بتسليمها مسودة التعديلات التي قامت بها إلى رئيس الحكومة يكون عمل اللجنة المكلفة بتعديل مدونة الأسرة انتهى رسميا، تاركة الفرصة للمؤسسات الأخرى، بما فيها المؤسسة الملكية التي ستنظر في طبيعة التعديلات، ثم البرلمان الذي ستكون له مهمة التصويت على الصيغة النهائية للقانون الأسري للبلاد.
وفي خطوة ذات أبعاد مؤسساتية وتشاركية استقبلت اللجنة التي شُكلت من ممثلين عن مختلف القطاعات عددا مهما من التنظيمات الحزبية والسياسية وفعاليات المجتمع المدني، محاولة بذلك الاستماع إليها والأخذ بمقترحاتها قصد بلورتها في ما بعد، في إطار مدونة تسري على جميع الأسر المغربية.
وشكل تعديل المدونة بذلك محطة برزت من خلالها التجربة المغربية في تفعيل آليات الديمقراطية التشاركية التي يؤكد عليها دستور البلاد الصادر سنة 2011، إلى جانب محاولة التوفيق بين مختلف الرؤى والآراء والمرجعيات بغية الوصول في نهاية المطاف إلى تشريع يجمع ويوحد أكثر مما يفرق.
أسلوب حكم
محمد شقير، الكاتب والمحلل السياسي، قال إن “تشكيل لجنة ومنحها صلاحيات استقبال مقترحات الهيئات خلال ستة أشهر يظل من صميم الديمقراطية التشاركية التي حرص الملك محمد السادس على العمل بها منذ اعتلائه العرش، خصوصا في قضايا محورية وذات خاصية معينة، وهو ما لمسناه خلال عدد من المحطات المهمة”.
وأكد شقير في تصريح لهسبريس أن “هذه الصيغة التشاركية كانت حاضرة كذلك خلال تعديل الدستور الذي كان بنفسه ثمرة آلية تشاركية، ثم تكرر الأمر مع النموذج التنموي الجديد الذي تم تكليف لجنة بخصوصه عملت على تجميع المقترحات وبلورتها في إطار وثيقة رسمية نهائية”، لافتا إلى أن “اعتماد الصيغة التشاركية نفسها في ما يخص مدونة الأسرة تم لكونها ذات أبعاد اجتماعية ومجتمعية”.
وبيّن المتحدث ذاته أن “المدونة في شموليتها ترتبط ببنية المجتمع ومستقبله وبنية الأسرة والعلاقة بين الأبناء والآباء، ولذلك كان منتظرا أن يتم العمل بخطة تشاركية، وهو ما حدث بعد أن جرى تشكيل اللجنة من شخصيات تمثل مختلف القطاعات الإستراتيجية، ومن ثم انطلاقها في رحلة الاستقبال وتلقي المقترحات، وهو ما نتج عنه رفع التعديلات الى رئيس الحكومة حتى يتم الحسم بخصوصها من قبل الملك”.
وأشار الكاتب والمحلل السياسي ذاته إلى “عدم وجود هيئات أو تنظيمات اشتكت من عمل اللجنة أو اشتكت من تغييبها، إذ جرى الاستماع إلى مختلف الأطراف، هيئات مدنية وأحزابا سياسية، وهو عمل تم خلال الأشهر الستة الأخيرة التي لم تكن لتخلو بدورها من صراعات وتجاذبات بين فاعلين سياسيين وحزبيين حول الموضوع، إذ حاول البعض استغلاله للضرب في الفرقاء الآخرين”.
ملف حساس
قال رشيد لزرق، أستاذ جامعي رئيس مركز شمال أفريقيا للدراسات والأبحاث وتقييم السياسات العمومية، إن “كون مدونة الأسرة قانونا حساسا ويهم المجتمع المغربي برمته هو ما استوجب تعديلها في إطار تشاركي، وبانخراط من مختلف المؤسسات الوطنية تحت إشراف المؤسسة الملكية التي تمثل إمارة المؤمنين”.
وأضاف لزرق، في تصريح لهسبريس، أن “هذه المقاربة التشاركية هي نفسها التي جرى اعتمادها في تعديل الدستور سنة 2011، ورأينا كيف آتت أكلها في ما بعد؛ فهي في الأساس تظل وصفة ينفرد بها المغرب بالمنطقة، ويشكل من خلالها إضافة للتجارب الدولية المقارنة في هذا الإطار”.
وأكد المتحدث ذاته أن “الملك محمدا السادس أخذ بعين الاعتبار هذا المعطى، وحاول بلورته على أرض الواقع بما يخدم التوجه العام نحو مفهوم دولة المؤسسات والهوية المغربية الجامعة”، مبرزا أن “اللجنة التي تم تأليفها في هذا الصدد عملت على تقريب مختلف وجهات النظر التي ظلت متباعدة نوعا ما، خصوصا في ملف حساس كمدونة الأسرة”.
ولفت الجامعي نفسه إلى أن “آلية الديمقراطية التشاركية مكنتنا من إنجاح مرحلة مهمة في التعديل، وهي الإنصات للآراء والفعاليات، وقد تمكنت اللجنة من القيام بذلك في ستة أشهر، وهو الوقت الذي أكد عليه الملك خلال رسالته إلى رئيس الحكومة في شتنبر الماضي؛ على أن تأتي مرحلة أخرى مهمة، وهي المتعلقة بإحالة النص الموافق عليه من قبل الملك على البرلمان”.
المصدر : هسبريس