سياسة وعلاقات دولية
العطش والعزلة يهددان دواوير بجماعة فم العنصر قرب بني ملال
في جبال تضم بين ثناياها هضابا صغيرة المساحة بالكاد تصلح لزراعة القمح والشعير، ومساحات شاسعة من أراضي الجموع تتسابق نحوها قطعان المواشي بحثا عن الكلأ، تستقر العشرات من الأسر بقرى إغرغر وهرماش وتيلوين وتاوريرت وإغردان بجماعة فم العنصر التابعة إداريا إلى بني ملال، في عزلة شبه تامة بسبب ما وصفه البعض بـ”غياب الحقوق الضرورية” لضمان العيش الكريم.
يقول صالح بوعطي، أحد أبناء المنطقة القاطن بدوار إغرغر: “لقد عاشت ساكنة إغوردان طوال حياتها وهي تطالب بمسلك طرقي يصلح لمرور وسائل النقل إلى المنطقة وضمان ربطها بالعالم الخارجي. ولما استجابت الجهات المعنية للمطلب، جاء المشروع، الذي نعتبره مهما جدا، ناقصا؛ إذ لم يصل إلى باقي الدواوير المتضررة، ما جعله لم يحقق تطلعات كل المواطنين الذين كانوا يأملون في فك العزلة عنهم”.
وأضاف بوعطي: “بالأمس القريب جاء الناس من دواوير إغرغر وهرماش وتيلوين وتاوريرت وإغردان بعدما تضررت مصالحهم بعد طول انتظار لإعطاء انطلاقة أشغال استكمال هذا المسلك الطرقي، ليعملوا فيه بوسائلهم الذاتية احتجاجا على ما يعتبرونه حكرة وتهميشا”.
وأكد المتحدث لهسبريس أنه “في حالة ما إذا لم تتحرك الجهات المعنية من أجل تقديم الدعم لإنجاز هذا المقطع الطرقي، فإن الساكنة ستواصل مبادرتها لاستكماله بما أوتيت من وسائل ومعدات يدوية تقليدية، لكنها في المقابل ستقاطع الذين كانوا يُوزعون الوهم والوعود دون الإيفاء بها”.
وذكر أمزيل اسْعيد أحمو، من ساكنة المنطقة يبلغ من العمر أزيد من 80 سنة، أن عدة مناطق جبلية بإقليم أزيلال استفادت من الطرق والماء والكهرباء والتعليم، على الرغم من أنها أكثر وعورة من دواوير جماعة فم العنصر التابعة لعاصمة الجهة التي ماتزال تضمد جراحها الاجتماعية إلى اليوم.
وأوضح مجاهد محماد، القاطن بدوار تاوريرت المتواجد بمنطقة جبلية يتجاوز علوها 1800 متر عن سطح البحر، أن الدواوير المذكورة لا تعاني من فك العزلة فقط، إنما تشكو غياب أربعة حقوق تستحيل الحياة بدون بعضها، وهي الماء والكهرباء والتعليم والصحة، ناهيك عن باقي النواقص الأخرى.
وقال إن “المنطقة لم تلمس بعد الإنجازات التي يقال إنها تحققت على مستوى قطاع الصحة والتعليم، بما أن أبناءها المتمدرسين ما زالوا يتعلمون داخل حجرات التربية غير النظامية التي تسيرها جمعيات محلية، كما أن النساء الحوامل ما زلن يحملن على النعوش في غياب مراكز صحية ودور للولادة بالمنطقة ككل”.
وأبدى صالح بوعطي قلقه من الوضع القائم، قائلا إن “بعض هذه المطالب سبق أن رفعها شباب الدوار إلى كل الجهات المسؤولة، بما في ذلك المجلس الجماعي والمجلس الإقليمي والسلطات الولائية، إلى جانب بعض المصالح المركزية، إلا أنها لم تلق في مجملها الحلول الجذرية، ما جعل الساكنة تتوارثها عاما بعد آخر إلى أن وصل السيل الزبى خلال الفترة الحالية”.
وأبرز محماد عشاق، من دوار تاوريرت، أن أقرب مكان لهم للتزويد بالمواد الأساسية هو السوق الأسبوعي لمركز تاكلفت الذي يبعد عنهم بحوالي أربع ساعات على ظهور البغال، ما عدا ذلك، فإن الوجهة الوحيدة تبقى هي بني ملال، عاصمة الجهة، التي تصعب زيارتها أسبوعيا بسبب بعد المسافة وغياب مسلك طرقي صالح لمرور وسائل النقل.
