أخبار
الزهراوي: فلسطين تسكن وجدان العرب.. والمغرب يتعامل بمنطق “الأمواج العاتية”
يرى الدكتور محمد الزهراوي، أستاذ العلوم السياسية، أن حركة حماس أخطأت التقدير في بداية الحرب، سواء من حيث التوقيت أو السياق أو الأدوات والتحالفات، مبرزا أن الحرب على غزة كشفت أن القضية الفلسطينية لا تزال محورية ومركزية في وجدان الشعوب العربية.
وأضاف الأكاديمي ذاته، في مقال توصلت به هسبريس معنون بـ”المغرب وإسرائيل وإيران وغزة… محاولة للفهم”، أن المغرب تعامل بمنطق الأمواج العاتية، وفضل عدم معاكسة المزاج العام، مشيرا إلى أن المملكة المغربية بدت غير مطوقة باتفاقية التطبيع.
وهذا نص المقال:
– الأحداث الدرامية المتسارعة في غزة، والإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكانها، كشفتا حقائق قديمة ترتبط أساسا بسيادة واستمرارية التوازنات التي سادت منذ نهاية الحرب الباردة، وهنا يمكن فهم الدعم الغربي اللامشروط لإسرائيل، لاسيما أمريكا وإنجلترا وفرنسا وألمانيا. فنظرية القوة في العلاقات الدولية هي المفتاح لفهم ما يقع، وأن من يملك القوة هو صاحب الحق، وحتى السفسطائيون عبروا عن ذلك قبل بروز هذه النظريات عندما أكدوا على أنه ليس هناك فرق بين الخير والشر، بين الظلم والعدل، بل القوة هي الحق. وما تفعله إسرائيل اليوم، من خلال تدمير غزة والإفراط في استعمال القوة، هو جعل هذه الرقعة الجغرافية غير صالحة للعيش، ودفع السكان إلى الهجرة قسرا أو طوعا.
– إيران لاعب استراتيجي وإقليمي قوي، حيث صارت الدولة الصفوية تنافس وتفاوض الغرب بأوراق استراتيجية بعد بسط سيطرتها على بعض العواصم العربية، فبعدما كانت إسرائيل تدرس وتخطط لضرب إيران دون الحصول على غطاء أمريكي، انقلبت الآية وأصبحت إيران هي التي تهدد وتهاجم إسرائيل انطلاقا من أربع دول عربية (لبنان، سوريا، العراق واليمن). إذ هي التي تحرض وتهاجم خارج حدودها وفق تكتيكات مدروسة، مسنودة بذراع إعلامية توجه عقول السنة والشيعة نحو “الضعف العربي”، في حين يمكنها على الأقل أن تضغط وتدعم الفلسطينيين من خلال الضغط بإغلاق مضيق هرمز، دون انتظار صواريخها الطائشة التي لا تزال تخطئ مسارها.
-حماس كحركة مقاومة أخطأت التقدير في بداية الحرب، سواء من حيث التوقيت أو السياق أو الأدوات والتحالفات. بشأن التوقيت، فالحكومة اليمينية في إسرائيل كانت مفككة وضعيفة، ونتنياهو شبه معزول سياسيا. إلا أن ضربة حماس رغم أنها أضعفت صورة “إسرائيل القوية عسكريا واستخباراتيا “، فهي ساهمت في توحيد كافة الأطياف السياسية والحزبية والدينية، مع الأخذ بعين الاعتبار دخول حماس الحرب دون غطاء عربي، خاصة بعض القوى الإقليمية التي يمكنها الضغط لغايات إنسانية كما وقع في الحروب السابقة.
-كشفت الحرب على غزة أن القضية الفلسطينية لا تزال محورية ومركزية في المخيال الشعبي وفي وجدان الشعوب العربية، وأن التعاطف العربي على المستوى الشعبي لم يتراجع، رغم أن الجيل الشبابي الحالي لم يعاصر إرهاصات وبدايات النزاع العربي- الإسرائيلي. أما على المستوى الرسمي، فالدول العربية باتت أكثر ميلا إلى “الدولة القطرية” بالمفهوم المكيافيلي، إذ صارت هذه الدول أكثر وضوحا في التعبير عن مصالحها الوطنية/ الدولتية، وبعيدا عن الشعارات القومية وحتى الدينية. وهنا يمكن فهم موقف دول الطوق، خاصة مصر والأردن وسوريا بشار، ودول الخليج والمغرب الكبير.
