سياسة وعلاقات دولية

هذه أسباب إفلاس آلاف المقاولات الصغرى والمتوسطة في المغرب

كثر الحديث عن إفلاس آلاف المقاولات الصغرى والمتوسطة خلال الفترة الأخيرة، سواء من قبل جمعيات المجتمع المدني أو من لدن “الباطرونا”، الأمر الذي دفع البعض إلى دق ناقوس الخطر، خاصة في ظل غياب تدابير تحفيزية من طرف مختلف الحكومات المتعاقبة، واحتكار المقاولات الكبرى للصفقات العمومية.

ويُرجع الباحثون الاقتصاديون سبب الوضعية الحالية التي تطبع المشهد الاقتصادي المغربي إلى تركيز الدولة على دعم القطاع الرأسمالي، الذي يتشكل أساسا من المقاولات والشركات الكبرى، مع استفادتها من الامتيازات الريعية، بينما تُحرم المقاولات الصغرى والمتوسطة التي لا تندرج ضمن القطاع الرأسمالي من الإعانات المالية الضخمة، والتي رغم توفرها على اليد العاملة والخبرة، إلا أن الإمكانات المالية تغيب عنها.

في هذا الصدد، قال عمر الكتاني، خبير اقتصادي: “يجب عدم تجزيئ المشكلة ذات الارتباط الوثيق بفشل النموذج الاقتصادي، الذي اعترف به الملك بشكل صريح من خلال خطاباته، بحيث سبق للبنك الدولي أيضا أن شرّح طبيعة الفشل بطريقة واضحة للجميع”، مشيرا إلى كون “أصل المشكل يعود إلى تركيز الاستثمارات المغربية في المدن، بينما البوادي مقصية بشكل نهائي”.

وأضاف الكتاني، في تصريح أدلى به لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “أربعين في المائة من الساكنة تتمركز بالبوادي، في حين لا تستطيع المقاولات الصغرى والمتوسطة أن تستقر بالبوادي نتيجة غياب اللوجستيك والبنيات التحتية، إلى جانب ضعف الدعم البنكي، وهو ما مرده إلى النموذج الاقتصادي الرأسمالي المبني على الرأسمال، بينما تبنى المقاولات الصغرى والمتوسطة على الخبرة واليد العاملة”.

وأوضح الأستاذ الجامعي أن “المغرب، منذ حصوله على الاستقلال، أسس لنموذج اقتصادي رأسمالي، بحيث أسهم في إنشاء 4800 ملياردير في البلد إلى حدود الساعة، يتحكمون غالبا في 80 بالمائة من الاقتصاد الوطني، في حين لم تنخرط جلّ المقاولات الصغرى والمتوسطة في 90 في المائة من الاقتصاد المغربي لأنه متمركز في مصلحة فئة معينة”، متسائلا: “ما الدور الذي يمكن أن تلعبه الدولة في تشجيع غير الأغنياء؟”.

وتابع بأن الدراسات التي أنجزت في مجال الإنفاق الضريبي “تبيّن أن الدولة تمنح امتيازات ضريبية لفائدة الشركات الكبرى والأجنبية، بينما لا تتوفر المقاولات الصغرى والمتوسطة على الكثير من الامتيازات”، مبرزا أن “الدولة مضت في اتجاه دعم القطاع الرأسمالي منذ نيل الاستقلال، الأمر الذي ساهم في تكوين بورجوازية استثمارية مغربية، لكنها طبقة ريعية في آن واحد”.

“الاستثمار الاجتماعي الذي يمكن أن يُوظف آلاف الشركات الصغرى والمتوسطة مفقود في 40 بالمائة من الفضاء الاقتصادي المتجسد في البادية”، يردف الباحث الاقتصادي ذاته، موردا أن “جميع الإصلاحات التي تهمّ البادية تكون في مصلحة القطاع الفلاحي كأنما الفلاح محكوم عليه أن يشتغل في البادية فقط”.

وشدد الكتاني على أن “قطاع النسيج شبه ميت، علما أنه يوظف عشرات الآلاف من المغاربة، إلى جانب الموت التدريجي لقطاع الصناعة التقليدية في ظل غياب أي تشجيع، في حين إن هذا القطاع يعتبر المشغل الأول بالجمهورية الفرنسية”، منبها إلى كون “النموذج الاقتصادي الحالي يدعم القطاع الرأسمالي بطريقة مباشرة وغير مباشرة، في وقت عانت فيه المقاولات الصغرى والمتوسطة من الانفتاح التجاري، من خلال توقيع اتفاقيات التجارة الحرة مع دول كبرى على غرار أوروبا وأمريكا وتركيا”.

وأشار المتحدث إلى كون “60 في المائة من عائدات قطاع تصدير السيارات ذهبت إلى الخارج، بينما تعتبر 40 في المائة فقط من هذه العائدات هي القيمة المضافة المغربية، ما أدى إلى عجز في الميزان التجاري، موردا أن القيمة المضافة لقطاع صناعة السيارات “سلبية أصلا”.

وختم الكتاني تصريحه قائلا: “يجب أن تدعم الدولة النموذج الاقتصادي الجديد قانونيا وضريبيا وسياسيا واجتماعيا، مقابل أن تتوقف عن سلوكها التقليدي القديم، لأنه في ظل غياب دعم الدولة سيكون هذا النموذج مجرد تدابير بسيطة على غرار ما يرد في قانون المالية”، داعيا إلى “محاربة الريع، وتوجيه القطاع الاجتماعي، ودعم المجتمع المدني في القطاع الاجتماعي”.

مقابل أن تتوقف عن سلوكها التقليدي القديم، لأنه في ظل غياب دعم الدولة سيكون هذا النموذج مجرد تدابير بسيطة على غرار ما يرد في قانون المالية”، داعيا إلى “محاربة الريع، وتوجيه القطاع الاجتماعي، ودعم المجتمع المدني في القطاع الاجتماعي”.

(هسبريس)
إغلاق