سياسة وعلاقات دولية
عشاق: الجهاد تدبير حكومي سلطاني من اختصاص السلطة التنفيذية
تميز اليوم الثاني من أشغال مؤتمر “علماء إفريقيا” حول مواجهة التطرف والإرهاب في العاصمة الموريتانية نواكشوط بردود عدد من العلماء الأفارقة على أطاريح الجماعات الإرهابية، وخاصة ما يتعلق منها بمفهوم الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وذهب العلماء الأفارقة الملتئمون في نواكشوط إلى القول إن الاقتتال الذي تمارسه الجماعات الإرهابية ليس جهادا بل فسادا في الأرض، وأكدوا أن الجهاد له مجموعة من الشروط، وأن خوضه أمر مُناط بالحاكم ولا يجوز، شرعا، خوضه بدون إذنه.
ووضّح عبد الحميد عشاق، منسق موسوعة السلم في الإسلام، مدير مساعد مكلف بالبحث في دار الحديث الحسنية، مسألة وضع الجهاد بيد الحاكم قائلا: “الجهاد تدبير حكومي سلطاني في المقام الأول، قبل النظر في باقي شروطه، كمباركة الوالدين”.
وأضاف عشاق، الذي رأس الجلسة العلمية الثالثة لمؤتمر “دور الإسلام في إفريقيا: التسامح والاعتدال ضد التطرف والاقتتال”، المنظم من طرف منتدى تعزيز السلم في المجتمعات الإسلامية، بالتعاون مع الحكومة الموريتانية، أن الجهاد “تختص به السلطة التنفيذية في الأمة”، مردفا: “لا يجوز للأمّة أن تخرج للجهاد إلا بإذن الإمام”.
من جهته قال عليون باه، الباحث بجامعة ستراسبورغ الفرنسية، إن الاقتتال الذي تمارسه الجماعات الإرهابية هو إرهاب وليس جهادا، لأن الغاية منه هي الهدم وترهيب الناس وخلق مناخِ إرهاب مستديم، بينما الجهاد له شروط صارمة لا تتوفر في الممارسات التي يرتكبها الإرهابيون مدّعين أنها جهاد وهي ضد روح الجهاد ومقاصده.
وأوضح المتحدث أن الجهاد الذي يحتاج إليه المسلمون، اليوم، والذي أوصى به الإسلام، هو إقامة العدل والتحلي بالأخلاق الحميدة، ومعاملة الغير معاملة حسنة…مبرزا أن الاقتتال الذي تمارسه الجماعات الإرهابية هو جريمة من الناحية القانونية، وقتْل للنفس بغير حق من الناحية الدينية.
من جهة ثانية، خصص عدد من العلماء الأفارقة المشاركين في مؤتمر نواكشوط حيزا من الأبحاث التي قدموها لشرح مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي قال عبد الحميد عشاق إنه “تعرّض لكثير من التلبيس، ويحتاج إلى تفقّه وبيان الصلاحيات حتى لا تؤدّي ممارسته إلى عكس ما توخاه منه الشرع”.
بدوره قال الفقيه إليس آيت سي العربي، إمام الجامع الكبير بالجزائر، إن “الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر له شروط، أولها الإخلاص، وذلك بأن يكون القصد من ورائه ابتغاء مرضاة الله، من غير نظر إلى جاه أو مَغنم أو مصلحة مادية”.
الشرط الثاني الذي يؤطر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يردف إمام الجامع الكبير بالجزائر، هو أن يكون المنكر مقطوعا فيه ومُجْمَعا عليه، وألا يكون محلَّ اختلاف العلماء، وألا يؤدّي النهي عنه إلى منكر أكبر منه، مشيرا إلى أن هذا الأمر حسم فيه الأصوليون بالاتفاق على تقديم أخفّ المَفسدتيْن ضررا.
واستطرد المتحدث ذاته بأن مواجهة الفكر المتطرف تقتضي نشر ثقافة السلم العالمي، وذلك بنشر العلم الشرعي الأصيل، الذي كان في المؤسسات الدينية العريقة في القارة الإفريقية، كالأزهر والقرويين والزيتونة، ونشر فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ وذلك بتأليف المؤلفات التي تبيّن الطريقة الصحيحة للأمر به.