سياسة وعلاقات دولية

براهمة: المغرب يقف على حافة “السكتة الدماغية”

يوجد المغرب على حافّة السّكتة الدماغية، وِفْقَ المصطفى براهمة، الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي، الذي قال إن المقاربة الأمنية لمعالجة الأوضاع المنفلتة من يد النّظام لن تنفع، مشدّدا على أن “المستقبل لليسار، والجبهة الشّعبية، والحركات الاجتماعية”.

ووضّح الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي، في ورقة نشرها في الصفحة الرسمية لحزبه، أنّ المغرب إذا كان قد عاش على حافة السكتة القلبية عام 1998، مما دفع النظام إلى الاستنجاد بحكومة التناوب التوافقي، الذي لم يكن بالنسبة للكاتب الوطني للنهج إلا “تناوبا مخزنيا، بشروط المخزن”، فإنّ ما يهدّد المغرب اليوم، وهو واقف على حافة الإفلاس، هو “السّكتة الدماغية”.

وذكر براهمة أنّ النظام السياسي قد عمد إلى “تكسير أحزاب الحركة الوطنية، وإدماجها في حقله السياسي، وتأسيس أحزاب الدولة لمنافستها، وأدمج الجزء المهادِن في الحركة الإسلامية مثل حزب العدالة والتنمية، وأدمج جزءا من المتساقطين من قدماء اليسار في حركة لكل الديمقراطيين، ثم في الأصالة والمعاصرة”، وأضاف أن “مع إغلاق الحقل السياسي”، لم يعد من هذه الأحزاب، سواء المصنوعة أو المُدْمَجَة، من يعارض النّظام، فصار “يدور في حلقة مفرغة مع نفسه”.

ويرى الفاعل السياسي الماركسي أن هذا “الإغلاق” لم يمنع من تشكل الحقل السياسي المضاد، بعدما أدّى إلى “عدم ثقة المغاربة في النظام السياسي القائم برمته”، مستحضرا “نتائج الانتخابات الأخيرة، والتي قبلها، التي أظهرت أن 80 في المائة من المغاربة لم يسجلوا أنفسهم في اللوائح الانتخابية، أو لم يصوتوا، أو أدلوا بأصوات غير صحيحة”.

ويشمل “الحقل السياسي المضاد”، الذي تشكّل في ظلّ تآكل الحقل السياسي الرسمي، بالنسبة للبراهمة، “قوى اليسار، التي هي: النهج الديمقراطي، وأحزاب فيدرالية اليسار الديمقراطي، والقوى الماركسية كتيّارات وأفراد، وجزءا من الحركة الإسلامية، ومن الحركة النقابية”. وسجّل في هذا السياق، سعي حزبه إلى “بناء حزب الطبقة العاملة وعموم الكادحين، المفتوح في وجه القوى الماركسية”، والذي يسعى، إلى جانب “حلفائه في الحركة الديمقراطية والحركة النقابية والحركة الحقوقية والحركة الأمازيغية والمجتمع المدني غير المُمَخزن”، إلى تأسيس “جبهة اجتماعية، كخطوة أولى في اتجاه بناء جبهة سياسية ديمقراطية وشعبية”.

ويؤكّد براهمة أن النظام المغربي، في الوقت الذي يتحدث فيه عن “فشل نموذجه التنموي المخزني”، فإن مقاربته على المستوى السياسي، هي: “مقاربة أمنية قمعية وزجرية بالأساس؛ لأن إغلاق الحقل السياسي واندحار شخوصه جعل الشارع هو المكان الحقيقي لممارسة الصراع السياسي والاجتماعي والتعبير عن المطالب”، مفسّرا “لجوء النظام إلى القمع” بـ”عدم رغبته في التّنازل وتحقيقِ المطالب”.

ويرى الكاتب الوطني لحزب النهج الديمقراطي أن تبعية الاقتصاد المغربي للدّوائر الإمبريالية قد تعمّقت؛ مسجّلا استنزاف هذه الدّوائر “خيرات البلاد”، وإثقالها كاهل الميزانية العامة سواء من أجل أصل الدَّين أو من أجل فوائده المجحفة، وبشروطها النيوليبرالية الداعية إلى مزيد من الخوصصة، وتسليع التعليم والصحة، ورفع يد الدولة عن القطاعات الاجتماعية.

