“زينة وخزينة” كانت هذه حكاية الذهب داخل “الوعي الجمعي التقليدي المغربي”، قبل أن ترسم الأسعار “الصاروخية” للغرام الواحد مسارا آخر لهذه “الحقيقة المجتمعية”. سعر المعدن الأصفر ارتفع عالميا إلى مستواه القياسي التاريخي خلال اليومين الماضيين. كما ارتفع أيضا على المستوى الوطني إلى “مستويات عالية غير مسبوقة”، وفق المهنيين الذين صاروا يشتكون “ضعف الإقبال” في مختلف مناطق المغرب.
هذا “الركود التجاري”، الذي صار يلاحق “المعدن الأصفر” على مستوى التراب الوطني، لم ينعكس سلبا فقط على التجار والذين يشتغلون في تجارة المصوغ؛ بل أيضا على المواطنين المغاربة الذين كانوا يلجؤون إلى الذهب وتخزينه للادخار كلما كانت هناك فترات اقتصادية صعبة أو “أزمات عالمية”.
إن تراجع الطلب مؤخرا نتيجة ارتفاع الأسعار، حسب ما فسره مهنيون لهسبريس، صار يلقي بظلاله على جوانب أخرى ليست اقتصادية حصرا.
“أزمة خانقة”
المختار كرومي، رئيس جمعية الصياغين التقليديين بجهة الدار البيضاء-سطات، أكد أن “هناك ارتفاعا صاروخيا في أسعار الذهب بالمغرب اليوم”، مبرزا أن “سعر الذهب عالمي؛ لكنه قد يتفاوت بين السعر المتداول في البورصة العالمية وبين السعر المحلي المتداول داخل الحدود الوطنية، وأحيانا السوق الوطنية تكون أعلى نظرا لغياب المادة الأولية في المغرب، ولانعدام مؤسسات قانونية مستثمرة في الذهب الخام على غرار ما كان معمولا به في أواخر السبعينيات من القرن الماضي”.
وأبرز كرومي، في تصريحه لجريدة هسبريس، أن “الصناع الذين يصوغون الذهب بضاعة كان لهم وحدهم الترخيص حينها لحمل الذهب وتوصيله، حفاظا على اقتصاد العملة الوطنية”، مؤكدا أن “انعدام هذه المؤسسة أربك الأسعار، خصوصا أننا في المغرب لا نستوردُ المادة الأولية للذهب الآن؛ فحين غابت المؤسسات المعنية والقانونية بقي الباب مفتوحا للذهب المستعمل لكي يعاد تدويره، وتتم تنقيته وتذويبه وإزالة الحجر منه، ويتم اختباره ليستجيب للعيار القانوني وتوجيهه مرة أخرى للأسواق”.
وأوضح أن “الصانع يأخذ هذا الذهب من جديد؛ وبالتالي نحن ليس لدينا ذهب قادم من الخارج، ولكن أسعار التقلبات العالمية تنعكس على السوق الوطنية نتيجة التحولات التي يشهدها العالم”، مؤكدا أن “المصدر الوحيد المشروع والموجود حاليا بالمغرب هو الذهب المستعمل، وهناك ارتفاع للأسعار في المغرب أكثر من السعر العالمي، مع تسجيلنا أنه أحيانا هناك انخفاض؛ ولكن سعر الذهب المغربية يفوق مؤخرا السعر العالمي، فهو الآن يبلغ 513 درهما للغرام للمادة الخام والأولية”.
وأضاف شارحا: “أسعار الذهب المصوغ تختلف باختلاف صياغته، يبدأ الآن من 580 درهما حتى 700 درهم، وفي هذا فرق كبير مع فترة ما قبل نحو عشرين سنة، بعدما فقدت النقود قيمتها أمام الذهب بنسبة 500 في المائة، فالذهب الذي كان يمكن اقتناؤه مصوغا بنحو 10 آلاف درهم، صار اليوم يتطلب حوالي 60 ألف درهم”، وزاد: “هناك أزمة خانقة، الذهب صار يعتبر اليوم من الكماليات ومن الطبيعي أن هناك ركودا، والعديد من التجار الذي اقتنوا المصوغ بالشيكات وجدوا صعوبة في سدادها وتراجعوا عنها”.
“مشكلة وطنية”
لا يبدو أن المشكل يتعلق بالدار البيضاء والنواحي، بل يظهر أن هذا الإشكال وطني؛ وهو ما أكده خالد كرامي الصنهاجي، رئيس الغرفة النقابية لتجار وصناع الحلي والمجوهرات بفاس، بقوله إن “هناك مخاوف حقيقية اليوم لدى المهنيين في الذهب حيال تراجع الإقبال على اقتناء المعدن الأصفر، ليس فقط في فاس، بل أيضا في معظم المدن المغربية”، مشددا على أن “التجار يفتحون، اليوم، الأبواب، ثم يغادرون نحو منازلهم؛ نظرا للارتفاع غير المسبوق لأسعار الذهب الذي أثر على هذه التجارة بالمغرب عموما بشكل سلبي”.
وأوضح الصنهاجي، ضمن توضيحات قدمها لجريدة هسبريس، أن “تجارة الذهب صارت تشهد أزمة خانقة؛ فثمنه اليوم بمناطق فاس كمادة خام يصل 512 درهما للغرام، وبعدما تتم صياغته (المصوغ) يصل إلى 650 درهما أو 700 درهم للغرام الواحد”، موضحا أن “هذه الأثمنة القياسية ساهمت في إنهاك القدرة الشرائية للمواطن المغربي الذي لم يعد اليوم قادرا على اقتناء الذهب حتى للادخار، بعدما كان منتوجا للحلي وللزينة، بحيث صارت هناك أولويات جديدة ونمط استهلاك جديد”.
ولم ينكر المتحدث أن “التجار والمواطنين متضررون وفقا لهذا النمط الجديد من البيع والشراء في قطاع الذهب، نظرا لأن الأثمنة تتجاوز المستوى الطبيعي الذي كان مشجعا على الرواج في قطاع الذهب؛ لكن التضخم انعكس أيضا على هذا المجال”، موضحا أن ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي كانت هي الفترة الذهبية للمعدن الأصفر بالمغرب، حيث كان الغرام لا يتجاوز 100 درهم حينها؛ لكن تزايد السعر العالمي ينعكس بالضرورة على السوق الوطنية”.
وعلى المستوى العالمي، يشار إلى أن سعر الذهب تخطى، أمس الاثنين، “مستواه القياسي التاريخي متجاوزا 2100 دولار للأونصة في ظل التوقعات بخفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة خلال العام المقبل، على خلفية التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط”. كما “حقق الذهب 2135,39 دولارا للأونصة عند بدء التداولات في آسيا، محطما السعر القياسي الذي سجله عام 2020 إبان تفشي وباء “كوفيد-19″، قبل انخفاضه مجددا عند نهاية الجلسة الأمريكية حين تم تداوله بحوالي 2029 دولارا للأونصة”.