سياسة وعلاقات دولية
تطورات ملف الصحراء تتصدر أجندة سفراء المملكة الجدد في عواصم عالمية وازنة
بحضور وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، شكلت لحظة الاستقبال الملكي الذي خصَّصَه الملك محمد السادس، الخميس 30 نونبر، بالقصر الملكي بالرباط لعددٍ من السفراء الجدد بالبعثات الدبلوماسية للمملكة، مع تسليمهم “ظهائر تعيينهم”، لحظة فارقة في مسار عمل الدبلوماسية المغربية.
هذه الحركية تعدُّ لافتةً وبالغة الأهمية بالنظر إلى ثقل العواصم الوازنة التي سينتقل إليها هؤلاء السفراء، فضلا عن أهمية علاقات هذه الدول بالمملكة المغربية ومصالحها الحيوية وقوة الشراكات التي تربط الرباط بعدد منها؛ لا سيما بباريس وواشنطن والقاهرة وأبوظبي وكذا بكين.
ويتعلق الأمر بيوسف العمراني، سفير المغرب لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ومحمد آيت أوعلي، سفير المملكة لدى جمهورية مصر العربية، وعبد القادر الأنصاري، السفير لدى جمهورية الصين الشعبية. كما تم استقبال أحمد التازي، سفير المغرب لدى دولة الإمارات العربية المتحدة، وفؤاد أخريف، السفير لدى المملكة الأردنية الهاشمية، وكذا سميرة سيطايل، السفيرة الجديدة للمغرب لدى الجمهورية الفرنسية. وتمت بالمناسبة ذاتها تأدية كل من أخريف وسيطايل القَسَم بين يدي الملك محمد السادس.
تعليقا على الموضوع ودلالاته، قال هشام معتضد، الخبير في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية، إن “هناك ملفات مشتركة وأخرى محددة ومرتبطة بكل جهة وبلد يُعيَّن فيها أي مسؤول دبلوماسي على رأس السفارات المغربية في الخارج”، مسجلا أن “الملف الأول والرئيسي المشترك بالنسبة للسفراء المُعيَّنِين يتعلق بتطورات ملف الصحراء، والسهر على تتبع كل تحرك أو جديد أو دينامية مرتبطة به لدى دولة الإقامة”.
“هناك أيضًا مسألة الأمن القومي المغربي وحماية مصالحه الحيوية”، يورد معتضد في إفادات تحليلية لجريدة هسبريس الإلكترونية، شارحاً أن “على كل سفير المسؤولية الكاملة في الانخراط الجدي والدقيق في تتبع كل المؤشرات المباشرة وغير المباشرة التي لها علاقة بالمصالح المغربية، سواء كانت إيجابية أو سلبية”، دون إغفال “كل التحركات التي قد يكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على التوجهات الاستراتيجية للمغرب”.
وتابع الخبير في العلاقات الدولية قائلا: “إضافة إلى الملفات والتوجهات ذات المسؤولية العامة المشتركة بين السفراء، هناك ملفات تدبيرية تكون خاصة بكل سفير، حسب البلد أو المنطقة التي هو مسؤول عنها، وتتأثر أيضا بسياق العلاقات السياسية والدبلوماسية التي تهيمن على علاقة المغرب بالبلد أو المنطقة التي هو مسؤول فيها”.
دينامية ملف الصحراء
محلل الشؤون الدولية أفاد أن “هناك عملا كبيراً ينتظر سفراء المغرب الجدد في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا”، خاصاً بالذكر “ما يتعلق بتحريك الدينامية التي يعرفها ملف الصحراء”.
وقال بهذا الشأن: “بالإضافة إلى يوسف العمراني الذي سيكون أمام تحدي كسب رهان عقلنة الخط الدبلوماسي المغربي مع أعضاء الحزب الديمقراطي، والسهر على تأطير العمل الدبلوماسي المغربي في واشنطن في ظل الاستحقاقات الرئاسية الأمريكية المنتظَرة في أواخر 2024، ستكون سميرة سيطايل أمام امتحان إنجاح مهمة تدبير السياق الدبلوماسي الدقيق الذي تمر منه العلاقات الدبلوماسية والسياسة المغربية الفرنسية من منطلق دبلوماسية تضبطُها توازنات مركَّبة تعتمد على الإلمام بأدقّ تفاصيل التاريخ السياسي الذي يحكم العلاقات المغربية الفرنسية”.
