في دعوة لـ “الحفاظ على جذوة الأمل متقدة بل مشعة في سماء الوطن الحبيب”، التمس امحمد الخليفة، القيادي في حزب الاستقلال والوزير السابق، من الملك محمد السادس العفو عن الصحافيين توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني والمؤرخ المعطي منجب.
ونفى الخليفة، أن تكون هناك أي رسالة موجهة إلى الملك حول الأمر؛ بل قال إن الأمر يتعلق بـ”مقال نشرته في جريدة أخبار اليوم، أطلب فيه عفو صاحب الجلالة على هؤلاء المعتقلين الثلاثة ومن في حكمهم من الصحافيين”.
وبعدما ذكّر الخليفة بقيمة العفو في الإسلام، كتب في مقاله أن هذه القيمة تدفعه بـ”وطنية صادقة حتى العبادة لهذا الوطن، الذي لا نملك في هذه الدنيا سواه ولا هم لنا في دنيانا إلا همه ليكون سيد الأوطان والمثل الأعلى والنموذج المرتجى لأمتنا الإسلامية، أن أتوجه إلى مقام صاحب الجلالة الملك محمد السادس دام عزه وعلاه وهو المنوط بجلالته كأمير المؤمنين إصدار العفو كقيمة من قيم الإسلام الخالدة، ودستوريا كما ارتضاه جلالته في دستور المملكة”.
وزاد الخليفة طالبا من ملك البلاد أن يتفضل بـ”إصدار عفوه على الصحافيين توفيق بوعشرين وسليمان الريسوني ومن في حكمهما والأستاذ الجامعي المعطي منجب. وليحفظ المولى سبحانه جل وعلا ملكنا محمدا السادس، ويمتعه بالصحة والسلامة والعافية ومديد العمر المبارك فيه، ويجعل النصر حليفه إنه سميع مجيب”.
ويستحضر القيادي في حزب الاستقلال والوزير السابق ما جرى من “سلخ” ثلاث سنوات كاملة من عمر الصحافي توفيق بوعشرين “وراء قضبان السجن، بسبب اتهامه بارتكاب جرائم خطيرة لم يستسغها إلى الآن كل ذي فكر قانوني سليم وضمير حر نزيه، فبالأحرى أن يقتنع باجتراحه لها، كما أن أحدا لم يؤمن بتوصيف سلطة الاتهام وتكييفها لتلك الأفعال الشائنة المنسوبة إليه القاسية في تفسير القانون الجنائي، قسوة كوصف أي إنسان مهما كان بالاتجار بالبشر”.
ويكتب الخليفة أنه يجد نفسه “وقد تسربل الأمل باليأس القاتل، وتدثر الرجاء المأمول بالإحباط الشمولي، حتى لا نكاد نرى بالأفق إلا ظلاما دامسا، نفتقد فيه البوصلة والرؤيا الواضحة ونحن الذين كنا إلى الأمس القريب ننشر الآمال العريضة، ونبشر بها، ونحارب اليأس..”، ليقول بعد ذلك: “لتبقى جذوة الأمل متقدة بل مشعة في سماء الوطن الحبيب، أجدني لفتح بوابة أمل العفو أن نرجع إلى النبع الصافي – للتذكير في هذه المناسبة بأهمية العفو في قيمنا الإسلامية الخالدة وتاريخنا الوطني”.
ويزيد القيادي الاستقلالي: “العفو.. هذه الكلمة الجميلة الرائعة التي لعلها ذكرت في قرآننا الكريم حوالي خمس وثلاثين مرة (…) أهمها وصف المولى سبحانه وتعالى بالعَفُو الغفور، وفي سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، نجد أن نبينا عند فتحه مسقط رأسه، ومهبط الوحي الأول، مكة المكرمة أهدر دم الكثير من المشركين الذين حاربوا دعوته، وناصبوه العداء، وعند دخوله مكة قال “اذهبوا فأنتم الطلقاء” مجسدا كل معاني العفو في قيم الإسلام الخالدة”.
ويضيف الخليفة، في السياق ذاته: “كان ممن أهدر نبينا دمهم الشاعر كعب بن زهير، ومن الذين قال في حقهم: يقتلون ولو تعلقوا بأستار الكعبة، وعندما وصل هذا الشاعر إلى المدينة المنورة وهو المهدور دمه، وألقى بين يدي نبينا (ص) قصيدته الشهيرة “بانت سعاد” في مدح الرسول (ص) لم يتمالك عليه السلام أن يزيل عليه رداءه، ليلف به جسد كعب بن زهير، ويخلع عليه بردته، إعلانا بأن الأمر تجاوز مبدأ العفو إلى اقتسام لبس الجبة الواحدة أمام أعين الصحابة في المسجد النبوي؛ ذلك كان أسمى إعلان للعفو عرفته قيمنا وتقاليدنا الإسلامية تجسيدا لقوله تعالى: “خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين””.
واستحضر الخليفة مواقف من التاريخ المغربي انتُصر فيها لقيمة العفو في الإسلام، حيث يقول: “المغفور له الملك محمد الخامس قدس الله روحه كان مثالا صادقا صارخا لتطبيق معنى ودلالة كلمة العفو في معناها الإسلامي، فعندما انتصر في معركة الاستقلال، وفي طريق رجوعه من منفاه للمغرب قال للباشا التهامي الكلاوي: الماضي فات، ارفع رأسك، وقد كان ساجدا تحت رجلي محمد الخامس في فرنسا، وتم العفو الذي تعلمنا من دروسه، ونحن في بداية مراهقتنا السياسية، أن العفو عند المقدرة هو أشد أنواع الانتقام، وأن ذلك ترسيخ لمفهوم العفو كقيمة مثلى من قيم ديننا الحنيف”.
كما استشهد الخليفة بموقف للملك الحسن الثاني، لمّا خلع سلهامه من أعلى كتفيه، وألبسه بيده في مدينة أكادير زمن المسيرة الخضراء للمرحوم خطري ولد سيدي سعيد الجماني، في تأس بالنبي الكريم، و”إشارة قوية وإيذان ببناء عهد جديد، وتحرير جزء من وطن، وبناء وحدة متكاملة للأرض وللإنسان من طنجة إلى الكويرة”.
كما يتذكر الوزير السابق عفو الملك الراحل الحسن الثاني على “الصحافي المناضل الصبور الملتزم بمبادئ حزبه حتى لقي ربه المرحوم سيدي محمد الإدريسي القيطوني رحمه الله، في نفس يوم صدور الحكم عليه بالسجن من محكمة الرباط، عندما كان يحاكم الصحافيون بالسجن تحت ستار اعتصام الشرفاء القيطونيين بضريح محمد الخامس؛ لكن الحقيقة كانت أبعد من ذلك، إذ المرحوم الحسن الثاني لم يكن يريد صحافيين في سجون مملكته، ومهما يكن التصريف السياسي للأمر فإن الأساس هو أن التاريخ سيذكر أن ملك المغرب حافظ على قيمة سياسية في الإسلام متجلية في “مبدأ العفو””.
تجدر الإشارة إلى أن دستور 2011 ينص على أن “الملك يمارس حق العفو”، وينص الظهير الشريف المتعلق بالعفو على أنه “يمكن إصداره سواء قبل تحريك الدعوى العمومية أو خلال ممارستها أو على إثر حكم بعقوبة أصبح نهائيا”.
المصدر: هسبريس