ثقافة وادب وفنونسلايد 1

زروال: مسرحية “الفاميلة” تقتحم بيت أسرة مغربية في الطوارئ الصحية

م توقف جائحة كورونا مسار الإبداع، بل شكلت فترة الحجر الصحي فرصة للكثير من المبدعين للغوص والتأمل في بعض الظواهر التي طالت الأسرة المغربية، التي كانت تعيش عوالمها الخاصة بفعل تغير أنماط العيش، وتشتت أفرادها بحثا عن سبل حياة أخرى، قبل أن تفرض عليهم ظروف الحجر الصحي الاجتماع في فضاء واحد بمثابة سجن جماعي.. ويبقى السؤال قائما: هل يمكن أن يتعايشوا رغم اختلافاتهم وتناقضاتهم الكثيرة أحيانا؟.

من هذا المنطلق اختار الكاتب المسرحي محسن زروال أن يركن إلى حكاية بسيطة من الحياة اليومية، وتجريب أسلوب مختلف في الكتابة، أسلوب لا يجعل السيادة للحدث أو الفضاء ولا حتى للبطل، بل يجعلها للشخوص كلها.

في هذا الحوار يفتح صاحب مسرحية “تشوبا تشوب” قلبه للحديث عن العمل الجديد ولغته وواقع المسرح المغربي وكذا فضائه.

حدثنا عن نص مسرحية “الفاميلة”؟

النص المسرحي” الفاميلة” يحاول أن يقتحم فضاء الأسرة المغربية خلال فترة الحجر الصحي، ويسائل مدى قدرتها على الصمود وتقبل اختلافات أفرادها بتنوع مشارب تفكيرهم وقناعاتهم واختياراتهم، خاصة بعد أن تفرقت بهم السبل واختاروا حياة أخرى، إما بسبب الزواج أو الانتقال للعمل في مدينة أخرى. غير أنه وخلال فترة الحجر الصحي، وبسبب الصدفة وعوامل أخرى، يجتمع أفراد الأسرة من جديد في فضاء البيت الذي يتحول بفعل حظر الخروج إلا للضرورة إلى سجن جماعي.

وتحاول “الفاميلة” مقاربة التحولات التي حدثت على بنية الأسرة المغربية/ العائلة، إما بسبب التطورات المتسارعة للتكنولوجيا الحديثة التي عمقت الإحساس بالوحدة والغربة، رغم ما يمكن أن توهم به من تواصل اجتماعي، أو بسبب صراع الأجيال الذي يخفي خلفه صراع قيم وأفكار بين جيلين مختلفين، جيل الورق وجيل “السمارت فون”.

هل يمكن تصنيف النص المسرحي “الفاميلة” ضمن “أدب الجائحة”، على اعتبار أن صياغته كانت خلال الحجر الصحي؟ وكيف خطر ببالك هذا الموضوع؟.

منذ فترة طويلة وأنا أحاول أن أنصت إلى نبض الهامش وأن أتفاعل مع القضايا التي يكون لها بالغ الأثر على المواطن المغربي، فبعد نص “تشوبا تشوب” الذي تفاعل مع حدث “البيدوفيل” الإسباني دانيل، وما ترتب عنه من سخط جماهيري واسع، وبعد نص “فلاش باك” الذي يحاول أن ينظر إلى موضوعة الربيع العربي وحركة 20 فبراير بنوع من التقييم العقلاني، كان لا بد أن يكون للجائحة أثرها علي، ومن خلال تتبعي لتفاصيلها اليومية اكتشفت أن أكبر متضرر أو مستفيد من تداعياتها هي الأسرة المغربية. وأعتقد أن المندوبية السامية للتخطيط كانت واضحة في تقييمها لفترة الحجر، كما أن حجم قضايا الطلاق المطروحة الآن على أنظار محاكم الأسرة يؤكد كلامي ويزكيه.

وفي إطار هذا التفاعل جاءتني فكرة الكتابة عن تجربة الحجر الصحي، وربما كنت سأرجئ الإنجاز إلى ما بعد الجائحة، غير أنني صادفت مشروع دعم وزارة الثقافة لإقامة الكتاب المغاربة ضمن مجال النشر والكتاب، ففضلت أن أقترح المشروع على الوزارة، ولأنه حظي بالقبول كان علي أن ألتزم بالعقد المبرم معها وأنجزه في الوقت المتفق عليه، على أن أراجعه في ما بعد وأغنيه وأطوره.

