من الرباط، جاء حديث رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، في ختام زيارة عمل عن “توقعات بأن تناهز استثمارات المملكة الإيبرية قيمة 45 مليار يورو في أفق 2050 بالمغرب”، ليُجسد مدى تلازُم العلاقات الاقتصادية في دعم الدينامية السياسية/الدبلوماسية المتنامية بين البلدين في العقد الأخير.
سانشيز اغتنم مروره خلال ندوة صحافية اختتمَ بها زيارة عمل إلى المملكة، ليؤكد أن “إسبانيا تعد شريكاً مرجعيا للمغرب باستثمارات متوقعة تناهز 45 مليار يورو في أفق 2050″، منوها بما وصفه بـ “التطور الإيجابي” للمبادلات التجارية بين المملكتين. كما أبرز أن “الشراكة الاقتصادية الثنائية مدعوة إلى مزيد من التوطيد”، مستحضرا أساسا سياق التنظيم المشترك للبلدين مع البرتغال كأس العالم لكرة القدم 2030.
رئيس الحكومة الإسبانية أشاد بـ”الجهود الكبيرة” التي يبذلها المغرب من أجل عصرنة اقتصاده، مبرزا إسهام المقاولات الإسبانية في هذه الجهود الرامية إلى تطوير الاقتصاد المغربي، قبل أن يخص بالذكر “مجالات النقل والطاقات المتجددة وتدبير الموارد المائية”.
إشارة سانشيز إلى مجالات استثمارية واعدة في الأفق الاقتصادي المتوسط بين المملكتين، لم تمر دون إثارة تفاعل عدد من المتتبعين والباحثين الاقتصاديين المغاربة، الذين رجحوا “أفُقاً استثماريا أكثر قوة ومتانة، ومستقبلا أكثر ازدهاراً” يصنُعه “حاضرٌ مثمر”.
مجالات جديدة
تعليقاً على الموضوع وأبعاده، شدد نبيل دريوش، خبير باحث في العلاقات المغربية الإسبانية، على “وجوب التدقيق أولا في مسألة تخص تصريح رئيس الحكومة الإسبانية عندما تحدّث عن 45 مليار يورو كاستثمارات، فقد كان يقصد ما أعلن عنه المغرب سابقاً من استثمارات بهذا المبلغ في أفق 2050″، موضحا أن سانشيز في ختام زيارته للمغرب “تحدَّثَ عن مساهمة شركات إسبانية في هذه الاستثمارات، وربما ظهر الأمر غامضاً إلى حين نشر وكالة الأنباء الإسبانية توضيحا بناء على معطيات رسمية وفرتها الحكومة الإسبانية”.
وأضاف دريوش، في إفادات تحليلية أنه “من جهة أخرى، لا يمكن إلّا أن نتحدث عن قفزة نوعية في التعاون الاقتصادي بين البلدين، إذ إنهما انفتَحا على مجالات جديدة للتعاون تطبَع اقتصاد القرن الواحد والعشرين، مثل قطاع الطاقات المتجددة والكهرباء ثم تحلية مياه البحر (من خلال إشارة سانشيز إلى دور شركة اكسيونا الإسبانية مثلا في محطة تحلية مياه البحر بالدار البيضاء)، والهيدروجين الأخضر، وكذا تحقيق الاستقلالية الطاقية للمغرب وإسبانيا من خلال أنبوب الغاز نيجيريا-المغرب”.
وتابع الخبير المختص في العلاقات الإسبانية المغربية قائلا: “أصبحنا أمام تكامل في اقتصاد البلدين بحكم النقلة النوعية التي حققها الاقتصاد المغربي في العقدين الأخيرين”، مشددا على أن “هذا سيشجّع مشاريع كانت مُعلّقة لعقود مثل مشروع الربط بين القارتين الذي سيشكل ثورة بكل المقاييس”.
“لا ننسى أن اقتصاد كرة القدم هو جزء من هذا المنطق الجديد الذي بات يحكُم العلاقات بين البلدين”، يورد دريوش، شارحا أن “تنظيم البلدين إلى جانب البرتغال كأس العالم 2030، ستكون له نتائج استثمارية كبيرة، مما سيساهم لا محالة في الرفع التلقائي والمباشر للاستثمارات الإسبانية (المباشرة وغير المباشرة) بالمغرب”.
“حاضرُ البلدين مثمرٌ والمستقبل واعد بالنسبة للمملكتيْن”، والمصرح خاتماً بالقول: “أعتقد أن شبكة المصالح التي يقوم البلدان بتعزيزها الآن ستُذيب القضايا الخلافية مستقبَلاً، كما ستقودنا إلى جوار طبيعي تحكمُه المصالح المشتركة والتعايش”.
آفاق “واعدة”
على النهج نفسه سار عبد الرزاق الهيري، أستاذ علوم الاقتصاد في كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس، مؤكدا أن “نظرة متفحصة في آخر الأرقام المتوفرة من قبل مكتب الصرف التي تغطي الفترة من شهر يناير إلى شتنبر 2023، تُظهر أن إسبانيا تحتل المرتبة الثالثة من حيث صافي التدفقات والرصيد الإجمالي للاستثمارات الأجنبية المباشرة (IDE) بعد كل من فرنسا الأولى، والإمارات العربية المتحدة الثانية”.
الهيري وضع هذا المعطى الاقتصادي “بعد التحسن السياسي والدبلوماسي الذي عرفته العلاقات المغربية الإسبانية، الذي فتح آفاقاً استثمارية واعدة بدأت تلوح بين البلدين، خاصة أن إسبانيا تحتل المرتبة الثالثة من حيث الاستثمارات الإجمالية المحققة والمنجزة بالمغرب أو رصيدها العام”، مستدلا بأن “الرصيد الاستثماري الإسباني الإجمالي بالمغرب يفوق 54 مليار درهم، لتحل بهذا الرقم ثالثة بعد فرنسا والإمارات”
وتابع مستشهدا بأرقام مكتب الصرف: “خلال الفترة بين يناير وشتنبر 2023، استثمرت إسبانيا في المغرب مليارا و800 مليون درهم في ظرف 9 أشهر (بعد كل من فرنسا ولوكسمبوغ)، وأكيد الوزن الاستثماري الإسباني في المغرب سيتعزز بما أورده رئيس وزرائها من الرباط في أفق 2050، وهو رقم كبير سيؤثر إيجاباً على الأداء الاقتصادي المغربي ونظيره الإسباني بما يعود بالنفع على البلدين المستضيف والمستثمِر في آن واحد”.
وتوقع أستاذ العلوم الاقتصادية أن تذهب الاستثمارات الإسبانية المرتقبة، “إضافة إلى قطاعات البنية التحتية من طرق وسكك حديدية وملاعب رياضية وبنيات اقتصادية، إلى قطاع النقل وقطاع الرقمنة والبنيات التكنولوجية والصناعة من الجيل الرابع، من أجل إنجاح تنظيم تظاهرات رياضية وجعل المملكة المغربية بلدا جذاباً بمناخ أعمال واعد”.
وأكد أن “التدبير جيد لهذا الأفق الاستثماري الواعد خلال 25 سنة القادمة كافٍ لإرساء بنية تحتية قوية ستمكّن المغرب من تحقيق التحول الاقتصادي والاجتماعي الذي ينشده في نموذجه التنموي الجديد”، مسجلا أن “هذه الاستثمارات الإسبانية المرتقبة يجب أن تتناغم مع ما يُريده المغرب وما أتى به الميثاق الجديد للاستثمار من قطاعات استراتيجية واعدة ذات قيمة مضافة عالية”.
المصدر : هسبريس