي حظيت بها”.
وبحسب ما أورده خالد الرامي، في مؤلفه المذكور آنفا، فإنه على اعتبار أن هذه الباب من الأبواب الرئيسية، “وانسجاما مع الأهمية التي كانت تكتسيها، فقد جاءت بابا كبيرة، سواء من حيث عرضها أو علوها، حتى لا تعيق قوافل الجمال والبغال المحملة بالبضائع، كما جاءت غنية بعناصرها الفنية والزخرفية، والتي أكسبتها جمالا ورونقا خاصا، كقوس الخرسانة على سبيل المثال”، مشيرا إلى أن “هذه الباب حملت أثناء الاحتلال الإسباني 1860 ـ 1862، اسما إسبانيا، Puerta de Fez، أي باب فاس، باعتبار أنها كانت مشرفة على الطريق المؤدية إلى تلك المدينة”، وفق قوله.
وعن سبب تسميتها بباب النوادر، قال عبد السلام بن أحمد السكيرج، في كتابه المشار إليه سابقا، إنها “تسمية فلاحية، لأن معظم السكان المجاورين لها كانوا من الفلاحين الذين امتلكوا نوادر وبيادر وفدادين وحقولا”، مستحضرا أبرز الأحداث التاريخية التي ارتبطت بذكرها، منها “المعركة التي دار رحاها بين سكان تطاون وأتباع الباشا أحمد الريفي سنة 1860، إذ تمكن الريفيون من ملاحقة التطوانيين والفتك بمجموعة كبيرة منهم، بعد تواطؤ حارس الباب ـ الذي كان ريفيا ـ مع أتباع أحمد الريفي”، وفق ما ذكره الفقيه السكيرج.
باب المقابر
تتمركز شرق المدينة، ناحية شطر من حومة البلد والربض الأعلى، وهي منفتحة على مقابر المسلمين، وتشرف على الطريق المتجه إلى سبتة عبر الجبال، وتتميز باتساعها وتميز هندستها، فمن الداخل جاءت على هيئة قوسين متوسطي الحجم، فيما جاءت من الخارج على هيئة قوس واحد كبير، واعتبرت على مر العصور من الأبواب الرئيسية للمدينة العتيقة، نظرا لدورها الكبير في تنظيم حركة الخروج والولوج إليها.
وبحسب المؤرخ محمد بن عزوز حكيم، فإن “هذه الباب أنشئت في المرحلة السادسة من التوسع الذي عرفته المدينة العتيقة، أي في منتصف القرن السادس عشر الميلادي”، مضيفا أن تأسيسها ارتبط بالتوسع الذي عرفته تطاون نحو ناحية الشمال “حيث أنشئت الحومة التي لازالت تعرف بحومة السوق الفوقي الذي ضم السوق الفوقي، الطالعة، الخرازين، الدباغين وزنقة المقدم”.
أما عن تسميتها بباب المقابر، فقد أرجع عبد السلام بن أحمد السكيرج ذلك إلى “كونها الباب التي كان أهل تطوان يخرجون منها في تشييع جنائزهم ودفنها، وما تزال مقابر هذه المدينة تأوي رفات علماء، وحكماء، وأولياء وعظماء، ومشاهير، عرفتهم المدينة منذ إعادة تأسيسها على يد سيدي المنظري”، وفق ما أورده في كتابه “نزهة الإخوان في أخبار تطوان” الذي قام بتقديمه وتحقيقه يوسف احنانة.
المؤرخ ذاته أبرز أن الباب حملت خلال فترة الاحتلال الإسباني الأول (1860 ـ 1862)، “اسمPuerta de Vectoria، أي باب النصر، وسميت كذلك افتخارا بالنصر الذي حققته الجيوش الإسبانية على الجيوش المغربية في حرب تطاون، ودخولهم المدينة من هذه الباب”، بحسب قوله، مشيرا إلى أنها في فترة الحماية سميت بـ”باب سبتة” لكونها تشرف على الطريق المؤدية إلى المدينة المحتلة.
