أخبار

بنيس يواكب تطور السياسة اللغوية بالمغرب.. من التعدّد إلى التعددية

يواصل سعيد بنيس، أستاذ التعليم العالي بجامعة محمد الخامس بالرباط، تسليط الضوء على المسألة اللغوية في المغرب، بإصداره كتابا جديدا بعنوان “من التعدد إلى التعددية.. محاولة لفهم رهانات السياسة اللغوية بالمغرب”، تم تقديمه، مساء الجمعة، في لقاء بمقر المكتبة الوطنية بالرباط.

ويَعتبر بنيس أن مسألة التعددية اللغوية في المغرب لا تزال في “حالة غير مكتمِلة”، لكنه في الآن نفسه يرى أن الدينامية اللغوية بالمملكة تمهّد للانتقال من التعدد كحالة طبيعية إلى التعددية كفعل سياسي ومؤسساتي، يقول جمال المحافظ، رئيس المركز المغاربي للدراسات والأبحاث في الإعلام والاتصال.

وأردف المحافظ أن الكاتب ينطلق من استنتاج رئيسي مفاده أن السياسة اللغوية التي تهتم باستراتيجية التعددية اللغوية تشكل أهم ضامن للهوية الثقافية والاجتماعية، وأنها بمثابة الحجر الأساس الذي يقوم عليه كل الرأسمال الاجتماعي المشترك، لكنه يشدد على أنه لا يمكن للسياسة اللغوية، باعتبارها عنصرا من عناصر “القوة الناعمة”، أن يكون لها تأثير في ظل تعددية لغوية غير مكتملة، وفي ظل عدم اكتمال التفعيل الرسمي التام للثنائية اللغوية الدستورية (العربية والأمازيغية).

ولفت إلى أن بنيس ينادي بـ”استتباب الأمن اللغوي”، ومقاومة تأثيرات العولمة عليه، ويؤكد “عن سبق إصرار أن البيئة اللغوية الحالية تشكل بيئة ملائمة لتحقيق التعددية اللغوية، سواء داخليا أو على المستوى الخارجي، حيث تلتقي اللغات المغربية مع لغات أخرى كالفرنسية والإنجليزية في سوق لغوية واقعية وافتراضية (الأنماط التعبيرية المستعملة في الفضاء الرقمي).

ولم يكتف بنيس في كتابه الواقع في 224 صفحة، يردف المتحدث، بتشخيص واقع التعددية اللغوية في المغرب، ومقاربته على المستوى السوسيو ثقافي، بل تعدى ذلك إلى طرح مجموعة من الأسئلة الجوهرية، التي تهم موقع الأنساق التعددية اللغوية في ضبط مكونات الوطنية بالنظر إلى مقتضيات الدستور المغربي، وكيف يمكن فهم تمفصلات التنمية الديمقراطية وقيم الانتماء والعيش المشترك في علاقته بآليات السياسة اللغوية، وإلى أي حد يمكن اعتبار أجرأة التعددية اللغوية عنصرا من عناصر الحداثة المغربية بصيغتها الترابية.

وخلص المحافظ إلى أن من بين الاستنتاجات الأساسية التي انتهى إليها بنيس في كتابه أن إقرار سياسة لغوية تعترف بجهوية تتأسس على التنوع الثقافي والتعدد اللغوي يمثل أساس مقومات الحداثة المغربية.

ويقترح بنيس في كتابه بناء سياسة لغوية داخل فلسفة حداثية ترابية ترتكز على خصوصية وفرادة المغربية، منبها إلى أن البطء في تفعيل الثنائية اللغوية المنصوص عليها دستوريا في الحياة العامة يمكن أن يؤدي إلى “بيئة لغوية هجينة”.

مغاربة العالم والتعددية اللغوية

إدريس اليزمي، رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج، قال إن المسار الإصلاحي الذي عرفه المغرب تفاعل مع عدد من التحديات، منها تحدي التعددية اللغوية، منطلقا من هذا التحدي في علاقته بمغاربة العالم.