وبعدما استثنى الكاتب الوطني للنهج الديمقراطي عجز الميزانية، الذي استطاعت حكومة التناوب إرجاعه إلى حجم مقبول، بعد أن كان يتجاوز 7 في المائة، استدرك قائلا إن المؤشرات الأخرى تبرز “ضعف الاقتصاد المغربي؛ وخصوصا نسبة النمو التي لم تتجاوز 3 في المائة في المعدل طيلة السنوات الأخيرة، والتي لن تتجاوز 2.7 في المائة، بالنظر إلى الجفاف الذي يضرب الفلاحة المغربية اليوم، في ظل التغيرات المناخية التي يعرفها العالم، وفي ظلّ الاختلال المزمن للميزان التجاري”.

ويؤكّد المتحدّث أنّ الاقتصاد المغربي يتّسم بالهشاشة في غياب بورجوازية وطنية، ثم استرسل قائلا إن “البورجوازية الوكيلة أو الكمبرادورية، تستفيد من ولائها للنظام القائم وتخدم مصالحه، ولذلك تستفيد من اقتصاد الريع”؛ حيث “يفسح لها الاستفادة من رخص الصيد في أعالي البحار، ومن رخص المقالع، والنّقل الدولي، ويمكّنها من أراضي الدولة لتسخِيرها للمضاربة العقارية والاستثمار الفلاحي، ويسعى إلى تمكينها اليوم من أراضي الجموع، التي كانت غير قابلة للتفويت منذ 1919″، مضيفا أن “هذه البورجوازية الممسوخة” تستفيد من الاحتكار؛ لأن “النظام يحمي لها السوق من أي منافسة، ويطلق يدها في استنزاف جيوب المغاربة”.

وشدّد السياسي اليساري على أن السمة الأساسية اللصيقة بـ”اقتصاد الريع والاحتكار” هي “الفساد”؛ لأن “الثروة لا تتكوّن بفضل المجهود، ولكن بفضل القرب من السلطة”، وهو ما يفسّر، حَسَبَ قراءته، “حمايتها وتغطيتها الفساد المستشري داخلها، مقابل استفادتها من عائدات الريع والاحتكار، ومقابل التغاضي عن التهرب الضريبي، وتهريب الأموال للخارج، في حين تقتطع 70 في المائة من الضريبة على الدّخل من المنبع من مداخيل الأُجَرَاء”.

ويرى براهمة أن الفوارق الطبقية تعرف اتساعا مضطردا بالمغرب، في ظل “غياب تغطية صحية واجتماعية حقيقية”، وزاد قائلا إن “الأرقام الرسمية، التي تحدّد متوسّط البطالة في 10 في المائة من السّاكنة، تخفي تفاقم البطالة، خاصّة في صفوف الشّباب التي تتجاوز نسبة 45 في المائة في المدن، بينما يتطلّب امتصاصها نموّا اقتصاديا يفوق 7 في المائة. كما انتقد حديث “الحكومة المخزنية” عن ضرورة ملائمة التكوين مع مستوى الشغل، بينما لا يوجد في الحقيقة شغل؛ لأن الاقتصاد المغربي ينمو بنسبة 3 في المائة في المعدل، وبالتالي لن ينتج أي مناصب، بل تفقد الشِّغِّيلة المناصب الشغل بسبب التسريح أو نتيجة إغلاق المؤسسات الإنتاجية. كما أن المؤسسات التي أوكل إليها البحث عن منافذ الشغل “فتحت منصبا لحاملي الإجازة والتكوين المهني للعمل نادلا في مقهى”.

ويشدّد الكاتب الوطني لحزب “النهج الديمقراطي” على أن “دائرة الفقر تتّسع في المغرب مع تركيز الثروة في أيادٍ قليلة، وتوسع في الفقر بين شرائح عديدة من المواطنين، حيث يعيش 47 في المائة من المغاربة على عتبة الفقر، ويعيش 12 في المائة منهم الفقرَ المدقع”. ويضيف: “يعيش نصف المغاربة دون تغطية صحية حقيقية، في سياق اتّساع خوصصة القطاع في ظلّ ما أسماه بـ”السياسة المفضوحة لتسليع الصحة”، كما يعيش “الراميد” أزمة حقيقية وعجزا تاما، اليوم، في ظل “الفساد العام”. قبل أن يزيد المتحدّث قائلا: تكفي الإشارة عند الحديث عن التغطية الاجتماعية إلى أن “60 في المائة من المغاربة لا يتوفرون على معاش”.

(النهار)
إغلاق