ثقافة وادب وفنونسلايد 1
نتف من سيرة فاروق حمادة العلمية .. “محدث راسخ ومربي ناصح”
عن دار القلم بدمشق، صدر كتابٌ معنونٌ بـ”فاروق حمادة: المحدث الراسخ والمربي الناصح”، للدكتور عبد الكريم عكيوي، أحد تلامذة الدكتور فاروق حمادة.
ويقصد المؤلِّف من كتابِه تقريب مسيرة فاروق حمادة العلمية، وبيان المعالم الكبرى لمنهجه في العلم والفكر، وسار فيه على غير المعهود في التراجم، فاهتم فيه خاصة بتقديم كتبه والتعريف العلمي بمؤلفاته، واقتباس قواعد جامعة في مناهج العلم ومسالك البحث وطرق التأليف.
وتفرقت في هذا الكتاب، من أوله إلى آخره، فوائد في حقيقة الحياة والإنسان، وقواعد في التربية والسلوك وبناء الإنسان، وقضايا في البحث العلمي في العلوم الإسلامية خاصة، والفكر والثقافة عامة.
وتبدأ هذه القواعد من مقدمة الكتاب، حيث جمع المؤلف المعالم الكبرى لمنهج فاروق حمادة في العلم في اثنتي عشرة قاعدة، هي: “العلم قمة العبادة، المعرفة أسمى موجود وأغلى كل متاع موجود، الزمن والعمر سلعة غالية، العلم لا يصلح إلا بالمنهج، تأليف العلم وتصنيفه أنفع من المشافهة به، لزوم القصد والاعتدال والتثبت والاحتياط، والإصغاء لوازع العقل، والحذر من العواطف الهائجة”.
وبقيّة القواعدِ هي: “النظر إلى العلوم الإسلامية نظر التكامل والتآلف، واعتبار جميع علماء الإسلام وتقديرهم، والإفادة من كل واحد في ما يحسنه ويتقن، واعتبار عصر السلف الصالح زمن الصفاء الروحي والمعرفي، عليه قامت المعارف الإسلامية كلها، فهي تفصيل له وزيادة بيان، علم الحديث أصل المنهج في العلوم الإسلامية لأنه قائم على التثبت في النقل، والاحتياط في الحكم، واعتبار منهج المحدثين في النقد والتثبت الأصل الثابت لحفظ المعرفة الإسلامية وحفظ وحدة الأمة والتواصل العلمي الراقي بين جميع المذاهب الإسلامية، النظر من كل شيء إلى أحسن ما فيه، التربية والإصلاح يقومان على إعلان الخير وتشهير الفضيلة والثناء على أهل الفضل ورفع ذكرهم، والحذر من الاستدراج إلى الجدال العقيم الذي يثير نوازع النفس، ويقوي العصبية، ويشغل عن التقدم بالعلم والمعرفة إلى الأمام”.
وافتتح المؤلف الترجمة بتقديم جامع مختصر، قال فيه عن المترجَمِ فاروق حمادة: “فهو عَلَم بارز من أعلام علماء الإسلام المعاصرين، ونجم متألق في سماء العلم والفكر في العالم الإسلامي؛ انطلق إشعاعه العلمي والفكري من المغرب الأقصى، ثم استنارت به سائر البلاد الإسلامية، فقد أثّر في مسيرة العلم والفكر الإسلامي تأثيرا ظاهرا، وأغنى المكتبة الإسلامية بتحقيقات لأمهات المصادر في العلوم الإسلامية، والسنة النبوية خاصة، وبمصنّفات مفيدة، وأفكار سديدة، وتتلمذ عليه الجمع الغفير من صفوة طلبة العلم، وهم الآن ثمرات يانعة من شجرة علمه الطيبة”.