وخلال زيارتها إلى المنطقة، وبعد قطع مسافة طويلة ركوبا على البغال، عاينت هسبريس عددا من النسوة كُنّ يحملن عبوات بلاستيكية ورُفقتهن أطفال متمدرسون بالقرب من منبع مائي صبيبه يرهق العين ويبدو أنه لا يكفي لإرواء ظمأ أسر قليلة، فبالأحرى عشرات الأسر وقطعان الأغنام التي كانت تحوم حوله منتظرة دورها.
واستغرب محماد مجاهد، القاطن بالقرب من هذا المنبع، مما يجري بهذه المنطقة، قائلا: “في الوقت الذي نسمع فيه العاهل المغربي يدعو إلى الاهتمام بالعالم القروي، ما زالت هذه المنطقة تشكو من غياب الطرق والماء والكهرباء والصحة والتعليم وملاعب القرب ودور الفتاة والمرأة والشباب… والأغرب من ذلك أن الكل يشكو كون اليد قصيرة والعين بصيرة”.
وأردف مجاهد أن سكان المنطقة باتوا مهددين بالرحيل في غياب الماء، متسائلا عما تحقق منذ فجر الاستقلال بهذه المنطقة الغنية بمؤهلاتها الطبيعية والحيوانية، ومع ذلك ما تزال، بحسبه، تعيش كل أشكال الفقر والتهميش، فالعشرات من الأسر تعيش من عائدات “الكسيبة” التي أضحت مهددة بسبب العطش الناتج عن نضوب مياه المنابع والآبار.
وأكد بوعطي أن الساكنة تطالب بحفر ثقب مائي بمنطقة تاوريرت والإسراع بإحداث خزان مائي بالمعايير المتعارف عليها لتزويد كل الكوانين المتضررة بالماء الشروب، مع الإبقاء على العين المائية المتواجدة بالدوار.
وفي تعليقه على الموضوع، قال محمد منتصر، رئيس جماعة فم العنصر، إن ما تحقق خلال ولايته التي لم تبدأ إلا خلال شهر فبراير من العام 2018، “لم تنجزه باقي المجالس السابقة خلال عدة عقود”، موردا أنه “بعد جهود مكثفة، تم ربط دوار أغرغر بمسلك طرقي امتد على طول سبعة كلمترات تقريبا، بدعم من مجلس الجهة والمجلس الإقليمي، كما أجريت دراسة مقطعين طرقيين آخرين ستتم برمجتهما قريبا”.
وأضاف منتصر أنه فور تحمله المسؤولية بالجماعة، بادر إلى عقد لقاءات مع عدد من المواطنين، بحضور السلطات المحلية، وتمّ الاتفاق على ربط المنازل بمياه “عين” متواجدة بدوار تاوريرت، إلا أن ذلك، يقول رئيس الجماعة، “لم يكتمل بسبب اعتراض بعض الأشخاص من الدوار نفسه، ما منع تقنيّي الجماعة من مواصلة أشغالهم”، مُذكرا بأن الجماعة والسلطات تتوفران على محضر بهذا الشأن.
وفي إطار الحلول المقترحة لتجاوز أزمة الماء بالمنطقة، أكد رئيس جماعة فم العنصر الترابية “استعداد المجلس الجماعي، كما في السابق، لإصلاح العين وربط الكوانين المتضررة بالشبكة، شريطة-في حالة الإمكان-تفويت هذا المنبع للجماعة الترابية بشروط متفق عليها، وذلك من أجل توفير مناخ الاشتغال للقسم التقني وعدم تدخل الأهالي في اختصاصات المرفق العام”، على حد قوله.
وذكر المسؤول ذاته أنه على استعداد للتداول في مختلف القضايا التي تهم الساكنة، بشراكة مع الإعلام وكل الفعاليات في لقاء عام، تكون الغاية منه إيجاد حلول ناجعة لمختلف الإكراهات التنموية المطروحة، مع استحضار قدرات الجماعة المادية وخصوصيات هذه المشاريع التي تهمّ منطقة جبلية تتطلب إمكانات مادية ضخمة.
هسبريس