المجتمعسلايد 1

وسائل تعقيم “بدائية” تفضح ضعف بنية المدارس العمومية بالمغرب

باتت انطلاقة المواسم الدراسية خلال السنوات الأخيرة مقرونة بتداول صور على الشبكات الاجتماعية ومنصات التراسل الفوري، تبيّن ضعف بنية كثير من المؤسسات التعليمية العمومية، خاصة في العالم القروي، وتتوزع التعليقات عليها بين التعبير عن الغضب من الواقع القائم وبين السخرية منه.

يوم أمس الاثنين، وبعد ساعات قليلة فقط من انطلاق الموسم الدراسي، الذي يجري هذه السنة في ظروف استثنائية، بسبب جائحة فيروس كورونا، انتشرت صور تُظهر مسؤولي مؤسسات تعليمية بالعالم القروي يستعينون بوسائل “بدائية” من أجل توفير التعقيم للتلاميذ، واكبتْها انتقادات لاذعة للوزارة الوصية على القطاع.

وانتشرت على نطاق واسع صورة التُقطت من مؤسسة تعليمية في قرية بالجنوب الشرقي، يظهر فيها تلميذ يعقّم رجليْه في باب المؤسسة وسط إناء يستعمله عمال البناء لخلط البلاط. وفي مقطع فيديو، ظهر أحد المشرفين على تنظيم الدخول المدرسي يستعين بـ”مقراج” لتوفير الماء للتلاميذ لغسل أيديهم.

وفيما راجت الصور ومقاطع الفيديو التي اتخذها كثير من المعلقين وسيلة للتندر، اعتبر آخرون أنه لا ينبغي السخرية من أطفال ومسؤولي مؤسسات تعليمية يبذلون ما في وسعهم ليمر الدخول المدرسي في ظروف آمنة، بالإمكانيات المتوفرة لهم.. وبين هذا الرأي وذاك كانت الصور المتداولة معبّرة بوضوح عن افتقار مؤسسات تعليمية كثيرة إلى أبسط التجهيزات.

يعزو أحمد المنصوري، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للتعليم، سبب هشاشة بنية كثير من المؤسسات التعليمية العمومية وافتقارها لعدد من المرافق الضرورية إلى “عدم إعطاء الحكومة لقطاع التعليم ما يستحق من عناية”، مضيفا: “هذا ليس انطباعا، بل حقيقة يؤكدها تخفيض الحكومة لميزانية التعليم في القانون المالي المعدل بخمسة ملايير”.

واعتبر المنصوري، أن عدم تخصيص ميزانية كافية لقطاع التعليم سيكون له انعكاس جد سلبي على القطاع برمته، سواء في الجانب المتعلق بالبنية التحتية للمؤسسات التعليمية أو الجانب المتعلق بالموارد البشرية، معتبرا أن الحكومة “لا تلتقط الإشارات الملكية لترسيخ أسس الدولة الاجتماعية الحاضنة، التي تعطي الأولوية للاستثمار في الإنسان كخيار إستراتيجي”.

في بحث سابق أنجزه المرصد الوطني للتنمية البشرية، تم الخلوص إلى أن نسبة مهمة تناهز 60 في المائة من المدارس العمومية لا تتوفر على الحد الأدنى من البنية التحتية، مثل الإنارة والمراحيض. وتتفاقم هذه الوضعية في العالم القروي، حيث لا تتوفر الخدمات الضرورية مثل الإنارة والمرافق الصحية سوى لعشرين في المائة من التلاميذ.

وأشار المنصوري إلى أن عددا من المؤسسات التعليمية العمومية “توجد في وضع مهترئ”، لافتا إلى أن ثمة ارتجالية تتعلق بغياب التدبير السليم لعملية التجهيز؛ ذلك أن عددا من المؤسسات التعليمية، التي تُصرف لها ميزانية تحسين البنية التحتية، لا تُشرع فيها أشغال التجهيز إلا مع بداية الدخول المدرسي، عوض استغلال العطلة الصيفية لإنجازها.

في عهد محمد حصاد، وزير التربية الوطنية السابق، اتُّخذ قرار فُرض بموجبه على جميع مديري المؤسسات التعليمية العمومية بتجديد صباغة بنايات المؤسسات التي يديرونها، فتدبّر المديرون ميزانيات صبغ الحجرات الدراسية وأسوار المؤسسات التعليمية؛ لكن أصواتا كثيرة اعتبرت هذه العملية مجرد “زواق”، لوجود مؤسسات لا تتوفر فيها أبسط المرافق الضرورية، مثل المراحيض.

وبالأمس، انتشرت أيضا صورة تُظهر تلاميذ صغارا مكدّسين داخل حجرة دراسية، في ضرب لمبدأ التباعد الجسدي الذي ينص عليه البروتوكول الصحي للوقاية من فيروس كورونا. وسارعت وزارة التربية إلى التأكيد على أنها ستحاسب المسؤولين عن تكديس التلاميذ إذا تأكدت صحة الصورة؛ لكن أحمد المنصوري يرى أن المشكل أعمق بكثير مما فضحته الصورة التي أثارت ضجة ونقاشا واسعين.

وقال الفاعل النقابي إن وزارة التربية الوطنية قررت اعتماد نظام تفويج التلاميذ، تفاديا للاكتظاظ داخل الأقسام؛ “لكنها لم تصرح للرأي العام بأن المنظومة التربوية تعاني من نقص مهول في الموارد البشرية، سواء أطر التدريس أو الأطر الإدارية”، مضيفا: “كنا ننتظر أن يواكبَ هذا القرار توظيف استثنائي للموارد البشرية، إذ لا يمكن تقسيم الأقسام التي يدرس بها أربعون تلميذا إلى مستويين من عشرين تلميذا بما هو متوفر حاليا من الأساتذة”.

ونبه المنصوري إلى أن مشكل الخصاص “المهول” في الموارد البشرية المسجّل حاليا سيتفاقم خلال السنوات المقبلة، “وستكون هناك أزمة خانقة؛ لأن آلاف أطر التدريس والأطر التربوية تحال على التقاعد في كل سنة، ولا يتم تعويضها، وهناك مؤسسات تعليمية لا تتوفر على مديرين ويتم تسييرها بالنيابة؛ لكن الوزارة لا تقدم هذه الحقائق للرأي العام الوطني”، يختم المتحدث.

المصدر: هسبريس

إغلاق