أما عبد القادر الأنصاري، المعيَّن سفيرا للمغرب في الصين، فسيكون، حسب معتضد، أمام “مهمة خلق فضاء دبلوماسي جديد مع المكونات السياسية لجمهورية الصين الشعبية من أجل إكمال مسار المغرب الدبلوماسي في كسب موقف الصين فيما يخص ملف الصحراء”، بالإضافة إلى “تنشيط المقاربة الدبلوماسية للمغرب من أجل تعزيز حصد دعم الصين في حضور المغرب في إفريقيا، والعمل على توضيح أهمية المصالح المغربية في القارة الإفريقية في ظل التنافسية الصينية الأمريكية على السوق في إفريقيا”.
الباحث في الشؤون الاستراتيجية يرى في هذه الحركية الدبلوماسية مؤشراً على “تجديد دماء التدبير الدبلوماسي للتمثيليات المغربية في الخارج”، مفيدا أنها “تندرج في سياق وضع إطار جديد للمقاربة الجديدة التي يريد المغرب إنزالها في العمل الدبلوماسي، وهو ما سيشكل مسؤولية إضافية على عاتق السفراء الجدد”.
وختم قائلا: “هذه التعيينات تنخرط أيضا ضمن الرؤية الملكية الجديدة للعديد من الملفات الاستراتيجية لحماية مصالح المغرب والدفاع عن أمنه القومي، خاصة أن الدينامية التي يعيشها العالم تتطلب ضبطاً عاليا لميكانيزمات العمل الدبلوماسي، الذي يتعرض لضغط كبير في إطار الحركية السياسية التي تعرفها العلاقات الدولية والتحول الجذري الذي يهيمن على إعادة محاور التدبير العالمي لتوازناته الجيوسياسية”.
نظام عالمي جديد
خيطُ التوازنات الجيوسياسية التقطه العباس الوردي، أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط، مبرزا أن “التعيينات الجديدة لسفراء عاهل البلاد في عواصم فرنسا والصين والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية ومصر وكذا الأردن تحمل لإشارات دالّة تؤكد أن الدبلوماسية المغربية تسير حالياً في اتجاه تجديد دماء عدد من الهياكل الدبلوماسية التي ستشرف على هذه العملية الحاسمة”.
وتابع الوردي، في حديث لهسبريس، قائلا: “هذا يسمح بإثارة النقاش حول مجموعة من القضايا المفصلية التي تهم المغرب ومجموع الدول المعتمَد بها هؤلاء السفراء”، مشيرا إلى أنهم “يتوفرون على كفاءات ومؤهلات بناء صرح العلاقات المتميزة، المتجددة والحديثة بين المملكة المغربية وشركائها، مع إحداث هيكلة نموذجية لبناء مجموعة من الشراكات الجامعة بين ما هو اقتصادي واجتماعي وتنموي”.
كما لفت المحلل السياسي ذاته إلى “دور السفراء في بناء سياسة وطنية تنسجم مع التطلعات الدولية لبناء نظام عالمي جديد، عادل ومتكافئ وفق النهج المغربي الواقعي لدبلوماسيّي المملكة”.
“كل هذه البروفايلات ترسل رسالة الحرص الشخصي للملك، دائماً، على تجديد دماء وهياكل تدبير دبلوماسية المملكة، وكذا الاهتمام بصورتها في عدة عواصم عالمية وازنة جيوسياسياً”، يلاحظ الوردي، مضيفا “وبالتالي إعطاء إشارات قوية لهذه الدول على أن البناء المشترك لمصير موحّد للإنسانية كفيل بضرورة الارتقاء بالرأسمال البشري وتثمين الكفاءات وإثارة النقاش حول مواضيع ليست ذات طبيعة إشكالية بالضرورة، ولكن تعنى بميكانيزمات جغرافية وجيوسياسية واقتصادية تنموية”.
وخلص إلى أن الفعل الدبلوماسي المغربي أمام “خارطة جديدة ترسمها التعيينات الملكية الأخيرة للسفراء للعلاقات الخارجية، مما يتيح تدبير مجموعة من الإشكالات، التي يمكن أن تتعرض لها دبلوماسية البلاد، سواء في شقها الثنائي أو متعدد الأطراف، على أساس الحوار وبناء الرؤى والأسس المشتركة”.