وأضاف المؤلِّف: “إن حياة العلامة الدكتور فاروق حمادة ديوان حافل من الجد في المهمات، والسعي في سبل الفضائل والمسارعة في الخيرات، والاجتهاد المتواصل في خدمة الشريعة، ونشر أنوار القرآن الكريم، وهداية السنة النبوية الشريفة بالكلمة الطيبة الهادية، والمحاضرة العلمية الهادفة، والكتب المصنفة المفيدة، من غير طلب رياسة، ولا رغبة في سيادة، ولا سعي إلى قيادة، غير طلب السمو في مقامات العلم الشريف والرقي في مدارج المعارف النافعة، بقصد وروية، واعتدال وحكمة، وعمق تفكير، وبعد نظر، وتقدير لجميع علماء الإسلام، والتزام الكلمة الموزونة الرائقة، واختيار العبارة المناسبة، والإفصاح عن المعاني الجميلة السامية”. (ص5).
ثم راح المؤلِّف في تفصيل قضايا الكتاب من خلال فصلين، اختَصّ الأوّل بلمحات من حياة الدكتور فاروق حمادة، من نسبه وولادته وأسرته ونشأته، وطريقه في طلب العلم ومسيره على درب المعرفة، وشيوخه وأساتذته، ثم شهاداته ودرجاته العلمية، ومهامه العلمية، فخصاله وأخلاقه، ومسيرته في التربية والتعليم؛ أستاذا ومربيا، ثم محاضرا في الدروس الحسنية الرمضانية، فمشرفا على البحث العلمي الجامعي، ثم رئيسا لدائرة الرباط العلمية للبحث في الدراسات الإسلامية، ومحاضرا في المؤتمرات والندوات العلمية وكاتبا في المجلات العلمية والثقافية، وناشرا لأنوارِ السنة النبوية على أثير إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم، ثم مستشارا بديوان الشيخ محمد بن زايد بأبو ظبي، ومديرا لجامعة محمد الخامس بأبوظبي؛ كما ذكر محطات علمية بارزة في حياته، مع بيان مكانته حكيما ومفكرا، ثم محققا ومؤلفا.
وجاء الفصل الثاني من الكتاب معرّفا بمؤلّفات فاروق حمادة وأعماله العلمية التي بلغت اثنين وأربعين كتابا، وطبعت آنذاك إلى حدود عام 2015م؛ وجاءت بعد ذلك بحوث ودراسات لم تدخل مجال الدراسة لأنها لم تطبع بعد.
وتفرقت هذه المؤلفات على ثمانية مجالات علمية هي: في شروط المعرفة الإسلامية ومصادرها وآدابها ومناهج البحث فيها، وفيه من المؤلفات: “منهج البحث في الدراسات الإسلامية: تأليفا وتحقيقا”، “أسس العلم وضوابطه في السنة النبوية”، “الإقناع في مسائل الإجماع لابن القطان الفاسي (ت628ه): دراسة وتحقيق وشرح”، “كتاب العلم للنسائي (303ه): دراسة وتحقيق”، و”أخلاق العلماء” للآجري (ت360ه) الذي علق عليه وخرج أحاديثه.
وثاني المجالات “العقيدة والإيمان بالله تعالى ومعرفة أسمائه، والزهد والسلوك”: وفيه من المؤلفات: “أسماء الله الحسنى في القرآن الكريم والسنة النبوية”، و”الشفاعة في القرآن والسنة وعقيدة المسلمين”، وتحقيق “كتاب الورع” لشمس الدين علي بن إسماعيل الصنهاجي الأبياري (ت616).
وثالث المجالات “الدراسات القرآنية ومناهج التفسير”، وفيه من المؤلفات: “مدخل إلى علوم القرآن والتفسير”، وتحقيق “فضائل القرآن” للنسائي، و”الصحيح في فضائل القرآن وسوره وآياته”، و”آباء وأبناء: ملامح تربوية في القرآن الكريم”، وتفسير الأجزاء الستة الأخيرة من القرآن الكريم وسورة الكهف ويس.
