تعتبر قضية عدم المساواة في الدخل من بين القضايا التي تحظى بمناقشات حامية الوطيس في وقتنا الحالي. كما أنها إحدى القضايا التي كثيرا ما يساء عرضها. وطوال أعوام، عكف اليساريون على إدانة أوجه التفاوت الآخذة في التوسع التي أعقبت الأزمة المالية. ومع ذلك أظهرت دراسة حديثة أن فجوة الدخل العالمية تقلصت تدريجيا بالفعل بين عامي 2008 و2013.
يقول المحلل الاقتصادي الإيطالي فرديناندو جيوجليانو، إن الخرافة الأخرى التي تحتاج إلى التصدي لها تتعلق بجائحة فيروس “SARS-CoV-2″؛ فهناك عدد من الباحثين والمنظمات الدولية، بما في ذلك جوزيف ستيجليتز الحاصل على جائزة نوبل في الاقتصاد، وأيضا من منظمة الأمم المتحدة، يشعرون بالقلق من أن العالم أصبح مكانا أقل مساواة بسبب جائحة “كوفيد-19” والأزمة الاقتصادية الناجمة عنها. وهم يعتقدون أن الدول الأكثر ثراء في وضع أفضل لحماية نفسها.
ويؤكد جيوجليانو أن هذا غير صحيح. فهناك دراسة جديدة لأنجوس ديتون، الأستاذ بجامعة برينستون الحاصل أيضا على جائزة نوبل في الاقتصاد، توضح أنه في عام 2020، على الأقل، حدث العكس على مستوى عالمي؛ فمع اجتياح الجائحة للدول ذات الدخل المرتفع بصورة غير متكافئة، تقلصت الفجوة بين الفقراء والأغنياء. ولا يتعلق ذلك بالتفاوتات الكبيرة في ما بين الدول الأكثر ثراء نفسها، ولكن يوضح لنا على الأقل أن التقارب الأخير من جانب الدول النامية مستمر.
وللأسف، لا يعد هذا الأمر بالضبط سببا يدعو إلى الابتهاج في نهاية عام مرهق تفشت فيه جائحة “كوفيد-19″؛ فهو يكشف لنا الفشل الذريع لكثير من الحكومات الغربية في حماية مواطنيها أكثر مما يكشف عن نجاحات الدول الأكثر فقرا. وقد كشفت الجائحة فجوات هائلة في أنظمة الصحة العامة في الدول الغنية.
جدير بالملاحظة أن ديتون يكشف في دراسته أن الدول التي تتمتع بدخل أعلى للفرد عانت أيضا من تسجيل أكبر عدد من حالات الوفاة بسبب الجائحة. وهذه النتيجة قد يقابلها عدم الإفصاح بشكل كامل عن حالات الوفاة في الدول الأكثر فقرا، والأجيال الشابة في آسيا وأفريقيا. كما أنه من الممكن أن تتغير هذه النتيجة إلى العكس مع استمرار تفشي الجائحة وقدرة الدول الأكثر ثراء على الحصول على اللقاحات بصورة أفضل. ولكن العدد غير العادي لوفيات الجائحة في بعض الدول الأكثر ثراء في العالم-مثل الولايات المتحدة وبريطانيا والسويد-ما زال ملفتا للنظر.
كما توضح الدراسة أن الدول التي اتخذت موقفا أكثر تساهلا بالنسبة للإغلاق على أمل حماية اقتصادياتها لم تستفد كثيرا. والدول التي شهدت العدد الأكبر من الوفيات هي أيضا تلك التي كانت صاحبة أكبر انخفاض متوقع في إجمالي الدخل المحلي، حسب توقعات صندوق النقد الدولي.
ويضيف جيوجليانو أن الانخفاض في التفاوتات على مستوى العالم يأتي في أعقاب اتجاه بدأ في عام 2007، لكنه ظهر أكثر وضوحا في عام 2020 عما كان متوقعا قبل الجائحة. وإذا ما تم تقييم الدول المختلفة وفقا لعدد سكانها، سيُلاحظ أن هناك زيادة طفيفة في عدم المساواة. ولكن كل هذا مدفوع بالصين التي تعاملت مع الجائحة بشكل أفضل من كثير من الدول الأخرى.
وهذه الدراسة لا تعني أن العالم أصبح أكثر مساواة على مستوى كل دولة على حدة؛ ففي الولايات المتحدة هناك دليل على أن الركود الذي سببته الجائحة قضى على الوظائف ذات الدخل المنخفض أسرع من الوظائف ذات الدخل المرتفع. وتشعر السويد بالقلق من أن السياسة النقدية الفضفاضة توسع فجوة الدخل وتؤدي إلى ظهور أعداد كبيرة من المليونيرات السويديين. كما أن هناك اختلافات واضحة بالنسبة للقطاعات؛ فالذين يعملون في قطاع السياحة كان حظهم أسوأ من العاملين في قطاعات أخرى.
ومن المهم أيضا مراعاة كل دولة على حدة عند نظر التحسن في العالم النامي؛ فحتى لو كان الدخل في هذه الدول أقل كثيرا من الدخل في الدول الأكثر ثراء، من المحتمل أن يكون الأمر أكثر إيلاما لأن نسبة أكبر من السكان قريبة من خط الفقر. وتوقع البنك الدولي أن تدفع الجائحة ما بين 88 و115 مليونا آخرين إلى الفقر المدقع في عام 2020.
وما زال الوقت مبكرا لتتوفر صورة كاملة عن الأضرار الاقتصادية طويلة المدى الناجمة عن الجائحة، خاصة بالنسبة لفرص الأطفال الأكثر فقرا الذين تعين عليهم التكيف مع غلق المدارس.
ويقول جيوجليانو إنه مع ذلك، تذكرنا دراسة ديتون بالحاجة إلى إلقاء نظرة عن كثب على الأعداد قبل وضع أي افتراضات بشأن التأثير الاقتصادي للجائحة. وتماما مثل جائحة “كوفيد-19″، ألحق هذا الركود ضررا بالاقتصاد العالمي بطرق محيرة.
المصدر: هسبريس