أخبار

جولة هاريس بالمنطقة المغاربية تؤشر على دور الجزائر في عرقلة حل نزاع الصحراء

بعد الركود الذي شهده ملف الصحراء المغربية عقب صدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2703 الخاص بالنزاع، اختارت الإدارة الأمريكية تعميق المباحثات الخاصة بأطراف النزاع عبر قيادة جوشوا هاريس، نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي، جولة جديدة هي الثانية من نوعها إلى الجزائر والمغرب لبحث حلول للنزاع المفتعل “دون مزيد من التأخير”.

وذكر بيان لوزارة الخارجية الأمريكية، صدر مساء الجمعة، بعد اللقاء الذي جمع مساعد وزير الخارجية لشؤون شمال إفريقيا بالعاصمة الجزائر ووزير الخارجية الجزائري، أن هاريس التقى بأحمد عطاف، وزير خارجية الجزائر، والأمين العام لوزارة الخارجية الجزائرية، للتشاور بشأن الجهود المشتركة لتعزيز السلام والأمن الإقليميين، بما في ذلك تكثيف التعاون لضمان نجاح العملية السياسية التابعة للأمم المتحدة بشأن الصحراء دون مزيد من التأخير.

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت أن “نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي جوشوا هاريس سيشرع في زيارة لكل من الجزائر والمغرب لبدء جولة من المشاورات مع البلدين حول دفع السلام الإقليمي وتكثيف العملية السياسية للأمم المتحدة لإيجاد حل سياسي متوافق بشأنه لنزاع الصحراء”.

وسبق لهاريس أن زار في شتنبر الماضي الجزائر ومخيمات تندوف، حيث التقى بالمسؤولين الجزائريين وقيادة البوليساريو بالرابوني. وقد شدد المسؤول الأمريكي خلال هذه الزيارة على “أهمية الدعم الكامل والمشاركة مع ستافان ديمستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، بروح الواقعية والتسوية، وتكثيف الجهود لتحقيق حل سياسي دائم وكريم لهذا النزاع”.

كما أعلنت السفارة الأمريكية بالرباط في وقت سابق لقاء هاريس بناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، حيث جدد هاريس خلال هذا اللقاء موقف واشنطن الثابت بشأن دعمها لمبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية التي تقدم بها المغرب لحل النزاع حول الصحراء.

التهافت الدولي على الشمال الإفريقي

وتعليقا على أهداف الجولة الأمريكية للمنطقة، قال إبراهيم بلالي اسويح، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، إن “زيارة نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للجزائر مرتين في الشهور الأربعة الأخيرة يدفع إلى الاعتقاد بأن الأمر لا يعدو كونه احتواءً للتصعيد بين الجزائر والمغرب وخفض التوتر الذي يهدد الاستقرار الإقليمي”.

وأضاف المحلل السياسي الصحراوي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الأمر هو أبعد من ذلك، على اعتبار أن الزيارة الأولى للمسؤول الأمريكي تزامنت مع جولة المبعوث الخاص الأممي لأطراف النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وهذه المرة قبيل بدء مشاوراته تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2703 حول الصحراء أكتوبر الماضي، مما يفسر الدور الأمريكي الجديد الذي يأخذ في الحسبان الحسابات الجيو استراتيجية من غرب المحيط الأطلسي إلى شرق الخليج، الى جانب تحديد المسؤوليات التي تسببت في فشل خطط التسوية الأممية السابقة، وعدم قدرة بعثة المينورسو على الاضطلاع بالمهام المنوطة بها في توجيه قرارات مجلس الأمن، التي تُعد الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة القلم والمقرر الأول فيها”.

“اللافت إذن أن الدفع بأي حل سياسي لقضية الصحراء كان يتطلب جرعة من مجلس الأمن، وهو ما لم يتأتَّ في السابق لأن الشروط لم تنضج بعد، وأمام الوضع الحالي ارتهنت حسابات ترتيب التموقع عالميا حين أصبح التحرك الأمريكي يأخذ هذا المنحى الميداني في شمال إفريقيا، بالتوازي مع ترتيبات مخرجات لما ستؤول إليه توافقات الشرق الأوسط”، يسجل الباحث في خبايا ملف الصحراء، قبل أن يضيف قائلا: “لكن لقاءات المسؤول الأمريكي بالجزائر تؤكد أنها الطرف الرئيسي في هذا النزاع، وأن الحل النهائي للملف المفتعل سيتم عبر قاعدة التوافق بين المغرب والجزائر من أجل التسوية التي يمهد لها الأمريكيون تحت مظلة الأمم المتحدة، عبر دعوة القطبين الإقليميين إلى الجلوس على طاولة مفاوضات مستديرة تستحضر المصالح الاستراتيجية التقليدية والمتجددة في شتى المجالات، التي تربط المغرب بالولايات المتحدة الأمريكية والمؤطرة بدعم مخطط الحكم الذاتي”.

وأكد الخبير ذاته أن “الدعم الأمريكي للمصالح المغربية لا يخفي سعي إدارة البيت الأبيض للحفاظ على العلاقات الثنائية مع الجزائر التي تتقاسم معها مصالح اقتصادية، وإن لم تكن بمستوى الغريمين الاستراتيجيين الصيني والروسي”، مشيرا الى أن “الإدارة الأمريكية تسعى إلى تمهيد الأرضية للوسيط الأممي لتحريك المياه الراكدة بين المغرب والجزائر لتبديد المزاعم السابقة للجزائر، وهو ما سيزيد من تهميش دور جبهة البوليساريو في التسوية النهائية، خصوصا في ظل ما يجري في منطقة الساحل من اضطرابات بسبب تناسل الجماعات المسلحة الإرهابية، وفشل القوة الفرنسية في مقاربتها الأمنية والعسكرية وحتى التنموية بالمنطقة”.