أمّا رابع المجالات فـ”السنة النبوية وعلومها”، وفيه من المؤلفات: “المنهج الإسلامي في الجرح والتعديل”، و”عمل اليوم والليلة للنسائي”، و”الضعفاء لأبي نعيم (ت430ه): دراسة وتحقيق”، و”فضائل الصحابة للنسائي: دراسة وتحقيق”، و”دليل الراغبين إلى رياض الصالحين”، و”مكارم الأخلاق للطبراني (ت360ه): دراسة وتحقيق”، و”تطور دراسات السنة النبوية ونهضتها المعاصرة وآفاقها”، و”التواصل بين المذاهب الإسلامية: تأصيله وتطبيقه عند المحدثين”، و”منهج النقد الحديثي: نقد الذهبي لبيان الوهم والإيهام”.
وخامس المجالات في الآثار وفقه السنة، وفيه من المؤلّفات: تحقيق “السير “لأبي إسحاق الفزاري، “ليلة القدر في الكتاب والسنة وحياة السلف الصالح”، و”اللباس والزينة: أحكام وآداب”. وسادس هذه المجالات “السيرة النبوية وتراجم العلماء”، وفيه من المؤلفات: “مصادر السيرة النبوية وتقويمها”، “أعلام السيرة النبوية في القرن الثاني للهجرة: مصنفاتهم ومناهجهم”، “الدوحة النبوية الشريفة: دراسة موثقة في السيرة النبوية والذرية الطاهرة”، “الوصية النبوية للأمة الإسلامية في حجة الوداع”، “خطبة الفتح الأعظم: فتح مكة المكرمة”، “أيام في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم”، “أيام في حياة الرعيل الأول”، “أضواء على البعثة المحمدية”، “العلاقات الإسلامية النصرانية في العهد النبوي”، و”عبد الله بن الصديق الغماري: الحافظ الناقد”.
ويتناول سابع المجالات “المذهب المالكي ومصادره وأعلامه”، وفيه من المؤلفات: “أبحاث مالكية مغربية”، و”مدونة الإمام سحنون: أم المصنفات الفقهية”. أما ثامن المجالات فالمؤلّفات “في الفكر والحضارة”، وهي: “بناء الأمة بين الإسلام والفكر المعاصر”، “الورثة الصالحة للحضارة المعاصرة: بحوث قرآنية في الحضارة”، “قطوف من مكارم الأخلاق”، “بناء الإنسان والمجتمع”، “بصائر وأفكار”، “الأشعرية: ضرورة ومنهج واستمرار”، مع كتابة عدد من المواد العلمية في موسوعة “أعلام العلماء العرب والمسلمين” التي أصدرتها المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
ورافق ذكر كلّ كتاب من هذه الكتب تعريف جامع له، من جهة الغرض من تأليفه، وأهميته في علمه، وفائدته، ومنهج المؤلف فيه، مع اقتباس لمعات مفيدة منه، تنبه إلى دقائق في العلوم الإسلامية، وتوقف على قضايا في مناهج البحث العلمي عامة وفي الدراسات الإسلامية خاصة.
وختم المؤلف كتابه هذا بجُملة من قواعد العلم والفكر، استخلصها من مؤلفات الدكتور فاروق حمادة، خاصة من كتابه “بصائر وأفكار”، الذي جمع بحوثا في الحضارة والإنسان، وما يتعلّق بهما من قضايا الحياة المختلفة العلمية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية، واهتدى في كل هذا بأنوار القرآن الكريم، واستظل بظلال السنة النبوية الشريفة، فكان هذا الكتاب أنموذجا في الفكر الإسلامي المعاصر في دراسة قضايا الحياة والإنسان، من خلال قواعد الإسلام، ومقاصده، وأصوله الكلية، وأدلّته العامّة.
واستجمع مؤلّف عبد الكريم عكيوي في الخاتمة ملاحظات انتهى إليها بالاستقراء الكامل لكتب فاروق حمادة، منها قوله: “ليس في آثاره (يعني المترجم الدكتور فاروق حمادة) أسلوب التهجم والتشنيع على أحد، بل كان يقدر أهل العلم والمعرفة قدرهم، ولو كان يخالفهم الرأي، ويقول: لولا الخلاف والبحث عن الصّواب والأصوَب لما تقدمت المعرفة الإنسانية”.
المصدر: هسبريس