لماذا تصر على اختيار “الدارجة” في كتابة أعمالك؟.

قد تبدو اللغة أمرا ثانويا عند البعض، كما أنها قد تبدو أساسية عند البعض الآخر، والأكيد أن الكتابات المسرحية المغربية سادت فيها إلى وقت قصير اللغة العربية الفصيحة، خاصة خلال الفترة التي انتشر فيه الخطاب القومي، وغالبا ما كان أصحابها يبررون خياراتهم تلك بطروحات تبقى مشرعة على كل الأسئلة.

بالنسبة لي أحاول دوما أن أفرق بين أمرين، بين الكتابة السردية التي تعتمد أساسا على الوصف، إذ يصبح مشكل اللغة لدي متجاوزا، لكن حين يتعلق الأمر بالحوار مثلا الذي تمثل فيه اللغة صلب العملية التواصلية التي يفترض أن تكون مشحونة بالمشاعر والأحاسيس والقيم، في هذه الحالة لا يمكن لأي لغة أن تكون قادرة على استيعاب كل تلك الحمولة عدا اللغة الأم، وفي حالتنا، تكون الدارجة والأمازيغية وحدهما القادرتين على مد جسر التواصل بين المغاربة. لا يعقل مثلا أن أكون صادقا في كتابة حواراتي إذا جعلت جزارا في نص مسرحي ما يتحدث العربية وهو لم يلج المدرسة أبدا، خاصة أن العربية كما يشير عبد الفتاح كيليطو هي لغة المدرسة.

لكنني أعتقد أن الكثيرين يرفضون الكتابة بالدارجة لأنهم مازالوا يعيشون على مقولة ثنائية الشفاهي والمكتوب، العربية لغة التدوين، والدارجة لغة الشفاهي، وهذا أمر في اعتقادي أضحى متجاوزا إلى حد بعيد.

يمكن القول إن المسرح يعاني وإن أبا الفنون شاخ وشمس الكتابة تأفل.. ما تقييمكم لواقع المسرح في المغرب!؟.

هناك مقولات عدة يروج لها الكثيرون، منها فكرة موت المسرح. أعتقد أنها مقولات مفتعلة وغير مؤسسة على بحث أو رؤية. ويبدو أن الجائحة بعد عدد من التجارب التي حاولت أن تقدم منتجا مسرحيا عن بعد، أكدت أن المسرح لن يكون مسرحا إلا عبر ذاك اللقاء الحميمي بين صناع الفرجة ومتلقيها، فالمسرح لا يتوسل وسيطا بينه وبين الآخر، وحين يحظر الوسيط نصبح أمام شيء آخر غير المسرح.. قد نكون أمام قرينه، ابن عمه، لكنه حتما ليس هو.

وهي المقولات نفسها التي راجت بعد ظهور السينما والتلفزيون، لكن المسرح أثبت مع كل الرجات التي عرفها في مسار وجوده أنه كطائر الفينيق في كل مرة ينبعث من رماده، وأن فكرة موت الأب والإله والمؤلف مع بعض التحوير لن تصدق على موت الأب في مجال الفنون.

الخلاصة نفسها تقودنا إلى تأكيد حياة المسرح المغربي ووجوده بالقوة والفعل، هذا الوجود الذي يعلن عن نفسه إما من خلال عدد العروض التي تنجز سنويا، أو المكانة التي أضحى يعرفها في خريطة المسرح العربي، والتي لا يمكن أن يجادل في حقيقتها إلا جاحد، أو من خلال قيادته لمشروع تنظيم وهيكلة وتقعيد الممارسة الفنية بالمغرب، إما عبر القوانين التي قاد تحققها أو عبر المشاريع الاجتماعية المصاحبة، كدعم الفنون أو التغطية الصحية أو سن البطاقة المهنية، وحتى الحقوق المجاورة التي استفاد منها فنانو الأداء مؤخرا.

المسرح كان وسيظل أبا للفنون، وقائدا لحراكها ومنظما لخطواتها، وسيظل أهله هم الطليعة الذين يقودون مشعل الجمال والفن ورقي المجتمع وتحرره.

المصدر: هسبريس

إغلاق