جغرافيا
الجزائر تحيي الذكرى الـ 16لسيول السبت الأسود في باب الوادي!
مرت أمس الجمعة الذكرى الـ 16 للسيول الجارفة التي ضربت العاصمة في يوم سبت أسود، سيظل محفورا في ذاكرة أبناء العاصمة، خاصة سكان حي باب الوادي الشعبي، ممن عايشوا تلك المأساة إلى الأبد، كارثة طبيعية خلفت أكثر من 700 قتيل ومئات الجرحى وخسائر مادية كبيرة.
برغم مرور 16 عاما على تلك الكارثة الطبيعية التي لم تعرف الجزائر مثيلا لها من قبل، إلا أنه لم يتم القيام بأي تحقيق جدي بخصوص تلك الكارثة، والأسباب التي أدت إليها. 24 ساعة من هطل مستمر للأمطار كانت كافية لخلق سيول جارفة لا تبقي ولا تذر، لا أحد بإمكانه حتى الآن أن يقول كيف ارتفعت السيول إلى أكثر من عشرة أمتار مستفيدة من المنحدر المؤدي إلى حي باب الوادي والأحياء المجاورة، لتتحول إلى تيار جارف حمل في طريقه كل شيء، بما في ذلك السيارات والشاحنات والأتوبيسات وحتى البيوت العشوائية التي كانت وكأنها لعب أطفال تعبث بها المياه.
روايات كثيرة قيلت وتم تداولها آنذاك عن الأسباب التي كانت وراء السيول، بعضهم اعتبر أنها نتيجة إغلاق البالوعات، وسد قنوات الصرف الصحي الضخمة التي كان الإرهابيون يستخدمونها للتنقل والاختباء، وبعض آخر اعتبر أن انسداد البالوعات وقنوات الصرف سببه انسدادها بالأوساخ وعدم خضوعها لعمليات التنظيف الضرورية، وبين الإشاعات والفرضيات ضاعت الحقيقة.
كل شيء جرى بسرعة في صبيحة ذلك السبت الأسود، السماء كانت ملبدة والأمطار كانت تتهاطل على العاصمة من دون انقطاع منذ أكثر من 24 ساعة، لكن الأمر لم يبدو غريبا في وقت أول، لكن تلك الأمطار كانت كافية لتغيير وجه العاصمة، مياه جارفة تحمل في طياتها كل ما وجدته في طريقها من طين ومعادن وبشر، وتشق طريقها بسرعة جنونية نحو البحر الذي ألقت بحمولتها فيه، أحياء غمرتها المياه والأطينة، وجثث بشرية دفنت حية تحت التراب أو تحت الأنقاض، بعض هؤلاء الضحايا نجا بأعجوبة، وبعض فارق الحياة ولم يعثر عليه جثة هامدة إلا بعد أيام.
سيول أو فيضانات السبت الأسود هي مجموعة قصص إنسانية، قصص لجزائريين بسطاء من أحياء شعبية وجدوا أنفسهم في قلب تلك المأساة، فتحركت فيهم النخوة والشهامة بطريقة عفوية فراحوا ينقذون جيرانهم، أصدقاءهم وحتى أشخاصا غرباء ألقت بهم السيول أمامهم، قصص لشباب كانوا يلقون بأنفسهم في البحر بشاطئ كيتاني لانشتال الجثث أو الأشخاص الذين كان يشتبه في أنهم مازالوا على قيد الحياة، وقصص لأولئك الذين دفعوا حياتهم لأنهم كانوا يحاولون إنقاذ غيرهم، لأن السلطات تأخرت في وقت أول في تسخير ما يكفي من إمكانيات للقيام بعمليات الإنقاذ، قبل أن يتدخل الجيش برجاله وعتاده من أجل إنقاذ من كان يمكن إنقاذه، والقيام بعملية إزالة آثار تلك المأساة، لكن ذلك لم يمنع استمرار العمليات الطوعية هنا وهناك من أبناء حي باب الوادي الشعبي الذي حكم عليه أن يكون دائما في قلب التضحيات، وكأن تلك الكارثة جاءت لتحقيق مقولة كانت تردد في الأغاني الشعبية وفي الملاعب «باب الوادي اداه ( جرفه) الوادي»، الكل هناك في باب الوادي فقد قريبا، أو صديقا أو جار في تلك السيول التي غيرت وجه هذا الحي الأشهر في العاصمة إلى الأبد.
سيول باب الوادي، هي أيضا قصة المساعدات الإنسانية التي تم السطو عليها، وهي أيضا بنايات وأحياء سكنية بنيت لفائدة الضحايا عن طريق هبات، ولما اكتلمت بدت أنها لا تتناسب ومستواهم الاجتماعي، وتقرر تحويلها لفئات أخرى، وهنا أيضا لم يتم فتح أي تحقيق جدي لمعرفة الجهات التي استغلت مأساة جزائريين بسطاء للسطو على المساعدات للاغتناء وصناعة الثروات.