– بالنسبة للمغرب، وارتباطا بالمواقف الرسمية للدول العربية وإشكالية تدبير التعبيرات الشعبية، لم يخرج المغرب عن هذا الإطار، فالسلطة حاولت أن تجاري الوضع، وإن لم يكن ذلك سهلا، بطريقة تراعي الغضب الشعبي وتستحضر الالتزام الرسمي تجاه القضية الفلسطينية، لاسيما أن الإبادة الجماعية التي تعرض ويتعرض لها الفلسطينيون تجاوزت كل الحدود. تعامل المغرب بمنطق الأمواج العاتية، التي عادة ما تتطلب الانتظار والتريث حتى يعود الهدوء، وترك الشارع وفضل عدم معاكسة المزاج العام. لكن هل تحلل المغرب من الاتفاق الثلاثي؟؟ من السابق لأوانه الإجابة عن هذا السؤال، غير أن المملكة بدت أنها غير مطوقة باتفاقية التطبيع كما كان متوقعا.
على العكس من ذلك، يمكن استثمار التحولات الجارية لمراجعة الاتفاقية الثلاثية بما يخدم مصالح المغرب الوطنية، خاصة أن إدارة بايدن ظلت أكثر من سنتين ترفض التعبير عن موقفها تجاه قضية الوحدة الترابية، في حين أن بايدن وبلينكن حضرا مجلس الحرب الإسرائيلي. بل وقعت امريكا شيكا على بياض لإسرائيل، ووصل الأمر حد التماهي مع سياساتها، في تناقض تام مع “أطروحة مصالح أمريكا أولا” ومقتضيات التكييف والتطابق، هذه “الأطروحة” التي يتم إشهارها وتوظيفها عندما يتعلق الأمر بأصدقاء وحلفاء أمريكا مثل المغرب.
ثمة أشياء وحلقات مفقودة في الاتفاق الثلاثي، لكن من الواضح أن هناك محاولة لحشر المغرب في الزاوية، وتجريده من أهم الأوراق، لاسيما أن مكاسب التطبيع لم تتجاوز مستويين: الأول، عدم إصدار مجلس الأمن قرارا يدعو المغرب إلى الخروج من الكركرات. والمكسب الثاني، التعاون العسكري وتحديث الترسانة العسكرية المغربية، وهنا بدت إسرائيل أكثر تحمسا وجدية من أمريكا.
– مشاهد التعبئة والحشد لعب فيها الإسلاميون دورا بارزا إلى جانب باقي الأطياف الأخرى. مشهد يعيد إلى الأذهان التجارب السابقة، إذ يحاول الإسلاميون العودة إلى المشهد في الرقعة العربية عبر بوابة غزة، بعدما تراجعت شعبيتهم بشكل كبير. تراجع ارتبط بعدة عوامل وسياقات، رغم اختلافها إلا أنها على ما يبدو ساهمت في إنهاء تجربة الإسلام السياسي في بعض الدول العربية.
– اتساع موجة التخوين والطائفية في صفوف المجتمعات، ففي الحالة المغربية يمكن الإشارة إلى ملاحظتين أساسيتين:
الأولى: اتساع دائرة العداء للمكون اليهودي العبراني. معطى يرتبط بشكل مباشر بما تفعله إسرائيل في غزة. إذ أن مشاهد القتل والبطش تقوي وتغري التيارات الجهادية المتطرفة لإعادة إنتاج خطاباتها التحريضية والعدوانية التي تنهل من قاموس ديني تم تحريفه.
الثانية: هناك خلط على مستوى مفهوم التطبيع بين المفهوم السياسي والمفهوم الشعبي، أدى إلى نوع من التخوين والانقسام في بعض الأوساط. إذ لا يختلف اثنان على أن القضية الفلسطينية قضية إنسانية بالدرجة الأولى، وبالتالي فالتطبيع في شقه الرسمي والسياسي يحاول أن يقدم أجوبة جيوسياسية مرتبطة بالتحالفات والدفاع عن المصالح العليا للبلاد. أما التطبيع الشعبي فيستلزم شروطا أخرى، غير أنه مستبعد في ظل الظروف الراهنة، حيث إن إسرائيل بممارساتها الانتقامية ضد سكان غزة العزل أعادت عقارب الساعة إلى الوراء.
لذلك هناك من يحاول أن يحدث انقساما مجتمعيا من خلال اجترار ثنائية من مع التطبيع ومن ضده!!! أسئلة مسمومة وغريبة عن البيئة المغربية، وغايتها تصفية الحسابات السياسية وحتى الشخصية.
التطبيع أو إعادة العلاقات الدبلوماسية مع مختلف الكيانات هي خيارات دول بالدرجة الأولى، تتم وفق تقديرات معينة وحسب المصلحة. أما التعبيرات الشعبية وإن كانت محكومة بهواجس عاطفية، فلا يمكن القفز عليها وتجاوزها، خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا ذات أبعاد إنسانية وعقائدية.