أخبار
جمال شوقي .. خبير مغربي يلمع في الهندسة الكيميائية بالمغرب وكندا
ألف جمال شوقي الحياة في بيئة شعبية بسيطة في المغرب قبل أن يسير بتدرج نحو الوعي بالعلاقات البشرية المركبة، والانفتاح على الطبقات الاجتماعية الأرقى، وصولا إلى إدراك القوانين الكيميائية التي تتيح لمادة ما أن تصير أغلى إذا ما خضعت للمعاملات والتفاعلات التي تسير بها نحو هذا المآل.
تلقى العالم المغربي نفسه تكوينه الأساسي في الدار البيضاء، ثم شحذه بتأطير أكاديمي في مؤسسة فرنسية متخصصة في الهندسة، قبل أن يسير به لمعانقة أعلى المستويات عالميا من خلال ما يتيحه النظام الجامعي الكندي، وبعدها حرص على جعل ثمار تجربته العلمية توزع على سلتين، الأولى في أمريكا الشمالية والثانية موجودة على التراب المغربي.
التميز في بيئة بسيطة
يعد “درب السلطان” مسقط رأس جمال شوقي في مدينة الدار البيضاء، لكن الارتباط صار كثيرا بـ”درب الكبير”، في الحاضرة نفسها، بعدما انتقل جمال صغيرا كي يعيش في هذا التجمع السكاني بمعية باقي أفراد أسرته، خاصة أنه حرص على البقاء في الحي ذاته حتى حلول موعد انطلاقه إلى خارج المغرب.
ويقول شوقي بهذا الخصوص: “كان ذلك من زمن طويل، حتى إنني لا أحتفظ بذكريات واضحة عن الطفولة المبكرة، ولا أستحضر بسهولة اسم المدرسة الابتدائية التي تلقيت فيها أولى الحصص النظامية، إذ تتركز الذكريات على ثانوية الأمير مولاي عبد الله التي حصلت فيها على الباكالوريا، ثم الفترة التي تليها”.
أنهى جمال شوقي التعليم الثانوي سنة 1974، وبعدها صار من أوائل الملتحقين بثانوية ليوطي في الدار البيضاء للتكوين موسمين في التخصص الرياضي ‘’Math SUP & Math SPE’’، اكتسابا للمؤهلات القادرة على تيسير الولوج إلى المدارس والمعاهد العليا ضمن المرحلة الموالية من التكوين الأكاديمي.
نحو آفاق أوسع
شكل الانتقال إلى ثانوية الأمير مولاي عبد الله نافذة أطل منها جمال شوقي على فضاءات أخرى غير ‘’درب الكبير’’، خصوصا أنه كان محتاجا إلى السير أزيد من 5 كيلومترات كي يصل إلى الفصول الدراسية؛ أما التواجد في ثانوية ليوطي، ما بعد الباكالوريا، فقد نتجت عنه صدمة ثقافية بالتعرف على منتمين إلى طبقة اقتصادية واجتماعية غير تلك التي كان مستأنسا بها.
ويعلق شوقي على تلك الفترة بقوله: “حاولت امتصاص أثر الصدمة رغم انتمائي إلى بيئة بسيطة أعود إليها عند انقضاء كل يوم دراسي، لكن بوابة الانفتاح على ما هو أرحب تمثلت في انتقالي إلى فرنسا، سنة 1976، من أجل دراسة الهندسة بمدينة نانسي، ثم الحصول على فرصة للعمل في العاصمة الفرنسية باريس أواخر عقد السبعينيات من القرن العشرين”.
حصل جمال شوقي على دبلوم مهندس من المعهد العالي لهندسة التصميم ‘’INSIC’’، في مدينة نانسي، لكن اشتغاله في باريس لم يتجاوز 9 شهور قبل أن يغير الوجهة نحو كندا، مبتغيا التقدم في التحصيل الدراسي قبل بدء محاولة الدفع بمساره المهني نحو اشتغالات مغايرة لتلك التي جربها في فرنسا.
التميز في كندا
وصل المزداد في الدار البيضاء إلى كندا سنة 1980، قاصدا الاستفادة من المنظومة التعليمية لكبيك من خلال التسجيل في المدرسة متعددة التخصصات التقنية في مونتريال، وبعدها حرص على تعميق المدارك في فانكوفر غرب كندا، من خلال تكوين لما بعد الدكتوراه بجامعة UBC ذات الصيت العالمي، ثم قفل إلى مدرسة ‘’البوليتكنيك’’ نفسها بمونتريال كي يدرس الهندسة الكيميائية منذ سنة 1988.
ويعود جمال بذاكرته إلى بداية عقد الثمانينيات من القرن الماضي ثم يقول: “أعتبر أن الحظ حالفني لأن المسؤول المباشر عن عملي في باريس لم يكن يطيقني، وقد حاولت التعامل بكيفية إيجابية مع أفعاله السلبية، ثم اتخذت القرار بالبحث عن اشتغال مغاير أكون فيه المسؤول عما أقوم به، ولهذا جعلت هدفي ممارسة التدريس الجامعي، وحققت ذلك عبر الاستثمار في الفرص المتاحة بكندا”.
