سياسة وعلاقات دولية
“قصبة البويبات” .. معلمة عمرانية تواجه عوادي الزمن في اشتوكة
يزخر إقليم اشتوكة آيت باها بمجموعة من المكونات التراثية والحضارية، التي تعد علامات بارزة في الإقليم. ولعل القصبات، بوصفها معلمة معمارية ضاربة في القدم، واحدة من هذه المكونات، بعضها لا يزال صامدا أمام عوادي الزمن، فيما تهاوى كثير منها واختفى.
وانطلاقا من شكلها المعماري، يبدو جليا أن القصبة كان لها دور دفاعي. وقد كانت تؤوي فئات اجتماعية معينة ومتميزة، كالتي لها نفوذ مادي مثل الأسر الميسورة التي لها ثروات وملكيات في المنطقة. وهي من أهم مميزات الزعامة بالقبلية. إنها مسكن “الأمغار”، الذي يتموقع وسط القبيلة، ويكون مزينا بالأبراج. كما أنها رمز للبذخ والمكانة الاجتماعية المرموقة.
وفي تصريح لهسبريس قال الحسين بسموم، وهو فاعل جمعوي مهتم بالتراث، إنه ساهم في إعداد عرض ضمن الأنشطة الموازية لوحدة “قضايا تراثية وأركيولوجية”، شعبة: التاريخ والحضارة بجامعة ابن زهر، للطالبين بودي عيسى ومحمد لامين بقدور حول موضوع القصبات.
وارتأى بسموم الحديث عن قصبة توجد بدوار البويبات بجماعة إنشادن بضواحي اشتوكة آيت باها، مشيرا إلى أن هذه القصبة “تحيط بها من الشرق بنايات سكنية، ومن الغرب مسجد البويبات، ومن الشمال قصبات أخرى منهارة (من أصل سبع قصبات بقيت اثنتان)، ومن الجنوب الطريق المعبدة الموصلة إلى دوار البويبات”. وأضاف أن هذه القصبة “مربعة الشكل، بنيت فوق مرتفع، ولا تغمرها مياه الأمطار، وتتكون من طابقين، يبلغ طولها 18 مترا، وعرضها 18.5 مترا، وارتفاعها 6 أمتار. يحدها من زاويتين متقابلتين برجان يبلغ طول كل واحد منهما 4 أمتار وعرضهما 4.5 أمتار، فيما يبلغ ارتفاعهما 8 أمتار”.
وفي سياق وصفه لقصبة البويبات، قال بسموم: “من خلال المعاينة الأولية، يتضح تميز القصبة عن باقي مساكن المنطقة ببرجيها و”الشرفات/ تيشرافين”. كما أن لها ست نوافذ صغيرة تطل على الواجهات الثلاث (الأمامية والجانبيتان)، ولها باب أولي غير مميز عن نظرائه من المنازل الأخرى، ويؤدي إلى “تادوايريت”، وآخر من الخشب المزخرف، يتوسطه باب آخر صغير. ويبدو أن القصبة أحيطت بسور خارجي يبلغ طوله مترين، تهدم اليوم”.
وتضم قصبة البويبات، حسب المتحدّث ذاته، أبوابا خارجية وأخرى داخلية، إلى جانب غرف للسكن والنوم (تضم إحداها سريرا تقليديا “أسيان”)، بالإضافة إلى ست غرف موزعة على طابقين (ثلاث غرف في كل طابق) بشكل متناسق ومتطابق (الواحدة فوق الأخرى). كما تتشكل من الأعمدة (إسقفان)، وهي من الحجر، حصر دورها في تأمين التنقل إلى الطابق العلوي (البرجان والغرف)، وأحيانا تُخصص للجلوس، ولها حاجز (حصار) من التراب المخمر”.
ومن المكونات الأخرى لقصبة البويبات، حسب الفاعل الجمعوي ذاته، “المطبخ/ أنوال الذي يعد فيه الطعام، ومن مرافقه “إنكان” و”أفرنو”، بالإضافة إلى المرحاض (المياضي)، وهو تقليدي للاستحمام، نجده تحت الدرج. هذا الأخير الهدف منه الوصول إلى الطابق الثاني (الغرف والبرجان). أما البرجان فهما على شكل ثكنة عسكرية بغرض حراسة الدوار من غارات الدواوير الأخرى (العسة)، حيث يقوم “العساس” بإخبار أهل الدوار بقدوم العدو للخروج لمواجهته، أي أن للبرج مهمة حراسة الدوار”.
وبخصوص الشرفات “تيشرافين”، فدورها، يقول بسموم، هو “الاختباء والترقب، وعددها 40 شرفة، مقسمة على الجهات الأربع بالتساوي. أما الدويرة “تادوايريت” فتطلق على مكان يفصل عن المجال الداخلي للقصبة، جزء منها يُخصص للضيوف (غرف)، فضلا عن بئر لسقي الأشجار في بهو القصبة وإرواء الماشية”.
كثيرة إذن هي المعالم المعمارية التي يزخر بها إقليم اشتوكة آيت باها، أبرزها القلاع “إكودار”، والقصبات، التي تعد رموزاً حضارية، وشواهد تاريخية وازنة، تفنن أهالي المنطقة في إبداعها، وشكلت أحد أبرز تجليات الهوية المحلية، غير أنها اليوم تعاني من أخطار الزوال، لما أصابها من إهمال ونسيان، وغياب عمليات الترميم باستثناء القليل منها، مما يتطلب التفاتة الجهات الوصية من أجل ترميمها وإعادة استغلالها سياحيا وثقافيا.