شكلت الحملة “الجادة والناقصة أيضا”، وفق توصيف كثيرين، التي تباشرها السلطات الإدارية في مدن مغربية مختلفة لتحرير الملك العمومي، “فرصة” بالنسبة لجمعيات حماية المستهلك لفتح ملف التجارة الجائلة، على اعتبار أن الحملة رافقها “إخلاء للأرصفة من الباعة الجائلين ومن البضائع والسلع، مع إلزام أصحابها بعدم معاودة اللجوء إلى احتلال الملك العام”.
ويبدو أن تعزيز دور التجارة الجائلة ما زال يتخذ “لبوسا ذي أهمية اعتبارية وراهنية”، بوصف ورش “التأطير القانوني” سيكون مدخلا لإخراج الباعة الجائلين من اقتصاد الظل، مع الدعوة إلى تمتيعهم بـ”تمييز إيجابي، بحكم أن مخاص الانتقال من شق غير مهيكل إلى آخر مهيكل سيكون بكلفة مطروحة للنقاش بالنسبة للمشتغلين في دائرة البيع المتجول”.
“الوقت قد حان”
أحمد بيوض، الرئيس المؤسس لجمعية “مع المستهلكين”، قال إنه “لم يعد مقبولا من السلطات أن تتأخر في تعميم تنظيم الباعة الجائلين؛ لكون البرامج التي وضعتها الدولة لا يستفيدون منها جميعا، خصوصا أن المهنة موجودة في كل مكان وبطرق يصعب ضبطها أو التحكم فيها”، مذكرا بضرورة “إجراء إحصاء رسمي حقيقي، يتسم بالدقة ويخول معرفة العدد الإجمالي للباعة الجائلين على مستوى التراب الوطني، وهذا الإحصاء سيكون هو أرضية التأهيل”.
وتابع بيوض تصريحه قائلا: “يجب أن يستفيد هؤلاء الباعة من التغطية الصحية، وأن يكون عملهم منظما ومحميا قانونيا وغير خاضع لتعسف السلطات كما هو الحال”، وأضاف: الدول الأوروبية لديها تصور يمكن الانطلاق منه، خصوصا فرنسا وألمانيا، حيث يتم تحديد أوقات محددة لمن يريد أن يعرض خدماته في الشارع. وبعد نهاية التوقيت المسموح به، تعود الأمور جد عادية، فضلا عن تخصيص أماكن لهذه التجارة موجهة حصريا لها”.
وأكد الفاعل في حماية المستهلك استحالة القضاء على التجارة الجائلة، فـ”هي ليست عدوا”؛ بل هي “مهنة في حاجة إلى تقنين لتصبح منظمة وتؤدي الضرائب وتخضع للمراقبة وللضبط والتتبع في كافة المنتوجات التي تعرضها وتقدمها للمستهلك المغربي”، مشددا على “أهمية حماية الملك العمومي في عملية التنظيم هذه، وهو ما يمكن أن يكون فرصة لخلق فضاء جغرافي على مستوى كل مدينة لحط الرحال فيها”.
“حماية المستهلك والبائع”
عبد الكريم الشافعي، نائب رئيس الجامعة المغربية لحماية المستهلك بالمغرب ورئيس الفيدرالية الجهوية لحقوق المستهلك بجهة سوس- ماسة، أورد أن “برنامج تنظيم الباعة الجائلين الذي أطلقته الدولة ما زال محدودا، لكونه لم يعالج الإشكال بشكل بنيوي”، مشيرا إلى “إمكانية اعتبار المستهلك نقطة الانطلاقة والمدخل الرئيسي في عملية التأهيل المذكورة؛ لكونه سيعرف طبيعة الشخص الذي يتعامل معه باعتباره حائزا على ترخيص”.
الشافعي لفت، في تصريحه إلى أن “إحداث أسواق القرب لاستقطابهم لم يكن مغريا كفاية، نظرا لخلو العملية من شق تواصلي مهم يشجع البائع على الانخراط برغبة وكاختيار استراتيجي له ولمستقبله”، مسجلا “ملحاحية إخضاع الباعة للتكوين وطرح قانون يهمهم ويجعل الدولة تستفيد إيجابا منهم. هذه الظرفية حاسمة حتى نمضي قدما في معالجة كل إشكالات الملك العمومي”.
وأشار المتحدث عينه إلى “تسهيل التقنين عملية مراقبة السلع وتمكين البائع من رقم ومن رخصة؛ وهو ما يمنح أريحية حتى في العلاقة التجارية التبادلية التي تصبح مبنية على الثقة أكثر من أي شيء آخر”، خالصا إلى التأكيد على “محاصرة التجارة العشوائية السائدة في مواقع التواصل الاجتماعي. ويمكن أن تحدث الجهات الحكومية منصة رقمية وطنية لفائدة الباعة المتجولين لعرض منتوجاتهم منبثقة من عملية تأطير المجال”.
وكان رياض مزور، وزير الصناعة والتجارة، أعلن، في جلسة الأسئلة الشفهية بمجلس النواب، خلال نونبر 2023، أن 86 ألفا من الباعة الجائلين استفادوا من البرنامج الوطني لتنظيم المجال من أصل 126 ألفا جرى إحصاؤهم، مؤكدا أن عدد المواطنين النشطين في هذا المجال يقدر بحوالي ربع مليون شخص، وأنه في إطار البرنامج جرى إحداث 200 من أسواق القرب تم تخصيصها لاستقطابهم.
وأفاد المسؤول الحكومي حينها بأنه “تم إصدار دليل خاص بالمساطر للجماعات لتنظيم الباعة الجائلين”، مشددا على أهمية ضمان التكوين للنشطين في هذا المجال من أجل تمكينهم من ترويج وبيع سلعهم في الفضاء الإلكتروني، مؤكدا أهمية هذه الفئة في المجتمع.
المصدر : هسبريس