ثقافة وادب وفنونسلايد 1
شفيق يناقش التعصب الأعمى للدين ويتسلل إلى عقول “الجهاديين”
في كتابه “آراء في قضايا التربية والثقافة”، الصادر ضمن مطبوعات أكاديمية المملكة المغربية، أفرد المفكر المغربي محمد شفيق جزءا لمسألة “التعصب الأعمى في الدين”، وما يلحقه من أضرار في التعامل بين الشعوب، معتبرا أن هذا الموضوع، الذي قارَبه من خلال طرح مجموعة من التساؤلات، “شائك جدا”.
واستهل عميد المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية السابق مدير المدرسة المولوية سابقا خوضه في مسألة التعصب الأعمى للدين بعبارة جاء فيها أن “أدنى شيء في المطلوب من عقل كل إنسان متمسك بعقيدته الدينية متعصبٍ لها، هو أن يتساءل عن الأسباب التي تجعل الآخرين متمسكين بعقائدهم متعصبين لها”.
وأعْقب هذه الفكرة بالتساؤل: “لماذا يتعصّب كل متديّن لدينه؟”، ليجيب عن سؤاله بالقول: “إذا سألنا إنسانا متدينا لكي يبسط الجواب، سوف يقول: أنا متمسك بديني وبعقيدتي، وأنا متعصب لهما لأنهما خير لي. ولا يخطر بباله أن الآخر، الذي يَدين بدين آخر، يقول الشيء نفسه. فالمسألة أكثر تعقُّدا من هذا كله”.
وأشار شفيق إلى أن بعض المؤرّخين المقارِنين للأديان يدّعون أن التعصب للديانات لم يظهر إلا مع ظهور الديانات السماوية، ويقولون إن الوثنيين في القديم كانوا لا يتحاربون من أجل الديانات، بل كانوا يتحاربون لأسباب سياسية واقتصادية، وإن ظاهرة التعصب ظهرت في عهد النبي موسى، ثم تطورت ووقعت حروب بين بني إسرائيل وبين غيرهم من الشعوب من أجل الدين.
والملاحظ، يردف شفيق، هو أنه كانت هناك حروب بين الديانات السماوية من جهة، وكان التعصب حتى داخل تلك الديانات؛ إذ كان الكاثوليك ضد البروتيستانت، وكان اليهود ضد المسلمين، وكان المسلمون يتحاربون فيما بينهم.
واستحضر نموذجا من الحروب بين أهل الديانة المسيحية، “حيث كان الكاثوليك والكنيسة يعتبرون أن سكان ألبي (Albi) في فرنسا، ويسمّون بالكاثار (Les Cathares)، كانوا مارقين من الدين المسيحي، ولهذا وجب قتالهم، فأرسل البابا من يقاتلهم، فساروا يقتّلونهم تقتيلا. حتى إنهم لم يعودوا يميّزون بين الكاثار والكاثوليك، فاستشاروا مرشدهم في ما يجب فعله فقال لهم: اقتلوهم جميعا سيميّز الله أنصاره من أعدائه”.
أما عند المسلمين، فقد أورد شفيق في كتابه واقعة القيروان، عندما انسحب الفاطميون من القيروان، حيث أمر فقهاء السنة بتقتيل الشيعة، “فساروا يقتّلونهم حتى أصبحوا لا يميّزون بين الشيعة وبين السنّة، فاستشاروا الفقهاء، فقالوا لهم: اقتلوهم جميعا فسيعجل ذلك للسنيين بدخول الجنة”.
وخلُص المؤلف إلى أن هناك تعصبا داخليا وتعصبا خارجيا في الأديان السماوية ما يزال قائما إلى اليوم، سواء بين الديانات أو داخل الديانة الواحدة، معتبرا أنه “من حقنا أن نبحث في أسباب هذه الظاهرة، في وقتنا هذا الذي لا نسمع فيه يوميا إلا كلمة في نشرات الأخبار تدوّي في آذان البشرية كلها، وهي كلمة الجهاد”.
وتوقف شفيق عند مفهوم الجهاد لدى المسلمين، مقدّما بعض المضامين من ميثاق للتربية في بلد إسلامي يرجع عهده إلى سنة 1970، من ضمن ما جاء في بنوده أن “الجهاد في سبيل الله فريضة مُحكمة وسنّة متّبعة وضرورة قائمة وهو ماضٍ إلى يوم القيامة”، ويحث الميثاق في بند آخر على: “إيقاظ روح الجهاد الإسلامي لمقاومة أعدائنا واسترداد حقوقنا واستعادة أمجادنا والقيام بواجب رسالة الإسلام”، و “إعداد الطلاب للجهاد في سبيل الله روحيا وبدنيا”.
واعتبر المفكر المغربي أن هذه المضامين وغيرها “هي ما جعل الأجيال من شباب المسلمين ابتداء من أواخر القرن العشرين ضحية سُكْر من نوع خاص، وهو سُكر المال”، لافتا إلى أن فكرة الجهاد نشأت وانتشرت وتقوّت بقوة المال، كما أشار إلى ذلك المفكر الفرنسي Gille Kepel في كتابه “الجهاد”.
وطرح شفيق سؤالا إشكاليا عند تحليله لموقف الإسلام من مسألة التعصب الديني، فحواه: “حينما نقول الإسلام، فإننا نتساءل: أي إسلام؟ ففي إمكان المرء أن يلاحظ أن لكل شخص منا إسلامه. وهو يَعتبر أن إسلامه وحده هو الصحيح، أما إسلام الآخر فهو على غير صواب، فأي إسلام هو الصحيح؟”.
ويرى المؤلّف، من وجهة نظره الشخصية، أن “الإسلام غير متعصّب من الجانب النظري، ولكنه في التطبيق متعصب”، مقدما بعض الآيات القرآنية التي تعضد قوله بأن الإسلام غير متعصب من الجانب النظري، مثل آيتيْ (لا إكراه في الدين)، و (لكم دينكم ولي دين).
وعضّد قوله بأن الإسلام متعصب في التطبيق بكونه يأمر بتقتيل المشركين، “ولا يمكن أن ننكر هذا، فالمشرك إما أن يُسلم وإما أن يموت، أما أهل الكتاب فعليهم أن يؤدوا الجزية وهم صاغرون”، غير أنه استدرك بأن المسلم الباحث يمكنه أن يلاحظ أنّ الإسلام قابل للتطور، “وهذا ما لا يعترف به علماء الدين عادة”.
واستدلّ على قوله بأن الإسلام “قابل للتطور ومستعد للتطور، تطور الحضارة وتطور السلوك”، بالحديث النبوي: “أنتم في زمن من ترك عشُر دينه فقد هلك، وسيأتي زمن من تمسك فيه بعشر دينه فقد نجا”، معتبرا أن معنى هذا الحديث هو “أن الفكر الديني نفسه يتطور، وحتى العقيدة تتطور، وينبغي للإنسان أن يتقبل التطور”.
المصدر: هسبريس