في مثل هذه الأيام من سنة 1989، أعلن عن قيام “اتحاد المغرب العربي” بمدينة مراكش من قبل خمس دول، هي المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا، بطموحات كبيرة لتحقيق النمو الاقتصادي والرفاهية لمجتمعاتها.
كان الإعلان بحضور زعماء الدول الأعضاء، على رأسهم الملك الراحل الحسن الثاني، وزين العابدين بن علي الرئيس الأسبق لتونس، والشاذلي بن جديد الرئيس الأسبق للجزائر، والزعيم الليبي آنذاك معمر القذافي، ومعاوية ولد سيدي أحمد الطايع رئيس موريتانيا آنذاك.
لكن ومنذ تاريخ الإعلان، أي 17 فبراير من عام 1989 إلى اليوم وبعد مرور 32 سنة، لم تتحقق أهداف الاتحاد المغاربي بسبب الخلافات السياسية، وبذلك تم هدر فرص هائلة للتنمية والتكامل الاقتصاديين.
كان من أبرز أهداف الاتحاد المغاربي تحقيق التنمية الصناعية والزراعية والتجارية والاجتماعية للدول الأعضاء، واتخاذ ما يلزم من وسائل لهذه الغاية وخاصة عبر إنشاء مشروعات مشتركة وإعداد برامج عامة ونوعية.
كما نصت وثيقة معاهدة إنشاء الاتحاد على العمل على تحقيق تقدم ورفاهية المجتمعات والدفاع عن حقوقها، والعمل تدريجياً على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال فيما بينها.
وسلطت عدد من الدراسات الدولية الضوء على النتائج السلبية لعدم تحقق أهداف الاتحاد المغاربي؛ من بينها تكبد اقتصادات الدول خسائر هائلة، ذلك أن الاندماج كان سيتيح سنوياً خلق مئات الآلاف من فرص العمل ويحقق التكامل بين الدول نظراً لتنوع ثرواتها.
ومنذ سنوات، ارتفعت الدعوات لبث الروح في اتحاد المغرب العربي والتركيز على المصالح الاقتصادية لتجاوز الخلافات السياسية؛ لكن استمرار عداء الجزائر للمغرب بسبب قضية الصحراء يمثل حجر عثرة في سبيل تحقق الطموح المغاربي.
استثناء عالمي
تمثل المنطقة المغاربية اليوم إحدى المناطق الأقل اندماجاً في العالم اقتصادياً وسياسياً وهي بذلك استثناء عالمي، بحيث تسجل نسبة المبادلات التجارية داخل المنطقة أقل من 5 في المائة من إجمالي التجارة الخارجية للبلدان المغاربية.
وقد أشار تقرير لصندوق النقد الدولي صدر سنة 2018 إلى أن زيادة الاندماج بين البلدان المغاربية ستكون له انعكاسات إيجابية من الناحية الاقتصادية، بحيث سيخلق سوقاً إقليمية تشمل قرابة 100 مليون نسمة، وسيجعل المنطقة أكثر جاذبية للاستثمار الأجنبي المباشر وسيساعد على خفض تكاليف التجارة داخل المنطقة وحركة رأس المال وحركة اليد العاملة، كما أنه سيجعل المنطقة المغاربية أكثر مرونة لمواجهة الصدمات وتقلبات السوق.
وأكد التقرير أن اندماج الدول المغاربية يمكن أن يساهم في زيادة النمو بحوالي نقطة مئوية في كل بلد على المدى الطويل، كما يمكن أن تتضاعف التجارة الإقليمية البينية نتيجة الاندماج وبالتالي دعم النمو ورفع مستويات التوظيف للشباب الذين يمثلون الفئة الأكبر في البلدان الخمسة.
وحتى يتحقق الاندماج، أوصى صندوق النقد الدولي بخفض حواجز التجارة والاستثمار، وربط شبكات البنية التحتية، وتحرير أسواق السلع والخدمات ورأس المال والعمل، والإزالة التدريجية للحواجز أمام التجارة، على أن يكون هذا الاندماج مكملاً لاندماج بلدان الاتحاد عالمياً.
تنوع الثروات
تصل مساحة دول الاتحاد المغاربي إلى حوالي 6 ملايين كيلومتر مربع، وتشترك في كثير من جوانب التاريخ والثقافة واللغة، وإن كانت متقاربة من الناحية الجغرافية فهي متنوعة من الناحية الاقتصادية وهو عنصر مهم للتكامل الاقتصادي.