كما يعتبر شوقي، في الإطار نفسه، أن المغاربة قادرون على الاندماج في كندا بكيفية أسهل من الاندماج في فرنسا، مرجعا ذلك إلى كون البنيات الاجتماعية والسياسات العمومية في أمريكا الشمالية تتسم بغياب النوايا المعادية للمسلمين، ثم يشدد على أنه حاول تخطي قسوة الجو وانحدار درجات الحرارة أكثر من التعامل مع أي من المتغيرات الاجتماعية.
التدريس والأبحاث
انجذب جمال شوقي إلى تخصص الهندسة التحويلية لكونه يتيح التعاطي مع المواد الأولية بنية الوصول إلى منتجات نهائية ذات قيمة أعلى، ووجود الكثير من الآفاق مع تطبيقات عديدة لهذا اللون من الاشتغالات، حتى إن التعامل مع النفايات يمكن أن يخلص إلى إنتاج مواد ذات قيمة مضافة أعلى، والتعمق الأكاديمي في هذا المضمار يفضي إلى مستجدات على الدوام.
كما عمل المنتمي إلى صف الجالية المغربية المقيمة في كبيك، عند بداية مساره في كندا، على الترحيب بعملية الانتقال نحو جامعة UBC في فانكوفر لتحسين مستوى التواصل باللغة الإنجليزية حد الإتقان، وحين صار أستاذا للتعليم العالي في مدينة مونتريال واصل الارتقاء ضمن رتب المؤطرين الأكاديميين حتى صار مصنفا في الطبقة العليا بين الأقران.
يتولى جمال شوقي إدارة مختبر علمي في المدرسة متعددة التخصصات التقنية بمونتريال، متوليا الإشراف على أداء قرابة 50 باحثا في مواضيع تثمين المواد، ويستثمر هذا الحضور الأكاديمي في الارتقاء بمجال البحث العلمي حتى يواكب متطلبات العصر وحاجيات الحياة، دون إغفال الانفتاح على معاملات مع المغرب من ميدان تخصصه.
التزامات في المغرب
شرع جمال شوقي في الاشتغال مع المغرب بحلول النصف الثاني من عقد التسعينيات في القرن الماضي، وكان ذلك حين استفاد من مقتضيات تتيح للأستاذ الذي اشتغل 6 سنوات في التعليم العالي أن يتفرغ خلال الموسم الموالي، ولو خارج كندا، قبل أن يعود إلى استئناف العمل عند حلول السنة الموالية.
ويقول شوقي: “قصدت المغرب وأسرتي في موسم 1996-1997 للعمل مع شركة مناجم، وقد تركز الاشتغال وقتها على تطوير إنتاج الذهب والكوبالت مع الاقتصاد في الكلفة، وتعاملت في مراحل موالية مع مكتب الفوسفاط بأبحاث كثيرة حول كيفية الاستخراج والارتقاء بجودة المنتج، إضافة إلى ما يلزم حتى يتحقق التخلص من الشوائب”.
خلال المرحلة الحالية يتوفر جمال على علاقة جيدة مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية، الناشطة انطلاقا من بنكرير والرباط، ويتنقل شوقي بين كندا والمغرب مرات عديدة في السنة للمساهمة في أوراش متنوعة، أحدثها يتركز حول تأسيس مدرسة للهندسة من المقرر أن تفتح أبوابها خلال شتنبر 2024 أمام أول دفعة”.
طاقات الرغبات
يوصي جمال شوقي المغاربة المقبلين على الهجرة بأن لا يغفلوا حقيقة علمية تؤكد أن أي مجتمع، كيفما كان، وبلا استثناء للمجتمع المغربي، فيه العدد نفسه النسبي من الأذكياء مقارنة بأي مجتمع آخر، ويتعلق الأمر بالذكاء المميز وليس ذلك الذي يتم استعماله للعبور دراسيا من مرحلة إلى أخرى موالية.
ويضيف جامع قرابة 5 عقود من العيش مهاجرا أن الناس الراغبين في تغيير فضاء استقرارهم الأصلي مدعوون إلى مواكبة طموحاتهم عن طريق الإقبال على العمل بجدية كبيرة، لأن الاشتغال دون حساب يعطي قدرا وافرا من الثمار، خاصة إذا كان فضاء العيش والبذل مشابها للبيئة الكندية وما توفره من فرص للشباب كي يتحسنوا يوما بعد آخر.
“أرى بكيفية واضحة أن الأشخاص الراغبين في الوصول إلى نجاح ما، كيفما كان حجمه، يستطيعون نيل المبتغى في نهاية المطاف، لأن من يريدون الانتقال إلى مرتبة ما يحملون في دواخلهم طاقات لا تنضب حتى يتحقق المراد، فيكون للرغبة تحفيز كبير للأداء ما دامت متقدة، بينما الخمول يفضح من يسيرون بين الناس بلا وجهة محددة”، يختم جمال شوقي.