وعرج المتحدث ذاته على الفشل الفرنسي قائلا إن “فشل الحليف التقليدي لأمريكا ساهم في بروز الدور المتنامي للصين وروسيا ضمن مخاض ينبئ بتهافت دولي على لعب دور الليدر في منطقة شمال إفريقيا، التي قد تتأثر بعدم الاستقرار بمنطقة الساحل في وجه محاولات تقويض السلم والأمن الدوليين”.

أمن المنطقة قبل المصالح الأمريكية

من جانبه، قال سعيد بوشاكوك، باحث أكاديمي مهتم بالمجال والتنمية، إن زيارة وجولة نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكي للجزائر والمغرب تشكل محطة مؤثرة بشكل ظاهري أو خفي في مستقبل منطقة شمال إفريقيا وإفريقيا بشكل عام نظرا للحضور القوي لكل من روسيا والصين، وذلك بتعزيز علاقاتهما بناءً على المصالح المشتركة بكل تجلياتها، مشيرا الى أن “الإدارة الأمريكية مقتنعة بأن مدخل ومفتاح الاستقرار والأمن هو تقريب وجهات النظر بين المغرب والجزائر، وإزالة حالة الجمود في شبكة العلاقات العمودية والأفقية بين البلدين، مما يلزم تفعيل قرارات مجلس الأمن الدولي في موضوع النزاع حول الصحراء المغربية”.

وأضاف بوشاكوك، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الولايات المتحدة الأمريكية رغم إرادتها في تحريك المياه الراكدة بتقوية العملية السياسية للنزاع نظرا للتحديات الأمنية، فإنها تراعي على الخصوص مصالحها الاستراتيجية وقيمة المنافع حتى يبقى وجودها في المنطقة ضروريا لإعادة إحياء خريطة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، لافتا الى أن “هذه الزيارة تعد تتمة للجولة السابقة للمسؤول الأمريكي للمنطقة في شهر شتنبر الماضي، التي تزامنت مع زيارة ستافان ديميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء، للأقاليم الجنوبية”.

وأوضح أن “هذه الجولة تُعد تتمة للجولة السابقة للمسؤول الأمريكي للمنطقة في شهر شتنبر الماضي قصد ضمان سبق المساعي الأمريكية في الهيمنة وتكريس النفوذ في تنافس وصراع مع القوى العظمى، خصوصا روسيا والصين”، مضيفا أن اللافت في الأمر هو “بزوغ بوادر تشكيل نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب والتكتلات والتحالفات لأن الجانب الأمريكي يرغب بوضع القارة الإفريقية ضمن أجندة أولوياته بإعادة العلاقات وحسن الجوار بين المغرب والجزائر نظرًا للتحولات والمتغيرات الجيو استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط التي تتجه نحو المجهول واللامتوقع”.

وأشار بوشاكوك إلى “الطموح الأمريكي اللامتناهي في إفريقيا، أي ما يمكن تسميته بمركنة إفريقيا كبديل على فتور الوجود الاستعماري التقليدي، خاصة الفرنسي، نظرًا للتحولات العميقة التي شهدتها جل دول إفريقيا، خاصة دول غرب إفريقيا، لبروز نخب حاكمة ترفض الهيمنة والتبعية، وهي فرصة لأمريكا للتنافس مع روسيا والصين لبناء علاقات اقتصادية أكثر نفعًا لجميع الأطراف”.

وتابع قائلا إن “دعم الولايات المتحدة الأمريكية للمغرب الحليف الاستراتيجي في ضمان حقوقه التاريخية المشروعة وسيادته على جميع أراضيه والحفاظ على المكتسبات السياسية (دور المغرب في الصراع الفلسطيني والإسرائيلي، ودوره البارز في محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة)، وكذا المكتسبات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، بالإضافة إلى مكانة المملكة المغربية إقليميًا وقاريًا ودوليًا يُلزمها أن تلزم دولة الجزائر في الوقت الراهن خدمة للمستقبل بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للمغرب وعدم معاداته وعدائه، رغم المصالح الأمريكية مع الجزائر، خاصة البترول والغاز”.

وختم بوشاكوك حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن “الولايات المتحدة الأمريكية تختار الأمن والاستقرار حاليًا على الإغراءات الاقتصادية، فلا تعاون اقتصاديا دون ضمان الأمن والاستقرار”، مضيفا أن “العمق التاريخي للعلاقة المغربية الأمريكية مصدر قوة لتعزيز المصالح المشتركة المتبادلة بين الدولتين، خاصة الدور المحوري على مستوى الواجهة الأطلسية، كما أكد عليه الملك في خطاب عيد المسيرة الخضراء، أي أن أمريكا ستلعب دور الضامن والدركي لخلق توازن بين جميع الدول، خاصة أن الغايات النبيلة الإنسانية للمحور الخليجي الأطلسي قاعدته اتفاقية الشراكة بين المغرب ودولة الإمارات العربية المتحدة”.

إغلاق