تحتل الجزائر وليبيا مكانة مهمة في تصدير الغاز والنفط، في حين تمتاز موريتانيا بإنتاج الحديد الخام، أما المغرب فهو يتسم بتنوع اقتصادي جيد ويحتل مكانة مهمة كمصدر للمنتجات الزراعية والسيارات والأسمدة، في حين نجد لدى تونس إمكانات هائلة في المكونات الكهربائية وزيت الزيتون والملابس.
وتجعل المميزات سالفة الذكر التجارة داخل المنطقة المغاربة تكاملية بدرجة كبيرة، إذ إن هيكل صادرات البلدان مطابق لمحتوى وارداتها، ومماثل أيضاً لمحتوى واردات الشركاء التجاريين الرئيسيين للبلدان المغاربية من خارج المنطقة.
لكن الواقع يبين أن كل بلد لديه علاقات اقتصادية قوية مع بلدان أخرى من الاتحاد الأوروبي، بالنسبة للمغرب فإن إسبانيا وفرنسا هما أكبر شريكين اقتصاديين للمملكة، كما أن تونس ترتبط ببلدان أخرى أكثر مثل إيطاليا، في حين نجد أن الجزائر أقل انفتاحاً على الاقتصاد العالمي.
الرباط والجزائر
يستضيف المغرب جهاز أمانة الاتحاد المغاربي التي يرأسها التونسي الطيب بكوش، وقد سبق أن روج هذا الأخير لقرب انعقاد قمة رؤساء الاتحاد في السنوات الأخيرة؛ لكن ذلك لم يتحقق، بحيث تعود آخر قمة للرؤساء إلى سنة 1994 في تونس.
وقد أقر البكوش، في تصريحات صحافية سابقة، بأن استمرار إغلاق الحدود المغربية الجزائرية يعرقل بناء الاتحاد المغاربي؛ وهو ملف شائك وسيستمر كذلك ما دامت الجزائر متعنتة في حل الخلافات مع الرباط خصوصاً ملف الصحراء، بحيث تدعم بشكل كبير جبهة البوليساريو الانفصالية.
وكان الملك محمد السادس قد أطلق مبادرة غير مسبوقة سنة 2018 تتمثل في دعوة الجزائر إلى فتح حوار “مباشر وصريح” من أجل تجاوز الخلافات عبر آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور؛ لكن المبادرة لم تلق التجاوب المرجو.
وتكشف التصريحات الرسمية الصادرة عن الجزائر في السنوات الأخيرة عدم الرغبة في تجاوز الخلافات مع الرباط، حيث اشتد عداؤها بعد اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، وباتت تجعل من النزاع قضية أولوية لها على الرغم نت الوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي الهش الذي تعيشه.
هدر 60 مليار دولار
يقول إدريس الفينة، الخبير الاقتصادي ورئيس المركز المستقل للتحليلات الإستراتيجية، إن حلم الاتحاد المغاربي طال انتظاره من طرف شعوب المنطقة، وأكد أن “مستوى الوعي بالتحديات المستقبلية المطروحة هو الوحيد الذي سيدفع مكونات هذه المنطقة إلى البحث عن خلق تجمع اقتصادي لفائدة تطورها”.
وذكر الأستاذ الجامعي، أن “دول المنطقة التي تمثل سوق استهلاك يناهز 100 مليون نسمة وناتج داخلي إجمالي يناهز 385 مليار دولار أضاعت فرصة الاستفادة من إمكانياتها المشتركة، ولم تستطع تحويل هذا المجال ذي الموقع الإستراتيجي إلى قوة اقتصادية مهمة قادرة على تحسين رفاهية شعوب هذه المنطقة”.
وأشار المتحدث إلى أن “حجم المبادلات بين دول الاتحاد يبقى جد ضعيف ولا يتجاوز 1,5 مليارات دولار”، وزاد قائلاً: “كل المعطيات الرقمية تدل على أن هناك إهداراً سنوياً يناهز 30 إلى 60 مليار دولار من القيمة المضافة التي كان بالإمكان أن تستفيد منها مجمل هذه الاقتصاديات لو تمكنت من خلق تكاملات مفيدة بينها”.
وحسب الخبير الاقتصادي المغربي، فإن كل اقتصاد يتوفر على مؤهلات وخصوصيات تسمح له من جعلها رهن إشارة باقي اقتصاديات المنطقة، موضحاً أن “هذا المجال الجغرافي يتوفر على الطاقة والماء والرأسمال البشري وبحار شاسعة وجبال ورمال ومعادن متعددة، كما يتوفر على بنيات صناعية متكاملة”.
المصدر: هسبريس