جغرافيا

تونس: الاحباط يجبر المخضرمين على مغادرة المشهد السياسي

أثارت مغادرة عدد من السياسيين المخضرمين المشهد السياسي التونسي تساؤلات عدة حول أسباب هذا القرار وتبعاته على الساحة السياسية، ففي حين اعتبر بعض المراقبين أنه نتيجة حالة الإحباط العام التي تسود الشارع التونسي وتراجع الثقة في السياسيين عموما في البلاد، فيما ذهب آخرون إلى اعتبار الأمر مجرد «مناورة» بهدف إعادة التموضع داخل الساحة السياسية.
وكان بو جمعة الرميلي القيادي البارز في حزب «تونس أولا» وأبرز مؤسسي حزب «نداء تونس» أعلن مؤخرا التخلي عن أي نشاط سياسي سواء داخل حزبه أو أي حزب آخر، مشيرا إلى وجود «طاقات وكفاءات داخل تونس أولا وخارجه قادرة على مواصلة المسيرة بنجاح»، فيما أعلن محمد بالنّور أبرز مؤسسي حزب «التكتل الديمقراطي» في 2016 استقالته من الحزب، داعيا إلى تجديد قيادة الحزب واستخلاصه العبر من تجاربه الفاشلة داخل الحكم وخارجه.
ويعلق الباحث والمؤرخ الدكتور عبد اللطيف الحنّاشي (رئيس المنتدى المغاربي للتنمية والديمقراطية) على ذلك بقوله «بو جمعة الرميلي لديه تجربة سياسية مهمة خاصة في الحزب الشيوعي وحركة التجديد، كما أنه أسس لاحقا مع سياسيين آخرين حزب نداء تونس بهدف تجميع هذه القوى ضد مشروع حركة النهضة، ولكن يبدو أنه بعد تجربته في نداء تونس أصيب بخيبة عميقة مع عدد من الشخصيات الأخرى التي غادرت الحزب وأسست أحزاب أخرى، وهو نفسه أسس حزب «تونس أولا» مع رضا بلحاج ولكن يبدو أن الخلافات داخل الحزب الجديد تفاقمت وضاعفت من إحباطه لأنه كان يعتقد أن لديه القدرة هو وهذه المجموعة على تقديم بديل (عن النداء) وكان يفترض أن تلتحق بهم قواعد وإطارات (قيادات) من نداء تونس (داخل البرلمان وخارجه) لكن يبدو أن ذلك لم يحدث، وظل هذا الحزب الجديد عبارة عن مجموعة غير مؤثرة في الساحة السياسية والإعلامية وحتى في محاولاتها الانتشار في الداخل، فهي لم تكسب أي قواعد أو على الأقل لم نسمع بأنها تمكنت من تأسيس فروع داخل البلاد، ويظهر أنه أحبط (كما أسلفت) إذ ليس من السهل لشخصية مثل بو جمعة الرميلي أن تستقيل أو ترمي المنديل كما يقال».
وأضاف في تصريح خاص لـ «القدس العربي»: «الأمر مختلف بالنسبة لمحمد بالنور فهو لديه خلافات عميقة مع حزب التكتل منذ أن كان في الترويكا ولكنه نتيجة لتأريخه وعلاقته الجيدة مع مصطفى بن جعفر استمر في الحزب، ولكن الخلافات مع حزب التكتل لم تنته بخروجه من الترويكا، حيث شعر بالنور أنه لم يعد لديه مكان في الحزب لأن لديه رؤية مخالفة لتوجه التكتل القديم والجديد، وخروجه كان منتظرا منذ زمن».
ويذهب بعض المراقبين لتقديم قراءة مختلفة لخروج السياسيين المخضرمين من الساحة وابتعادهم عن الفعل السياسي، تتعلق بوجود «حسابات سياسية» أخرى قد تدفعهم مجددا للعودة إلى تصدر المشهد من بوابة أخرى.
ويقول سمير بن عمر رئيس الهيئة السياسية لحزب «المؤتمر من أجل الجمهورية»: «أعتقد أن خروج السياسيين من المشهد التونسي هو مجرد مناورة للابتعاد عن التجاذبات التي تشق الساحة السياسية حاليا في انتظار توقيت أفضل لإعادة التموضع في الساحة السياسية والحزبية، خاصة أن أغلب السياسيين الذين أعلنوا في وقت سابق مغادرتهم، تبين لاحقا أن الأمر مجرد حركة دعائية (فرقعة إعلامية) إذ سرعان ما عاد هؤلاء للمشهد السياسي سواء من بابه أو من نوافذه الجانبية».
ويضيف رياض الشعيبي رئيس حزب «البناء الوطني» لـ «القدس العربي»: «من المؤسف أن نجد بعض المناضلين والفاعلين السياسيين يغادرون مجال النشاط العام لأن هذا خسارة لأسرة السياسية التونسية في مرحلة أعتقد أن التونسيين كلهم يحتاجون لفعل سياسي حقيقي، لأن خروج هؤلاء يفتح المجال لأشخاص آخرين لدخول العمل السياسي لغايات وأهداف شخصية أكثر منها خدمة المصلحة العامة، لكن يبدو أن حالة الإحباط العام التي تسود الآن في الشارع التونسي أثرت سلبا في السياسيين، ونتمنى ألا تستفحل هذه الظاهرة لأن هذا سيخلق فراغا حقيقيا ربما يكون أحد المداخل لإفشال عملية الانتقال الديمقراطي».

إغلاق