وأشار اليزمي إلى أن من بين السمات الأساسية للجالية المغربية بالخارج أنها ما زالت تعيش نموا ديمغرافيا مستمرا، إذ يهاجر ما بين 15 ألف مواطن مغربي و20 ألفا سنويا إلى الخارج بطريقة شرعية.

 

وأوضح أن هناك “عولمة” لوجود المغاربة في الخارج، لافتا إلى أنه في تسعينيات القرن الماضي كان عدد المهاجرين المغاربة في إسبانيا أقل من 100 ألف مهاجر، قبل أن يتجاوزوا حاليا 900 ألف مهاجر، والشيء نفسه في إيطاليا، وأضاف أن “هذا يعني أنه في ظرف تاريخي قصير تمت عولمة مغاربة العالم”.

كما لفت إلى أن من مميزات مغاربة العالم، أيضا، أن الأجيال الجديدة لديها جنسية وثقافة مزدوجة بنسب مختلفة، كما أنها تحتفظ بـ”تمغربيت”، وهو ما تجلّى بشكل بارز، بحسبه، في حملة التضامن مع ضحايا “زلزال الحوز”.

وأبرز رئيس مجلس الجالية المغربية بالخارج أن مغاربة العالم متجذرون في مجتمعات دول الاستقبال، وفي الوقت نفسه يحافظون على الانتماء إلى الوطن والولاء للجنسية المغربية، مشيرا إلى أن من الإشكاليات المطروحة على السياسات العمومية المغربية كيفية مواكبة مغاربة العالم، الذين يزيد عددهم عن خمسة ملايين وثلاثمئة ألف مهاجر يعيشون بشكل قانوني في بلدان الإقامة.

ودعا إلى احترام الانتماء المزدوج لمغاربة العالم لأن “الأجيال الجديدة منهم مغاربة، لكنهم مختلفون ليس فقط على المستوى اللغوي، بل يتميزون بتعدد لغوي وسياسي وثقافي وتاريخي”، مضيفا “علينا أن نقبل فكرة الانتماء في مختلف مستوياتها، وأن نحترم اندماجهم”.

سوق لغوية افتراضية

زهور كرام، كاتبة وأستاذة جامعية بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة، نوّهت في مستهل مداخلتها بكون الأفكار التي طرحها بنيس “تحفّز على التفكير، حيث لا يدعونا إلى البقاء داخل التفكير، ولكن يدعونا إلى الخروج منه من أجل إعادة تحيين الذاكرة الثقافية وإعادة بناء تمثلات جديدة حول المشترك في هذه القضايا”.

وأشارت كرام إلى أن المغرب يزخر برصيد لغوي مهم، قبل أن تتساءل “هل حققنا بالفعل التعددية اللغوية، التي هي تفاعلية ووظيفية وعملية وتداخلية وعلائقية؟”.

وتوقفت المتحدثة ذاتها عند “اللغة الافتراضية”، أي اللغة التي يستعملها مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي، والتي قالت إنها “لغة هجينة فيها نوع من كسر منطق اللغات”، مبرزة أن هذه اللغة لم تواجَه بالرفض، بل تتسع رقعة استعمالها لسهولة تعلمها.

وفي تفاعله مع مداخلات المتدخلين، قال بنيس، وهو أستاذ التعليم العالي متخصص في اللسانيات الاجتماعية بشعبة اللغة الفرنسية وأستاذ سابق لعلم الاجتماع، إن هناك خلطا شائعا لدى الفاعلين في المجتمع يهم مصطلحي “الثنائية” و”الازدواجية” اللغوية، موضحا أن الازدواجية تهم اللغة الواحدة، بينما تعني الثنائية اللغوية وجود لغتين، وهو ما نص عليه الدستور المغربي الحالي، حيث جعل العربية والأمازيغية اللغتين الرسميتين للدولة.

وتوقف بنيس عند “السوق اللغوية الافتراضية”، مبرزا أنها “سوق لغوية جديدة تم إنشاؤها بطريقة تداولية داخل الفضاء الافتراضي”، ودعا مدبّري الشأن اللغوي في المغرب إلى التعامل مع هذه اللغة الجديدة المنبثقة من الفضاء الافتراضي.

 

إغلاق