باب الرموز
هي أحد الأبواب السبعة للمدينة العتيقة، تقع في منتهى شارع المصلى القديمة، جنوب المدينة، وقد حظيت بدور ثانوي لقلة استعمالها، لذلك جاءت في إنشائها صغيرة الحجم، متواضعة في الشكل المعماري. ويرجع تاريخ إنشائها وفق ما اتجه إليه محمد بن عزوز حكيم، “إلى مرحلة إنشاء حومة الربض الأسفل، أي مع بداية القرن السادس عشر الميلادي”، في منشور بعنوان “التطور الطبوغرافي لمدينة تطاون” بالعدد الخامس من مجلة “تطاون”.
وحول أصل تسمية هذه الباب، فإن عبد السلام بن أحمد السكيرج يرى أنها “نسبت إلى عائلة كانت تقيم في المكان الذي أنشئت فيه”، مشيرا في كتابه “نزهة الإخوان في أخبار تطوان” إلى أن الحاكم الثالث من آل النقسيس، الذي لم يذكر اسمه، فيما يرجح المؤرخ ابن عزوز حكيم أن يكون اسمه محمد النقسيس، “رأى بنتا من هذه العائلة فأعجبته، وطمع في معاشرتها بحكم نفوذه وقوته، فطلب من أحد إخوتها ــ وكان طالب علم ــ أن يعمل على إحضارها له في المساء، فخاف من بطش المقدم النقسيس، فعمد إلى أخته وطلب منها أن تستعد للذهاب معه إلى الحاكم.
وتابع المصدر ذاته سرد روايته بالقول: “دخل أخوهما وكان يشتغل بالتجارة، ويبيع السلع ويشتري أخرى، فأخبره الأخ بما جرى، فذهب مع أخته لدار المقدم النقسيس، وطعنه بسكين وقتله، وخرج هو وأسرته فارين إلى تونس”، مشيرا إلى أن أهل تطاون احتفظوا بذكرى تلك العائلة لشهامتها، وعمدوا إلى إطلاق اسمها على الحي، ثم على الباب”.
ووفق ما ذكره مؤرخ تطوان، محمد داود، فإن هذه الباب “حملت اسم Puerta de los Reyes Catolicos، أي باب الملوك الكاثوليك، أثناء الاحتلال الإسباني للمدينة بين 1860 ــ 1862، والمقصود بذلك، فرناندو الثاني ملك أراغون، وإزابيلا ملكة قشتالة وليون، اللذين توحدت بزواجهما إسبانيا وتقوت شوكة المسيحيين، فتمكنوا من طرد المسلمين من الأندلس”، وزاد: “هذا الاسم لم يعمر سوى فترة قصيرة، حيث كان مستعملا من طرف أقلية من الإسبان فقط”. وعن الاسم الإسباني الثاني، أشار عبد السلام بن أحمد السكيرج، إلى أن باب الرموز “حملت إبان الاحتلال الإسباني الثاني للمدينة اسم Puerta de la Luneta، أي باب القمر الصغير”.
باب الصعيدة
أشار محمد بن عزوز حكيم، في المرجع سالف الذكر ذاته، إلى أن هذه الباب “أحدثت عند منتصف القرن السابع عشر ميلادي، عند إنشاء حومة سيدي الصعيدي”، فيما دقق خالد الرامي في تحديد موقعها بالقول: “يقع بقربها ضريح الولي الصالح سيدي الصعيدي، وهو شخصية غير معروفة تاريخيا، وهي أيضا قريبة من القناة المائية التي بناها الباشا أحمد بن علي الريفي عام 1727م”، مما يجعلها تتموقع بالجهة الشرقية للمدينة.
وتابع المصدر ذاته: “غير أنها كانت بابا ثانوية، تستعمل من لدن السكان للخروج لمزاولة نشاطهم الفلاحي خارج المدينة، إذ كانت تطل على أراض زراعية خصبة، كبساتين زيانة، وكديوات الشجر، والطوابل السفلية، وبوجراح، وفم الجزيرة، وكيتان… لذلك جاءت بابا صغيرة الحجم، بسيطة في شكلها المعماري، ولا تتضمن زخارف مميزة”.
وبخصوص الاسم الذي تحمله، فإن وجهات النظر اختلفت بشأنه؛ إذ مازالت هذه الباب تطرح إشكالا حول تسميتها، خاصة مع غياب أي إشارة في المصادر التاريخية تحيلنا على سببها، فهناك من اتجه إلى أنها أخذت هذا الاسم من مجاورتها لضريح الولي، وهناك من فسر ذلك بشكلها الصاعد مرجحا أن تكون وصفا لذلك.
وبحسب ما جاء في كتاب “نزهة الإخوان في أخبار تطوان”، لمؤلفه عبد السلام بن أحمد السكيرج، فإن هذه الباب “حملت إبان الاحتلال الإسباني الأول للمدينة اسم Puerta de san Fernando، أي باب القديس فرناندو، نسبة إلى أحد ملوك إسبانيا”، مضيفا أنه خلال فترة الحماية الإسبانية، “أطلق عليها اسم Puerta del Santo، بمعنى باب القديس”.
باب الجياف
توجد في الجهة الشمالية الشرقية للمدينة، قريبة من باب الصعيدة، حيث تشرف على مقابر المسلمين من جهة، ومن جهة أخرى تؤدي إلى مقابر اليهود، وهي باب ثانوية لكونها كانت على مر التاريخ مغلقة، ولم تكن تفتح إلا استثناءا لعبور الجنائز اليهودية، لذلك جاءت صغيرة ولا تسجل أية خصوصيات معمارية أو زخرفية.
وعن تاريخ إنشائها، ذكر المؤرخ محمد بن عزوز حكيم أنه “يعود إلى منتصف القرن السابع عشر ميلادي، عندما اكتملت توسعة تطاون من الناحية الشرقية، حيث أنشئت حومة سيدي الصعيدي، وبني السور الممتد من باب العقلة إلى باب الجياف”، وفق ما أورده في منشوره “التطور الطبوغرافي لمدينة تطوان”.
وقد تناسلت عدة روايات بشأن تسميتها؛ إذ اتجهت رواية للباحث الفرنسي “Joly” أوردها خالد الرامي في كتابه “تطوان خلال القرن الثامن عشر.. تاريخ وعمران”، إلى كون أصل هذه التسمية “يرجع إلى فترة حكم المولى اليزيد الأول، عندما حدثت فتنة بين سكان تطاون والريفيين، ارتكب على إثرها سكان تطاون مذبحة في صفوف أهل الريف”، ورجح الباحث الفرنسي أن يكون تكدس جثث القتلى بجوار الباب سببا في تسميتها، وقد اعتبر الباحثون هذه الرواية الأضعف على الإطلاق، لما تضمنته من أخطاء تاريخية كبيرة، ومن جملة ذلك، خلطه بين أحداث “عيطة السبت” سنة 1727، وفتنة اليهود سنة 1790، رغم أن الحدثين بينهما أكثر من ستين سنة.
الرواية الثانية، أوردها الفقيه أحمد الرهوني، في مؤلفه “عمد الراوين في تاريخ تطاون”، أثناء حديثه عن “عيطة السبت”، بين أهل تطاون والباشا أحمد الريفي، موردا في الصدد أن انهزام جنود الباشا أحمد، في معركتهم ضد أهل تطاون، خلف عددا كبيرا من القتلى، “ويقال إنهم جمعوهم بكدية عزمان، خارج باب الجياف، ولعل هذا وجه تسميتها بهذا الاسم”، في رأيه. وهي رواية لم يسلم بها الباحثون على اعتبار أن عدم دفن الجثث يعرض أهل المدينة لخطر انتشار الأوبئة، ولم تكن هذه الأمور لتغيب عن ذوي العقول السليمة بالمدينة، وفق تصورهم.
فيما قدم محمد داود رواية ثالثة، تبقى الأقرب إلى الصواب إن لم تكن عين الصواب، على اعتبار علاقة اسم الباب بالمقبرة اليهودية؛ إذ قال المؤرخ التطواني في كتابه “تاريخ تطوان” إن “هذه التسمية تعود إلى كون اليهود كانوا يخرجون موتاهم إلى مقبرتهم خارج أسوار المدينة من هذه الباب، فسميت لأجل ذلك بباب الجياف”، مستدلا على صحة ما اتجه إليه بكون مدن مغربية أخرى لديها أبواب تحمل الاسم ذاته، وتكون في العادة بجانب مقبرة يهودية، كباب الجياف بمدينة فاس.
وأوضح المؤرخ ذاته أن هذه الباب حملت اسما إسبانيا سنة 1860، إبان الدخول الإسباني الأول لتطاون، “حيث أطلقوا عليها اسم Puerta de Alfonso، وهو الملك ألفونصو الثامن، ملك قشتالة”.
هسبريس